الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

مصريات

ملوك مصر| «سقنن رع تاعا».. الشهيد المدفون سريعا

الملك سقنن رع تاعا
الملك سقنن رع تاعا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كانت المغامرة التي لاقى فيها الملك  «سقنن رع تاعا» الثاني حتفه هي ما جعلته من أعظم الشخصيات المصرية بطولةً في التاريخ المصري. إذ تدل الشواهد على أن في عهده قد بدأ النضال الفعلي لطرد الهكسوس من مصر، وتخليص البلاد من النير الأجنبي الذي ظلَّ يُثقِل عاتقها حقبة طويلة من الزمن.
وتظهر حكاية استشهاد الملك المصري من تصوير الأثري البريطاني «إليوت سميث»، والذي استنبط قصة موته من الجروح التي في رأسه. 
يقول: «كان فريسة هجمة غادرة قام بها عدوان أو يزيد. فقد أُخِذ على غرة عندما كان نائمًا في فراشه، أو أنهم تسلَّلوا من خلفه وطعنوه بخنجر تحت أذنه اليسرى، فغاص الخنجر في عنقه، ولقد كانت الضربة مفاجئة فلم يَقْوَ على رفع يده ليدرأ عن نفسه ضرباتهم التي انهالت من «البلط» والسيوف والعصي على وجهه فهشمته وهو ملقًى طريحًا». 


وتدل شواهد الأحوال على أن تجهيز جثة الملك للدفن كان على عجل، وأن عملية التحنيط كانت بسرعةٍ فائقةٍ. 
يؤكد سميث «جاءت -أي عملية الدفن- غايةً في الاختصار، ولم تحدث أية محاولة لوضع الجسم في وضعه المستقيم الطبيعي؛ إذ قد تُرِك منكمشًا كما كان طريحًا وهو في حالة النزع، فكان الرأس مُلقًى إلى الخلف، ومنثنيًا نحو اليسار، ولسانه بارز من فمه يضغط عليه بأسنانه توجُّعًا وألمًا، ولم يمسح سائل مخه الذي كان يجري على جبينه بسبب الجروح التي أصابت رأسه، وكانت ساقاه منبسطتين بعض الشيء، ويداه وذراعاه منكمشتين كما كانتا عندما لفظ روحه، وقد أُزِيلت أحشاؤه من فتحةٍ عُمِلت في بطنه، وقد حُفِظ الجسم بوضع نشارة معطرة عليه وحسب، والواقع أن الجسم في حالته الراهنة يشبه مومية قبطية قد يبست وثقبها الدود».

ويظنَّ «إليوت سميث» أن الملك قد قُتِل بعيدًا عن «طيبة»، والمحتمل أنه مات في ساحة القتال، وأن تحنيطه في مكان القتال كان إجراءً مؤقتًا لعدم توفُّر المعدات للذين قاموا بهذه العملية في هذا المكان. 


لكن، يشير الأثري الكبير سليم حسن في موسوعته مصر القديمة، إلى أن «فلندرز بتري» زعم أن الجسم كان قد تعفَّنَ في أثناء نقله إلى «طيبة»، ولم يعتنِ به في ساحة القتال، ثم حُووِل تحنيطُه ثانيةً بعد وصوله إلى «طيبة». 
ويقول الجزء الرابع من الموسوعة، والذي حمل عنوان «عهد الهكسوس وتأسيس الإمبراطورية»: ترتكز نظرية قتله في ساحة القتال على ما توحي به محتويات قصة «ورقة سالييه»، التي نقرأ فيها أن «سقنن رع» كان مناهضًا لملك الهكسوس «أبو فيس»، وليس هناك ما يدعو إلى تجريح هذه النظرية.
ويضيف: المعقول بطبيعة الحال أن الملك قد دُفِن دون أن يعمل له أي جهاز جنازي، ولكن لما كانت أكفانه قد فُكَّتْ عن آخِرها، ثم لُفَّتْ ثانيةً على عجل؛ فمن المحتمل أن السرقة لم تقتصر على غشاء الذهب الذي كان يحلي تابوته، بل قد امتدت كذلك أيدي الكهنة إلى مجوهراته وأسلحته. ومما هو جدير بالذكر هنا أنه لم يَبْقَ مع أي مومياء ملكية أية قطعة من المتاع ممَّا لها قيمة حقيقية عندما أُودِعت في مخبئها بالدير البحري.

مومياء الملك «سقنن رع تاعا»

تدل مومياء الملك «تاعا» الثاني -الذي كان يُلقَّب بالشجاع- على أنه كان معتدل القامة بالنسبة للمصريين؛ إذ كان يبلغ طوله نحوًا من 170 سنتيمترًا، عظيم الرأس، وهو نموذج لرأس المصري الأصيل، ويمتاز ببنية عظيمة، فكان مفتول العضلات نشيط الجسم، أما شعره فكان أسود كثيفًا مجعدًا، هذا إلى أنه كان حليق اللحية، ولم يتجاوز الثلاثين ربيعًا من عمره عند وفاته إلا بقليل.
كانت المومياء وتابوتها الخشن ضمن الكشف المشهور الذي حدث عام 1880 في الخبيئة القريبة من معبد الدير البحري. ومن المحتمل أن اللصوص كان قد أخطأهم نهب هذا القبر -كما قرَّرَتْ ذلك لجنة التحقيق- غير أنه في وقتٍ ما قد سطَا عليه الكهنة القائمون على حراسته. 
وتابوت هذا الملك الخشبي الذي وُجِد جسمه فيه محلَّى برسم ريش عليه كما كان المتَّبَع في حلية توابيت هذا العصر؛ ولذلك أُطلِقَ على التوابيت التي من هذا الطراز «الريشية»، وكانت تغطِّيه طبقةٌ سميكة من الذهب مما جعل السبيكة التي على ظاهره مغريةً للحراس. 
تقول الموسوعة: والواقع أنهم انتزعوها، غير أنهم قد اتخذوا حذرهم ألا يلمسوا الجزء الذي يغطي الصل الملكي، ورءوس الصقور التي على القلائد، والعقاب الذي على الصدر، وكذلك اسم الإله «بتاح سكر»؛ وكل هذه رموز آلهة قد اعتقَدَ القومُ أنها تُرسِل الموتَ إلى كل مَن انتهك حرمتها، ولما كان اللصوص المحترفون لم يَعُقْهم -على ما يظهر- مثل هذه الشكوك والخرافات في مقبرة الملك «سبك أم ساف» السالف الذكر، فلا نكون مخطئين إذا نسبنا مثل هذه السرقات الفنية للكهنة أنفسهم.