الإثنين 03 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

التحرش

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صار التحرش ظاهرة كبيرة في مصر فاقت كل الظاهر الإجرامية في المجتمع . عشت زمنا كان فيه التحرش شيئا لايمر مرور الكرام ابدا . عشت زمنا كنت أري فجاة شخصا يشترك في ضربه كل ركاب الاوتوبيس أو الترام لانه تحرش بفتاة او سيدة . وكان مرور فتاة وحيدة بعد الساعة العاشرة ليلا يعني أن ينهض أكثر من شحص ليصل بها الي بيتها في أمان رغم أن الحياة كانت آمنة . في الوقت الذي كان فيه لا أحد يتدخل إذا رأي شابا وفتاة يقفان أو يجلسان في حديقة أو علي الكوبري أوالشاطئ ينظران الي النيل أو البحر وهويطوقها بذراعه . كما كانت في القاهرة وغيرها حين وفدت اليها في السبعينات شوارع مفتوحة للأحباء اهمها شارع الجبلاية في الزمالك الذي كان علي مقاعده العشا ق جالسون وحولهم الباعة للبيبسي والشاي ولم يكن العشاق يتطورون في جلساتهن بأكثر من قبلة خلسة . كان الرضا بين الشا ب والفتاة واضحا أمام الجميع ومن ثم لايتدخل أحد خاصة أنه لايزيد عن حديث هامس أو ضحكة جميلة وإذا تطور يكون قبلة سريعة مختلسة . صحيح أنه كان يمكن تجاوز ذلك احيانا في الحدائق لكن بنسبة لا تذكر وبرضا الطرفين ومن ثم لا يعد تحرشا . كان أيضا الزواج سهلا والعمل متوفرا والسكن . لم تكن هذه قضايا كبري ولا قضايا العمر كله . كانت نسبة العنوسة بين الفتيات لا تذكر قياسا عليها الآن وايضا بين الشباب . صار التحرش يزداد يوما بعد يوم بسبب الفقر والبطالة وتأخر الزواج وساهمت العشوائيات في التحرش بأكثر مما يتصور أحد وأصبح تقريبا فتوة الشارع إذا كان هناك فتوة مجرما لا يحمي أهل الشارع بقدر ما يتحرش بالنساء والفتيات تساعده العنوسة وقلة الزواج في وقت صارت الانترنت متاحة في البيوت والدش الذي يقدم قنوات الجنس أو حتي الأفلام الأجنبية كاملة فصارت الثقافة الجنسية هي ثقافة حمي الجنس بين الصبية والشباب وليست قافة الرضا بين الطرفين . في أوربا والعالم المتحضر التحرش جريمة كبري رغم انفتاح الدنيا علي حرية الجنس ومؤكد أن ذلك هو السبب لأنه مع هذه الحرية يوجد عمل ومسكن وحياة سهلة .يوجد وطن .
أذكر أول مرة سافرت فيها الي أوربا منذ اكثر من عشرين عاما وكانت إلى باريس . ركبت المترو وجلست فوجدت أمامي شابا وفتاة يقبل كل منهما الآخر بهدوء وكان علي أن أجلس صامتا جتي نزلا من المترو . لم يكن ذلك استثناء بل كل يوم وفي كل وقت . ولا أنسي مشهدا أضحكني كثيرا حين نزلت من الفندق في شارع السان جيرمان في العاشرة صباحا فوجدت أمامي علي الرصيف شابا وفتاة يتعانقان ويقبل كل منهما الآخر فمشيت لا أهتم، لقد تعودت علي ذلك مع زياراتي المتكررة، لكني في ذلك اليوم عدت إلي الفندق في الساعة الثانية ظهرا فوجدتهما , الشاب والفتاة في مكانهما وعلي حالهما الذي تركتهما عليه . ضحكت يومها كثيرا . تذكرت حالنا فمع البؤس العمراني ومع البطالة والعنوسة ازدادت دعوات الفصل بين الرجال والنساءوانتشر الحجاب والنقاب وصار كل لقاء مع امرأة حتي لو بالسلام عملا شيطانيا ورغم ذلك ازداد التحرش الي درجة تفوق كل تصور واقترن أحيانا بل كثيرا بالخطف وأحيانا بالقتل . لماذا لم تفلح الدعوات الدينية ؟ لسبب بسيط أن من يقولونها تجار دين يتزوجون اكثر من واحدة ويطلقون ويعيشون في رغد من العيش والناس تبدو تصدقهم ثم تلتفت فتري البؤس والغريزة المقموعة بينما الجنس صار بضاعة سهلة ومن ثم تروح نظرات الرجال الي النساء وأيديهم معها . لقد أخذ التحرش أشكالا منحطة بفعل فاعل بعد ثورة يناير ففي زمن الاخوان كان التحرش مقرونا بالضرب والسحل والاغتصاب حول شارع محمد محمود في محاولة من الاخوان لمنع التظاهر ضدهم وضد النظام القديم الذي تصوروا انه سيحميهم . وأخذ التحرش أيضا أشكالا مسكوتا عنها لانه لايتم الوصول إليها إلا بشكوي . وأعني به تحرش بعض الاساتذة بطالباتهم في المدارس أو الجامعات . وآخره المدرسان اللذان مارسا الجنس مع خمس وثمانين فتاة وأعطوهن امتحانات الكلية . كلية الحقوق . لا حظ ذلك . طبعا لايمكن أن يتم كل هذا غصبا ولابد أن عددا من الفتيات مارس ذلك برضا . لكن الرضا هنا ليس عن العلاقة بقدر ماهو رضا عن الحصول علي الامتحان ومن ثم فيه شيئ من القسر والجبر وهذه جريمة كبري أسوا من جريمة تسريب الامتحانات . للأسف مع التغير الاجتماعي انحطت الاخلاق لكن اكثرها انحطاطا هو التحرش خاصة مع علو الأصوات الداعية للفضيلة والتي لم تجدي شيئا لكذبها وانتهينا الي ما نحن فيه . هذه الأصوات كلها كانت ولا والت تعتبراالغرب مركزا للانحلال . وليتنا نمنع التحرش من انفسنا كما يحدث في الغرب وليتنا نغلظ عقويته كما هو في الغرب الكافر الذي يحمي أعراض سكانه . رغم أن فضاءه كله ساحات للحب . ربما هو لذلك.