السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مصر الدور والنموذج

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ارتبط دور مصر تاريخيا بقدرتها على صياغة وبلورة "نموذج" متكامل فى السياسة والاقتصاد والثقافة، وتجاوز تأثير هذا النموذج الحدود الوطنية للدولة المصرية، ليمتد إلى المنطقة والإقليم، ولم تتخل مصر عن هذا الدور المرتبط بالنموذج إن كان فى الزمن القديم أو الزمن الوسيط أو الزمن الحديث.
وقد أهل مصر لهذا الدور النموذج موقعها الفريد وقدرتها على التفاعل مع كل المكونات الثقافية الوافدة، إن كان من الإقليم الذى تقع فيه، أو خارج الإقليم عبر المتوسط وأوروبا، واستطاعت مصر أن تمزج بطريقة فريدة واستثنائية بين موروثها الثقافى والروحى وبين تلك المؤثرات الثقافية والفكرية الوافدة، بل وأن تنخرط هذه العناصر الثقافية الوافدة فى الثقافة المصرية، وكما لو كانت جزءًا لا يتجزأ منها، ويكون من الصعب غالبا تمييز هذه العناصر الوافدة عن غيرها، إذ تنخرط جميعها فى بوتقة واحدة لتصبح نسيجًا متكاملًا ومتماسكًا.
ولعل أقرب هذه النماذج للوعى والوجدان والذى لا يزال ماثلا والثقافية فى الأذهان، هو نموذج مصر الناصرية بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والذى تأسس على بناء قاعدة اقتصادية قوية فى الداخل وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتبنى سياسات استقلالية على الصعيد الخارجى تمثلت فى سياسة الحياد الإيجابى وعدم الانحياز ودعم حركات التحرر الإفريقية والعربية.
تتوقع غالبية المواطنين والنشطاء والنخبة المصرية أن تستعيد مصر دورها بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، وموجتها الكبرى فى الثلاثين من يونيو عام 2013، وذلك استلهامًا واستنادًا إلى تلك القاعدة التاريخية بأبعادها الجغرافية والبشرية والثقافية.
لقد مرت مصر بسنوات ثلاث بعد الثورة ارتبك فيه الأداء وضعفت هيبة الدولة وتعثرت محاولات الإصلاح، بسبب سيطرة جماعة الإخوان على الحكم والثورة معًا، غير أن مصر بعد الثلاثين من يونيو وبعد الشروع فى تنفيذ خارطة المستقبل ووضع دستورها المعدل والشروع فى ترتيب إجراءات الانتخابات الرئاسية، تكون قد قطعت شوطا كبيرا فى إعادة ترتيب أوضاعها تمهيدا لاستئناف دورها وتأثيرها الإقليمى.
قد تتمكن مصر من بلورة وصياغة نموذج آخر بعد الثورة الشعبية فى الزمن المتوسط من 3 إلى 5 سنوات، خاصة إذا ما تمكنت من محاصرة الإرهاب والعنف الذى تفجره جماعة الإخوان والجماعات المرتبطة بها عقائديًا.
بيد أن هذا النموذج الجديد سوف يكون مختلفا عن نموذج الخمسينيات والستينيات، نموذج ما بعد الثورة يتلخص فى بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، وذلك لاعتبار أن الديمقراطية والدولة المدنية هما جوهر النضال العربى والشعبى منذ عقود طويلة مضت، لأن الديموقراطية هى النظام الوحيد التى يكفل الاستقرار وتجنب الطائفية والمذهبية والعنف والاحتفاظ بالوحدة فى إطار التعدد.
هذا النموذج الجديد القائم على الديموقراطية وحقوق الإنسان والمساواة، ليس فحسب حاجة مصرية أصيلة، بل هو أيضا وبنفس الدرجة حاجة عربية ماسة لمواجهة مخططات التفتيت وبث الفرقة والطائفية، وطريق مصر الجديد لاستئناف دورها وتأثيرها.