الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الروائي أحمد فضل شبلول يتحدث لـ«البوابة نيوز» عن مستقبل الرواية العربية بعد حرب غزة

الروائي والشاعر أحمد
الروائي والشاعر أحمد فضل شبلول
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 أحمد فضل شبلول: الأدب أحد أهم الأسلحة لترسيخ قضايا الهوية والدفاع عن الأرض 

- الروائيون الفلسطينيون الأقرب شعرًا ونثرًا فى تجسيد صورة اليهود

- لن تسمح سلطات الاحتلال الإسرائيلي للروائيين الفلسطينيين بفضح ممارساتهم

 

بفكر أديب وبرؤية شاعر رصد الروائي والشاعر الكبير أحمد فضل شبلول جوانب متنوعة لمستقبل الرواية العربية في ظل الحرب على قطاع غزة، من الكيان الصهيوني الغاشم.

وأكد «شبلول» أن الروائيين الفلسطينيين بتماسهم المباشر للقضية هم الأقرب شعرًا ونثرًا لنقل الأحداث بمصداقية.. التقت «البوابة نيوز» وكان هذا الحوار.. 

■ هل تتوجه الرواية العربية في الفترة المقبلة إلى رصد الأحداث التي شهدتها فلسطين؟

أتوقع بطبيعة الحال أن تواكب الرواية العربية ما يحدث على الأراضي الفلسطينية، مثلها في ذلك مثل الروايات العربية التي تواكب وتعايش وترصد ما يجري على أراضيها، كل في بلده، فالكاتب يعبر عن حياته وعما يراه من شخصيات ووقائع وأحداث وأزمان وذكريات يمر بها، فرأينا على سبيل المثال مَنْ يكتب عن الحرب الأهلية اللبنانية من قبل، ومن كتب عما يحدث في العراق أو في سوريا وليبيا واليمن والسودان وكل بقعة تحدث فيها الأحداث الجسام المؤثرة في تركيبة الشخصيات وعلاقتها بالأرض أو البيت أو الأماكن التي تعيش فيها. 

والسؤال هو الكيفية التي ستكتب بها تلك الأعمال هل سيلجأ الكاتب إلى الواقعية، مثلما فعل نجيب محفوظ في الثلاثية مثلا، أو خان الخليلي وزقاق المدق، أم سيلجأ إلى الرمزية أو الفانتازيا والخيال الجامح، مثلما رأينا في "أولاد حارتنا" على سبيل المثال. كل الأشكال والمضامين متاحة ومفتوحة أمام الكتاب، ولكننا كما نعرف فإن الرواية غير سريعة الاستجابة مثل القصيدة الشعرية أو القصة القصيرة، لذا فإن الأمر قد يستغرق بعض الوقت لنرى رواية كبيرة معبرة بصدق وأمانة عما نراه من أحداث متسارعة على الأراضي الفلسطينية. وعلى الرغم من ذلك فهناك كتاب فلسطينيون لهم من الرصيد ما يؤهلهم للاستجابة السريعة لتلك الأحداث، مثل يحيى يخلف ورشاد أبو شاور وإبراهيم نصر الله وغيرهم.

■ هل يُعد الأدب سلاحًا هامًا في ترسيخ قضايا الهوية والدفاع عن الثوابت والإيمان بجوهر الأرض؟

بالتأكيد، الأدب والفن عمومًا من أهم الأسلحة في ترسيخ قضايا الهوية والدفاع عن الثوابت والإيمان بجوهر الأرض، وهو هذا هو جوهر الأدب والفن أن يؤكد الانتماء والولاء للوطن وللأرض، ولنا في أعمال نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي وبهاء طاهر وفتحي غانم ويوسف السباعي وغيرهم أسوة في ذلك، ولنا في أغنيات سيد درويش ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ وشادية ومحرم فؤاد وغيرهم أسوة أيضا في الفن والغناء. وخارج مصر سنجد فيروز عندما تغنى "بحبك يا لبنان يا وطني" وعندما تغني "القدس لنا" و"أنا وشادي"، وهناك وديع الصافي وماجدة الرومي ومارسيل خليفة ونصير شمة وغيرهم. هذا هو الفن الحقيقي الذي يجمع بين الجمال والمتعة ويعمِّق الإحساس بالانتماء للأرض والوطن. 

■ هل هناك توقعات في أن تصور الرواية العربية ما جرى بعد عملية طوفان الأقصى من جرائم الاحتلال؟

بالتأكيد، وأغلب الظن أن الكتاب والروائيين الفلسطينيين سيكونون الأكثر تعبيرًا ومصداقية في هذا الشأن لأنهم عاشوا الوضع على الأرض، أو كانوا الأقرب له، لقد عاشوا في دروب غزة وفلسطين وباحت الأرض لهم، وهم يبوحون لها. وأتذكر أنه عندما سئل نجيب محفوظ لماذا لم يكتب عن القضية الفلسطينية في رواياته، أو يخصص رواية عن فلسطين، أجاب أنه لا يكتب إلا عن الذي يعرفه، فهو لم يكتب عن الريف المصري أو القرية المصرية مثلا، مثلما كتب محمد عبدالحليم عبدالله على سبيل المثال، لأنه لم يعش هناك ولم يُقِم في الريف ولم يزره، فإذا كتب عن فلسطين فلن تكون فلسطينا، فهو لم يمش في شوارعها ولم ير أحياءها ولم يشم ترابها ويأكل من أكلها ويشرب من مائها، ولم يذهب للقدس أو غزة على سبيل المثال، أما الكتاب الفلسطينيون فهم معجونون بالأرض وبالقضية في جميع مراحلها منذ ما قبل ١٩٤٨ وحتى الآن، وبالتالي فهم الأقدر على الكتابة وعلى التأثير أكثر من غيرهم.

أما نحن – أي الكتاب الذين نتابع الأحداث من خلال شاشات التليفزيون وصور الوكالات الصحفية سواء التي مع الفلسطينيين أو ليست معهم - فإننا لن نكتب بعمق الذي عاش على الأرض وشاهد وتفاعل واكتوى وانصهر في أتون الأحداث، ومع ذلك فلكل قاعدة شواذ، وقد يفاجئنا كاتب عربي من خارج الأرض المحتلة بعمل مهم ومؤثر عما يحدث على الأرض هناك.

■ هل صورة اليهودي في الرواية العربية سوف تتغير بعد عملية طوفان الأقصى؟

صورة اليهودي ثابتة في المخيلة العربية، وهي قبل عملية طوفان الأقصى مثلها بعد العملية، ولكن العملية كشفت أن هذا اليهودي أو الإسرائيلي أو الصهيوني أكثر شراسة عما قبل، وأكثر تصديا بكل الأساليب لكل القرارات الدولية التي هي بالنسبة له حبر على ورق، وأفصحت تلك الشخصية عن روح الإبادة والتدمير التي جُبل عليها هذا الإسرائيلي، وأنه لا يؤمن على الإطلاق بما يسمى "السلام"، وهو يفهم السلام بمعنى "الاستسلام"، وأنه يسعد بشلالات وأنهار وبحيرات الدم، التي عندما تطاله بعض رذاذها، يقيم الدنيا ولا يقعدها، ولكن بالنسبة له فهذا شرعي ومباح، وهي عقيدة عندهم أن كل ما هو غير يهودي فقتله مباح، وأن الأغيار هم مجرد خدم وعبيد عند اليهود. فهم شعب الله المختار وسواهم يعيق الحياة، ويجب التخلص منهم.

وهم يقولون:

(هي الأرض تُولدُ من سحرِنا

وتنبتُ في عقلِنا

وأسرارُها عندنا

فلا خيرَ إلا لنَا

ولا شعبَ إلا بِنا

فنحنُ الخيارى

ونحنُ السُّكَارى

بأمجادِنا

ونحكمُ كلَّ الشعوبِ

بدستورِ أحقادِنا).

■ هل تركز الرواية العربية في توضيح الفرق بين اليهودية والصهيونية؟

أعتقد أن هناك بعض الروايات التي أوضحت هذا الفرق مثل رواية "يهود الإسكندرية" لمصطفى نصر، على اعتبار أن اليهود خلال الفترة التاريخية التي تناولتها الرواية كانوا من نسيج الشعب المصري، قبل رحيل معظمهم إلى الكيان المزعوم، وأنا أعتقد أن هناك فرقًا بين اليهودية كدين سماوي يعترف به المسلمون، والصهيونية كحركة سياسية استعمارية تريد أن تسيطر على العالم وتحكمه وتوجهه وفق أجندتها وفكرها الخاص، ولذا جاء كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون" وليس "بروتوكولات حكماء اليهود" مثلا.

أما في رواية "صديقتي اليهودية" لصبحي فحماوي، فالعنوان كان صادمًا وجريئًا، وقد يحفز على قراءة الرواية، أو قد ينفر القارئ العربي منها، بالنسبة لي كان العنوان حافزا قويا على قراءة الرواية لأعرف طبيعة هذه الصداقة أو العلاقة، وأبعادها وتأثيرها على النظرة إلى الآخر اليهودي، الذي كان غير الصهيوني في تلك الرواية.

■ هل الروائيون الفلسطينيون بتماسهم المباشر مع وقائع الاحتلال استطاعوا تجسيد صورة اليهودي أو الصهيوني؟

نعم بطبيعة الحال، فقد كانوا الأقرب شعرًا ونثرًا، إلى ذلك، ولنأخذ في الشعر مثلا محمود درويش في قصائده المعروفة "سجل أنا عربي" و"الجسر" و"كتابة على ضوء بندقية" وغيرها، وكذلك إبراهيم طوقان وفدوى طوقان وسميح القاسم وتوفيق زياد وهارون هاشم رشيد وعز الدين المناصرة، وغيرهم خاصة فترة السبعينيات، أما في الرواية فقد استطاعت أعمال الكتاب من أمثال غسان كنفاني، وأحمد رفيق عوض، وسحر خليفة، ووليد أبو بكر، وغريب العسقلاني، ومحمود الريماوي، وحزامة حبايب، وحسن حميد، ومحمود شقير، ويسري الغول، وبشرى أبو شرار، وسناء أبو شرار، وغيرهم، استطاعت تجسيد صورة اليهودي أو الصهيوني، كل كاتب بطريقته وعن طريق التقنيات الروائية التي يستخدمها.

وعلى سبيل المثال فإن غريب عسقلاني – الذي رحل في العام ٢٠٢٢ - في روايته "جفاف الحلق" يبرز موضوع الاحتلال والمقاومة ضمن السياق العام للسرد الإنساني بتقنياته الفنية البارعة، ومن ثم خفَّت حدة الصراخ والمباشرة، على الرغم من تلك الليلة السوداء التي دكَّ فيها اليهود بعض الأحياء في مدينة غزة، وكان من نصيب مدرسة غريب، قذيفة أصابت الجدار الشرقي، وطيرت قرميد السقف، وكسرت بعض البنوك، فوزع تلاميذ فصله على فصول أخرى، فأحس الطفل بمحنة أن يكون لاجئا على فصول مضيفة. وهو ما يرمز إلى محنة أكبر بعد ذلك. 

■ هل تجسد الرواية العربية بطولات المقاومة والعمليات الفدائية وتفضح ممارسات الكيانات الصهيونية باغتيال المنطقة؟

منذ أن تنبه الكتاب والشعراء العرب إلى التآمر على فلسطين عن طريق وعد بلفور المشئوم عام ١٩١٧ وهم يحذرون وينبهون، خاصة عندما تجسد هذا التآمر وظهرت أنيابه في نكبة ١٩٤٨، وسنجد هذا أوضح في الروايات المصرية خاصة بعد ١٩٦٧ وأعمال صالح مرسي الذي قدَّم لنا "دموع في عيون وقحة" ورأفت الهجان" و"الصعود  إلى الهاوية" و"الحفَّار" وغيرها من أعمال الجاسوسية، تكشف الوجه القبيح والحقيقي للممارسات الإسرائيلية والصهيونية، ولا ننسى أيضا الفيلم المصري "الطريق إلى إيلات" الذي كتبه فايز غالي وأخرجته القديرة إنعام محمد علي.

أما الأعمال الروائية الفلسطينية التي تناولت هذا الموضوع فربما لم يصل إلينا معظمها، وخاصة المكتوبة داخل الأراضي المحتلة، فلن تسمح سلطات الاحتلال المتحكمة في إيقاع المعيشة هناك بطباعة تلك الأعمال وخروجها ووصولها إلينا في مصر وفي بعض الدول العربية. وأنا واثق أن هناك الكثير من الأعمال الروائية المكتوبة داخل الأراضي المحتلة استطاعت أن تعبر عن بطولات المقاومة الفلسطينية والعمليات الفدائية هناك. 

ولعلي أستطيع أن أتحدث بتفاصيل أكبر عن رواية "جفاف الحلق" للكاتب الفلسطيني غريب عسقلان التي بها تكثيف شديد، وتلخيص مستقطر، لحياة بعض العائلات الفلسطينية في غزة، منذ أن كان أفرادها يستخدمون الأنوال في نسج الملابس والسراويل وتطريز المناديل وذيول الأثواب بالعصافير والنخيل، من خلال الورش الموجودة في ساحات البيوت، وحتى إنشاء مصانع الغزل والنسيج، لتحل بديلا عصريا للنول المنزلي والنسيج اليدوي بعد موت النبي شيت رسول الغزل والنسيج في الأسطورة الفلسطينية أو الغزَّاوية، وما صاحب ذلك من تغير في العادات والتقاليد، ويرفد كل ذلك حضور قوي للجدات والأجداد الذين يعيشون مع الأبناء والأحفاد في دار واحدة، وتأثير الزمن ثم الاستعمار على الجميع.

وفي الوقت نفسه يعاصر الطفل غريب بداية النكبة وخيوط الأزمة مع العدو الإسرائيلي، وانتحار الجمل الذي مضغت عربات المقطورة لحمه الذي كان حيا، فيقدم لنا لوحات مؤثرة من اقتلاع الأرض والوطن، ضمن طقوس الحرب والاعتداء والاحتلال والاغتصاب، لذا فإنه يطلق على روايته ـ الصادرة عن بيت الشعر بالمركز الثقافي الفلسطيني (١٦٤صفحة) ـ ضمن عنوان داخلي "جفاف الحلق ومرارة اللسان ـ رواية النكبة"، ليقدم عنوانًا أكثر شرحا، وأوسع دلالة، من العنوان المكتوب على الغلاف الخارجي "جفاف الحلق" فقط.

عشرات الحكايات الداخلية، التي تتكامل مع بعضها البعض، لتقدم لنا مشاهد إنسانية غنية بالتفاصيل وحريصة على التمسك بأهداب الحياة والذوبان فيها، شاهدها واستمع إليها الطفل غريب، الذي يتنقل بقارئه، من حكايا الحب، والكراهية، والبطولة، والفداء، إلى طقوس الزواج والطلاق والدفن، والتجارة والشطارة.. وغيرها. إنها حكايات البشر ذات الخصوصية التي أضفتها تلك البقعة من العالم، لذا تجئ الأغاني والأمثال الشعبية وحكايات الجدات والأمهات، لتعطي بُعدًا جماليًا وأسطوريًا لهذا المكان المتميز.