الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عام الانفراجات وإعادة تشكيل خريطة العالم وسقوط بايدن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كان عاما صعبا بكل المقاييس على العالم كله خاصة فى شهوره الثلاثة الأخيرة، لم يحقق العالم اقتصاديا ما كان يتوقعه من معدلات نمو، ولم يستطع [العالم المتحضر] أن يضع نهاية لصراع روسيا وأوكرانيا بل أسهمت المواقف المتباينة والمصالح المتعارضة في استنزاف المعسكر الغربى عسكريًا للدرجة التي أصبحت تشكو فيه واشنطن من نفاد بند المساعدات فيما يتعلق بالأسلحة، وارتفعت حدة التصعيد ما بين أعظم قوتين اقتصاديتين فى العالم [الصين والولايات المتحدة الأمريكية]، وبدأت بفعل هذا التصعيد الروسى - الغربى من ناحية وما بين واشنطن وبكين على من ناحية أخرى تتشكل تحالفات عالمية جديدة تعيد رسم خريطة العلاقات الدولية لم تنتهِ ملامحه حتى الآن خاصة أنها تتقاطع مع محاور قديمة، فليس بالضرورة أن تقام هذه التكتلات على أنقاض المحاور القديمة، وإنما استغلتها وبنت عليها ولعبت فى هذا السياق الصراعات والعداءات القديمة دورًا بالغًا، وتعد اليابان واستدعاؤها الآن أمريكيا لمواجهة الصين مثالا واضحًا، محاولات استقطاب عالمية وجبهات جديدة تعلن عن نفسها بعيدا عن النمط السائد منذ أكثر من ثلاثة عقود منذ سقوط الاتحاد السوفيتى، فخلال أيام سيتم الإعلان عن تأسيس البريكس رسميا، وتعلق عليها دول كثيرة فى العالم النامى عمومًا وفى منطقتنا خصوصا آمالا وطموحات بل وارتفع سقف توقعات الشعوب والرأى العام الطامح فى علاقات دولية متوازنة إلى أبعد مدى قبل أن يولد الكيان وتتحدد مساراته وكيفية إدارة العلاقات الاقتصادية والتجارية وحتى العملة التى سيتم التعامل بها بين مؤسسيه وهل سيكون الكيان اقتصادى مجرد أم سيكون نواة لمنظمة دولية تسحب البساط رويدا من مؤسسات دولية عتيقة ولم تعد تحظى بمصداقية لدى الأغلبية الساحقة من شعوب الأرض، بما تحمله تلك الأمنيات من صياغة مجتمع دولى لا يخضع لهيمنة أمريكية أو على أقل تقدير هيمنة ليست أحادية وإتاحة الفرصة لظهور تعددية قطبية لإدارة العالم لا تكون فيه الكلمة العليا للدولار وواشنطن.

أيام من الترقب طويت وعام قادم أظنه [عام الانفراجات الكبرى محليا] تأتينا رويدا فى نصفه الثانى، لقد مررنا بأيام ثقال وكنّا على قدر التحديات الاقتصادية وأنفقنا الكثير من الأفكار والأموال والجهد لنبنى ونعمر ونقدم أنفسنا للعالم ومجتمع المال والاستثمار بوجه جديد وتتحدث مصر عن نفسها مرة أخرى بما لدينا  من جغرافيا فريدة وطاقة وبنية أساسية ومدن ذكية وعاصمة جديدة وممر ملاحي نستثمر فيه وحوله وعلاقات متوازنة مع كل القوى الدولية والإقليمية على حد سواء، تستخدم فيها الدبلوماسية المصرية قدراتها الفائقة للحفاظ على الإرث العربى بتقاليده الراسخة مع الأخذ فى الاعتبارات المتغيرات الحديثة التى أثرت على كثيرا على طبيعة العلاقات والشراكات مع الأشقاء التاريخيين والأصدقاء وما فرضته الأحداث من شدٍ وجذب ونجحت القيادة السياسية فى تقليص مساحات الشد للدرجة القصوى والاستعلاء على الصغائر وغض الطرف عن [مناكفات صغار ] لا تسمن ولا تغنى من جوع بترفع بالغ وحكمة تحسد عليها. 

مع العام الجديد تراهن مصر على ثوابتها ومحددات الأمن القومى التى أعلنتها بحسم فى محافل كثيرة وقدراتها الشاملة كدولة ذات ثقل فى حسم العديد من الملفات الشائكة وإدارة العلاقات المتعارضة والتنافسية داخل الإقليم وفى منطقتنا تحديدا فمهما حاولت بعض القوى الدولية صاحبة المصلحة فى تهميش الدور المصرى وخلق أوضاعا شاذة أو إعادة تشكيل خريطة القوى والمنطقة تشكيلا مصطنعا على غير أسس من موازين القوة لن تنجح لأنها سرعان ما تتراجع تلك المخططات بحكم ما تمتلكه القاهرة من قدرات وخبرات ومؤسسات تمسك بخيوط اللعبة تجعل لها الغلبة فى نهاية المطاف. 

فى عالم معقد يزاحم بعضه بعضا، عالم مرتبك بحكم صراع المصالح وتعارضها ورغبة كل دولة فى الإقليم لطرح نفسها وتعظيم دورها بما يخلق سباقا غير محمود العواقب وبما يمس المصالح الاستراتيجية والأهداف القومية المشتركة بعيدة المدى لحساب مكاسب قريبة خاصة فى ظل الارتباك الكبير الذى يعانيه البيت الأبيض الذى يدير العالم ومنظماته الدولية ويسير خلفه الاتحاد الأوروبي على غير هدى، ولأن العالم سلم قسرا قيادة العالم لواشنطن، ولأن البيت الأبيض يعانى ضعفا أشبه بحالة الموت الإكلينيكى وتعانى إدارته من حالة عدم مصداقية غير مسبوقة فى الخارج والداخل حتى بين أنصار  الديمقراطيين أنفسهم بما ينبئ عن سقوط مدوى فى انتخابات نوفمبر ٢٠٢٤ وعودة مظفرة لترامب على صهوة جواد أخطاء بايدن، ليعيد العالم ترتيب أوضاعه من جديد مع روسيا الاتحادية والصين الاشتراكية وإدارة عاقلة للصراع والتنافس فيما بين القوى العظمى ويمنح متنفسا أكبر للتفاهمات والاستقرار ليتراجع التصعيد خطوة للخلف بما يصب فى خانة التهدئة والتى سينال منها الشرق الأوسط النصيب الأكبر خاصة قضيتنا العربية الكبرى والمركزية [القضية الفلسطينية] التى ستشهد تطورات كبرى أعتقد فى مقدمتها إصلاح ما بين الفصائل بجهود مصرية [هى بالفعل مستمرة منذ فترة]، وربما يتم التنسيق لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة فى ظل تقارب تفرضه المستجدات وأوضاع ضاغطة على الجميع [السلطة الفلسطينية والفصائل] على حد سواء، لا سيما بعد إعلان أبو مرزوق صراحة أنهم يقبلون ويقرون بالالتزامات التى قطعتها السلطة الفلسطينية فضلا عن الاعتراف بأخطاء عملية ٧ أكتوبر، وعلى الجانب الآخر سيمثل نتنياهو لمحاكمات ستقوده حتما للسجن بتهم الفساد فضلا عن فشله العسكرى ليختم سجله السياسى بعار وسمعة هى الأسوأ ليحجز لنفسه مقعدا بين قوائم مجرمى الحرب.

عودة القضية الفلسطينية إلى بؤرة الاهتمام الدولى والدعم الكبير الذى حظيت به عام ٢٠٢٣ لأول مرة في تاريخها على هذا النطاق من الرأى العام [الأوروبي- الأمريكي] وخروج آلاف المتظاهرين فى لندن وواشنطن ونيويورك للمطالبة بالوقف الفوري للعدوان الإسرائيلى كان بمثابة صرخة ستدوى طوال عام ٢٠٢٤ كثيرا فى أروقة محافل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالضرورة سيؤدى الالتفاف حول القضية إلى التطلع للدور المصرى دبلوماسيًا وتفاوضا بحكم الخبرة والتاريخ والحاضر أيضا، والثقة التى تتمتع بها القاهرة والوساطة التى تقوم بها لوقف نزيف الدماء بما يجعلها شريكا موثوقا لدى كل أطراف الصراع والشركاء الإقليميين والدوليين.. هكذا رأينا العالم فى عام مضى، وهكذا نتوقع ما هو آت، نتمناه سلاما على مصرنا الطيبة وعلى كل محبى السلام والخير.