الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الفوضى والنباح!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

الحروب، الصراعات، الأزمات، والغموض إزاء حلول محتملة للفوضى المنتشرة و"نباح" من المواطن المتطلع للكرامة. هذه كلها كلمات يمكن أن تلخّصَ العام الماضي. وبصرف النظر عن هذه الأوصاف، فقد كان عامًا محبطًا في شتى النواحي. لقد شهدنا خلاله الجانب الوحشي والمظلم للطبيعة البشرية. استمرت الحرب الأوكرانية بلا هوادة، وأثرت على اقتصادات البلدين وأوروبا كما أثرت على اقتصادات المنطقة. لكنَّ التأثير حاد ومؤلم أكثر على المشاعر الإنسانية التي ليس لها مكان في هذا العالم الذي أصبح عنوانه الأبرز الدمار والموت! ثم جاء الهجوم الوحشي من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي على غزة والذي لا يزال مستمرا للأسف. وهناك العديد من الحروب الوحشية الجارية في بلدان أخرى أيضًا، مثل السودان وعدد من الدول الأفريقية. وسادت تداعيات الحروب على معظم السياسات المالية والنقدية لكبح التضخم الذي اشتدت وطأته في عام 2022، لكنه استمر حتى عام 2023. وقد تضررت الاقتصادات النامية بشدة من السياسات النقدية والتي أثرت على النمو وحركة الاستثمار وفرص العمل والصادرات والإيرادات من العملة الصعبة.

ويعتقد معظم صناع السياسات أن هذا الحال مستمر على الأقل حتى نصف العام الحالي 2024 مع استمرار الركود في معظم الأنشطة الاقتصادية. وتتجه الضغوط إلى المزيد من التصعيد في ضوء التهديدات على التجارة العالمية التي تمر من البحر الأحمر في ظل هجمات الحوثيين، خاصة أن القوى الكبرى لا تقوم بأدوارها بشكل لائق، ولا تمارس ضغوطًا حقيقية على الدولة العبرية لإيقاف ضرباتها الوحشية على الفلسطينيين ووضع حد لمسببات الاضطراب والصدام بالبحر الأحمر. وإذا استمر الحال على ما هو عليه فإن الاقتصاد العالمي يتجه نحو هاوية جديدة، بعد أن أنهكته جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، ناهيك عن المخاطر التي تحاصر الأمن القومي العربي وتهدد شريانه "الأورطي" الذي يربط الملاحة بين الشرق والغرب. وإذا كانت المؤسسات المالية وجهات البحث ترصد التداعيات الاقتصادية على العالم فإن الغياب يكاد يكون سائدا لما لحق النفس البشرية من آلام وأمراض جراء هذا الوضع!

إنها الفوضى التي لا تبدو لها نهاية وهو ما انعكس على الفوضى داخلنا. أشعر أن كلماتي باردة رغم كونها تصرخ في وجهي وتمسك بأصابعي لتبثّها اللوعة والألم التي تكوينا بنارها جراء كل هذه الفوضى التي تفترس العالم وتقلص أحلامنا لتجعل أقصى طموحنا هو أن نستيقظ من نومنا الحزين فنجد الضربات الموجعة لأهل غزة قد توقفت، وشرب الطفل حليبًا وأكلت الأمُّ رغيفًا ساخنًا وتدثَّر الكبار والصغار بكساء وغطاء يحميهم من برد الشتاء القارس. ألن تتوقف هذه الإبادة الجماعية في غزة والتي تُقابل بخرس عالمي على جرائم ترتكب في وضح النهار وظلم للشعوب وحقوقها واستهانة بكرامتها وآدميتها دون محاسبة حتى أصبحنا بلا روح ولا شغف يبقينا على قيد الحياة.

كنا نسمع طويلًا عن عنق الزجاجة دلالة عن أزمة خانقة ومستفحلة، ربما نستشعر معها لحظات بطعم الاحتضار. وكنا نردد أن بعدها الانفراج لامحالة؛ لكن عنق الزجاجة أصبح ثقبًا أسود نختبئ فيه حتى لا ننحدر إلى قاع البئر المخيف الذي لا أملَ في النجاة من مصيره المحتوم. ولكني أظل أتساءل هل مازال هناك قاع آخر لم ندركه بعدُ وهل مازالت هناك أيام نحسبها من عمر المستقبل أم أنَّ كل يوم جديد يأتينا نخصمه من فاتورة العمر. وسط هذا الموت الذي أصبح الحقيقة الوحيدة في أرجاء غزة، ووسط الأشلاء والدمار يتملكنا الهذيان من شدة الصدمة ونحتار هل ما نراه حقيقةً أم خيالًا! إنها حرب كشفت نفاق تجار حقوق الانسان والحيوان، وفضحت عوراتهم؛ فعن أي حقوق يتحدثون؟! جميع الحقوق يتم اغتيالها وذبحها على مقصلة صانعي هذه الحقوق؛ حقوق الأموات الذين تُنبش قبورهم ويتم التمثيل بجثثهم وتُنتزع جلودهم وعيونهم وأعضاؤهم، أم حقوق الأسرى الذين يقتادون عراة ويقتلون بدم بارد، أم حقوق الصحفيين الذين يستهدفون مع عائلاتهم لإخراس الحقيقة، أم حقوق النساء الذين تبقر بطونهن وتقتل الأجنة في أرحامهن أو أطفالهن الرضع في أحضانهن، أم حقوق الأطفال الذين يبادون حتى لا يكون لهم صوتٌ وقرارٌ يوما ما!!

لقد سئمت الشعوب العربية من سماع الشعارات الرنانة تدوي في أرجاء المؤتمرات والمحافل حول تعزيز التعاون الدولي الشامل بينما على أرض الواقع لا يوجد سوى العنف وإشاعة الفوضى واقتراف أبشع الجرائم وانتهاك الحقوق وارتكاب المظالم في حقها دون ردع أو محاسبة.

لقد كان عام 2023 عامًا غريبًا، وقد يكون عام 2024 أكثر غرابة. والسؤال الذي مازلنا في انتظار إجابته هو لماذا يسكت العربُ عما يحاك بهم من مؤامرات وتنكيل وانتهاك لحقوقهم. قد يبدو السؤال ساذجًا للبعض، خاصة معشر السياسيين، لكنَّ المواطن "المطيع" الذي يؤدي واجباته ويدفع ضرائبه ويلهث في حياته اليومية لتوفير احتياجاته وأسرته يطمح في المقابل في بعض كرامة. قد تكون الإجابة على ذلك السؤال أحد مصادرها!

لم يبق في هذا الموت السائد إلا أن ننتظر المعجزات وأن تنبت الأمنيات من كل قطرة دم سالت على تلك الأرض الطيبة ومن كل جريح ينزف ومازال قابضًا على الجمر ومن كل مدافع عن عرضه وأرضه وكرامته. فهل تفلح هذه الأمنيات النابتة في هذا الجحيم وتهزم الخطط الاستعمارية!،أم أنها مجرد أوهام جديدة و"نباح".. لأننا ببساطة في زمن الأفعال لسنا في زمن المعجزات! 

*كاتبة صحفية متخصصة فى الشؤون الدولية