الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأب ألفونس الفرنسيسكاني ورؤيته للحبل بلا دنس

ارشيف
ارشيف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحي اليوم الكنيسه الكاثوليكيه الأحتفال بعيد الحبل بلا دنس لمريم العذراء، فيقول في هذه المناسبة  الأب ألفونس عبد الله الفرنسيسكاني:
إن الحبل بمخلوقة في هذه الدرجة من السمو، هي النقطة الجوهريّة في هذا البحث، لهو موضوع عيد خاص في الدورة الطقسيّة القبطية. 

 

 

والتقاويم القبطية تُحدّد هذا الحبل في تاريخيْن مختلفين: 7 مسرى  31 يوليو مصحح و13 أغسطس غير مصحح  و13 كيهك (=9 ديسمبر مصحح و22 ديسمبر غير مصحح). 

 

وحسب اختلاف تاريخ الحبل، يختلف بالتالي تاريخ ميلاد العذراء فإذا كان الحبل 7 مسرى، يكون الميلاد أوّل بشنس (=26 أبريل مصححًا و8 مايو غير مصحح) وإذا كان الحبل 13 كيهك فالميلاد يكون في 10 توت (= 7 سبتمبر مصحح، 20 سبتمبر غير مصحح).

 


من هذين التاريخين فإنّ تاريخ 7 مسرى، الذي ربما باشر تأثيرًا إيرلندا وبلاد أوربيّة أخرى وهو المتبع حاليًّا. 

 

أمّا تاريخ 13 كيهك الذي يتأخر عن الأول أربعة شهور فهو المتبع لدى الأقباط الكاثوليك مع تقديمه يومًا واحدًا [حدث ذلك بِغيّة توفيقيّة مع التاريخ اللاتيني 8 ديسمبر على زمن الأنبا مرقس خزام في سنة 1936م وقد صدّق مجمع الكنائس الشرقيّة بروما في نفس السنة. راجع الأب جامبرارديني عن الحبل بلا دنس، ص101و 102] وكلا التاريخين مسجلين في الكتب الطقسيّة المعروفة حتى الآن ابتداءً من القرن الثالث عشر.


إنّ أقدم إشارة معروفة عن هذا العيد موجودة في قطمارس الأناجيل المخطوطة حاليًا في المعهد الكاثوليكي بباريس (lnstitut Catholique) [نشره NAU، Fفي P.O.  (الآباء الشرقيّون) ج10، ص195] ويحمل تاريخ 1250م، ومن الواضح أن هذا التاريخ ليس هو تاريخ إدخال العيد، بل تاريخ نسخ المخطوط. ومن الفحص الداخلي للمخطوط العربي المذكور[المرجع السابق، ج11، ص169] والذي نشره Selden [الطبعة الثانيّة De Sinedriis Veterum Haebraeorum فرانكفورت، 1696م، ص1335- 1343] فإن Kellner يستنتج أن قطمارس الأناجيل المذكور ربما يعود إلى القرن السادس أو السابع [السنة الكنسيّة وأعياد القديسين في تطورهم التاريخي، ترجمة إيطالية Aercati، A الطبعة الثانية روما 1914م، ص214 وما بعدها. والسبب في ذلك هو أن أحدث اسم مذكور في هذا القطمارس هو اسم البطريرك إسحق الأوّل].

 


إن موضوع العيد في كتاب القطمارس المذكور وفي التقاويم القديمة هو: حبل حَنّة بالسيدة 
وحَنّة تحبل بالسيدة.

 

 فهل المقصود بالعيد أو جوهر وموضوع العيد هو المعجزة التي حلّت بحَنّة، المرأة العاقر المتقدّمة في السّن وحبلت نتيجة لهذه المعجزة، أم هي المخلوقة الحبول بها؟ وغير خاف أن تحديد ذلك شغل ذهن اللاهوتيّين الغربيّين فيما يسمّى (الفاعل والمفعول) (conception active – conception passive).
فلننظر أوّلًا إلى نتائج المقارنة مع عيد ميلاد العذراء. نلاحظ أوّلًا تشابه في الكلمات والأفكار. 

 

فالسكنسار يستعمل في كلا العيدين نفس الكلمات: ميلاد البتول والحادثة المذكورة هي هي في العيدين. وكلتا الحظتان في حياة العذراء: لحظة الحبل بها ولحزة ميلادها أو لادتها تعتبران مقدستين، طاهرتين، وبريئتين من الدنس. 

 

إذا كان السنكسار القبطي يُكرّر ذات الحادث العجائبيّ للملاك وللوالدين، سواء في 7 مسرى(الحبل) سواء أوّل بشنس (الميلاد)، وإذا لم يفكّر أحد أن يوم أوّل بشنس يحتفل بولادة حَنّة بل بالأحرى بميلاد العذراء، فلا يوجد سبب لقلب الترتيب في احتفال 7 مسرى. ومن ناحيّة أخرى حينما يدور الحديث حول لحظة من حياة مريم العذراء مطلوب فيها بالضرورة تدخل الوالدين، فمن الطبيعي أنّه حينما يدور الحديث بالشكل الذي توحيه الطبيعة، أيّ أن الوالدين يلدان ابنه.
لهذه الأسباب نرى ضعف الدليل الذي يستند على الحبل في الفاعل (Conception active)  
من حَنّة والقرائن البعيدة تثبت هذا التفسير، حينما تقدم مريم في حالة القداسة سواء من لحظة الحبل بها سواء في لحظة ولادتها. 

 

 

وفي الواقع فالليتورجيا القبطية تُعلن مرارًا أن ميلاد مريم، في حد ذاته، تسيطر عليه صبغة القداسة. على سبيل المثال في كتاب الأجبيّة: «السموات تُطوّبك أيّتها الممتلئة نعمة، العروس بلا زواج ونحن أيضًا نمجد ميلادك يا والدة المسيح » [كتاب الأجبية، صلاة نصف الليل، الخدمة الثانيّة، القطعة الثالثة. 

 

وقد اعتادت بعض الطبعات الأخيرة للأجبيّة أن تُضيف تفسيرًا في الهامش على كلمة «ميلادك» كقولها: أيّ ولادتك للمسيح. لكن لا توجد تفسيرات في الطبعة القديمة. انظر مثلًا طبعة جرجس فيلوثاؤس عوض سنة 1630ش (= 1914م) ص233]. يا باب الحياة الحياة العقلي، يا والدة المسيح  المكرّمة، خلّصي الذين التجأوا إليك بإيمان من الشدائد، لكي نمجد ميلادك الطاهر في كلّ شيء من أجل خلاص نفوسنا [كتاب الأجبية، صلاة نصف الليل، الخدمة الثالثة، القطعة الثالثة].
 

 

وفي الأبصلمودية الكيهكية يُقال إن مريم كانت قدّيسة حتى قبل أن تُولد: «مختارة من بطن أُمّك. بحلول روح الله الجبّار المولود منك قدّوس. تسجد له الرؤساء والأجناد» [الأبصلمودية الكيهكية، طبعة أقلاديوس لبيب، سنة 1911، ص394، تذاكية عربي (2) على تذاكية يوم الأربعاء]. 
 

وهناك نصوص أخرى توصف الحبل بنفس الصفات المستعملة للميلاد: أي عجائبي، بالمعجزة غير مدرك. قدّوس. نورد على سبيل المثال هذا النص من الأبصلمودية السنويّة: «التابوت الغير المصفّح من كل ّناحية. والغطاء الكاروبي. القسط الذهب المنارة الذهب. المجمرة الهب. عصا هارون التي أزهرت. والزهرة المقدّسة التي للبخور. هذه جميعها معًا تدلنا على ميلادك العجيب يا مريم العذراء» [الأبصلمودية السنويّة، طبعة 1624 ش(=1908م) بمطبعة عين شمس بمصر، ص134و 136: ثاؤطوكيّة الأحد (4)].
 

 

قد يعترض البعض بالقول بأن الكنيسة القبطية تحتفل أيضًا بالحبل بيوحنّا المعمدان (26 توت)، فهل يوحنّا أيضًا بريء من دنس الخطيئة الأصلية؟ والكنيسة تحتفل بأليصابات، مع العلم بأن ابنها يوحنّا المعمدان ورث الخطيئة الأصلية وبالتالي لا يمكن الاستدلال على براءة مريم من دنس الخطيئة الأصلية بسبب التعييد لحبل حَنّة: تعيد الحبل بيوحنّا ويوحنّا ورث الخطيئة الأصلية. وتعيد الحبل بمريم. إذن مريم العذراء ورثت الخطيئة الأصلية.
وللجواب عن هذا الاعتراض يمكن استخدام نفس التشبيه كالآتي:


إذا كان الكنيسة القبطية تحتفل في 29 برمهات (=7 أبريل مصحح أو 25 مارس غير مصحح) ببشارة العذراء أي الحبل بالمسيح. وحيث أن المسيح بريء من دنس الخطيئة فالعذراء بريئة من دنس الخطيئة الأصلية.
 

لكن ربما هذا التشبيه يستند على التشابه الخارجي فقط لكن يجب التركيز على الخصائص الشخصية للأشخاص الذي يحتفل بالحبل بهم للوصول إلى معرفة الخصائص التي يختلف فيها الواحد عن الآخر. وبالفعل فإن درجة القداسة مماثلة وتوافق لكلّ شخص حسب كيانه ومهمته: فالمسيح تناسبه قداسة الإله المتجسد، ومريم العذراء تناسبها قداسة أُمّ الله، ويوحنّا تناسبه وتوافقه قداسة السابق.
وعند المناسبة فإن الأقباط يصفون مريم بصفات مختلفة تمامًا عن يوحنّا المعمدان. وبينما هم مقنعون أن يوحنّا تطهر في بطن أُمه يوم زيارة مريم لأليصابات فهم لا يضعون حدًّا زمنيًّا لقداسة مريم
[راجع، ألفونس عبد الله الفرنسيسكاني(الأب)، الحبل البريء من دنس الخطيئة الأصلية بمريم العذراء