الإثنين 03 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

مصريات

ملوك مصر| «تحتمس الرابع».. انتصارات من «نهرين» إلى «كوش»

تحتمس الرابع
تحتمس الرابع
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

«واتفق ذات يوم أن ابن المَلِك المُسمَّى «تحتمس» أتى راكبًا عربتَه وقت الظهيرة، وجلس يتفيَّأ ظلَّ الإله العظيم، فغشاه النعاسُ عندما كانت الشمس في منتصف السماء، فرأى جلالته إلهَه المبجَّل، يتكلم بفمه كما يتكلم والد مع ابنه قائلًا: تأمل أنت فيَّ يا بنيَّ «تحتمس»، إني والدك «حور إم أخت-خبري-رع-آتوم» إني سأمنحك ملكي على الأرض رئيسًا على الأحياء، وستلبس التاجَ الأبيض والتاج الأحمر على عرش الإله «جب» -إله الأرض- الأمير الوراثي، وستكون الأرض مِلْكك في طولها وعرضها؛ وهي كل ما يُضيء عليه الربُّ المهيمن. وطعام الأرضين سيكون ملكك، وجزية كل الأقطار مدة عهود طويلة سنيها. وإني مولٍّ وجهي شطرك وقلبي معك، وستكون أنت المحافظ على كل أشيائي؛ لأني أشعر بألم في كل أعضائي. ورمال المحراب الذي أنا فيه قد غمرتْني، فالتفتْ إلي لتفعل ما أرغب فيه؛ لأني أعلم أنك ابني وحاميَّ. تأمل! إني معك، وإني قائدك.

ولما فرغ من كلامه هذا استيقظ ابن الملك سامعًا ذلك … فَهِم كلمات الإله ووضعها في قلبه، ثم قال (لأتباعه): تعالَوْا دعونا نسرع إلى بيتنا في المدينة، وإنهم سيحافظون على ما نحضر من قربان لهذا الإله».

في واحدة من اللوحات الجرانيتية التي تم اكتشافها حول تمثال «أبو الهول»، كان الأخير يتحدث في رؤية صادقة للأمير «تحتمس» ويساومه في أنه إذا قام بتنظيف ما يحيط بتمثاله من رمال، وحافظ عليه مما يَطمس جسمَه ويُخفِيه عن الأعين، فإنه سيَمنَحه تاجَ مصر. 

فيما بعد، صار الأمير هو الملك «تحتمس الرابع» والذي لم يكن الوارث الحقيقي لعرش مصر، وإلا فإن وَعْد «أبو الهول» يكون عديم الفائدة؛ لأنه كان بطبيعة الحال سيخلف والدَه بعدَ موته دون منازع.

ومن ذلك، يمكن الزعم أن إخوة الأمير «تحتمس» أو أخاه كانوا عَقَبَةً في سبيل تولِّي عرش المُلْك، وأن «تحتمس الرابع» قضى عليهم بطريقة ما، إما بالموت أو النفي، ثم مَحَا بعدَ ذلك أسماءهم. 

وفي الجزء الخامس من موسوعته «مصر القديمة»، والذي حمل عنوان «السيادة العالمية والتوحيد»، يشير الأثري الراحل سليم حسن إلى أن حلم الأمير أو هذا «التحايُل للاستيلاء على عرش الملك بغير حق شرعي من البِدَع التي نشأتْ في مصر منذ عهد الأسرة الخامسة». 

يقول: فمنذ ذلك العهد نجد الملوك الذين لم يكن لهم حق شرعي مطلق في تولِّي العرش يختلقون أقصوصة يجعلون القوة الإلهية تتدخل فيها لتُحلِّل لهم الاستيلاء على عرش الملك، وأول مَن استعمل هذه الحيلة مَلِك في الأسرة الخامسة، ثم استعملها -على ما يَظهَر- «سنوسرت الأول»، وفي الأسرة الثامنة عشرة شاعتْ وتنوعتِ الأساليب التي كانتْ تُتَّبع وسيلة لذلك، كما شاهدنا في حالات «حتشبسوت» و«تحتمس الثالث».

حروب «تحتمس الرابع»

عندما تولى «تحتمس الرابع» الحكم، قام بحملة على بلاد «نهرين» -شمال سوريا- انتصر فيها، وترك قائمة بالقرابين التي قدَّمها للإله في معبد «الكرنك» بعد عودته من انتصاراته في هذه الأصقاع، وقد أشار فيها إشارة عابرة تدل على قيامه بالحملة الأولى في تلك الجهة. فقد ذكر أن بين القرابين أشياء قد استولى عليها من بلاد «نهرين». 

كما أشار إلى أخبار هذه الحملة أحد رجال حرس الملك المسمَّى «أمنحتب» في نقوش لوحة قبره. وكتب: «تابع الملك في حملته في الأقاليم الجنوبية والشمالية، ذاهبًا من «نهرين» إلى «كاراي» في ركاب جلالته عندما كان في ساحة القتال، ورفيق قدمي سيد الأرضين، ورئيس إصطبل جلالته، وكاهن الإله «أنوريس» الأكبر «أمنحتب المرحوم».

ولم يَكَد الملك يستقر به المقام في عاصمته، حتى اضطرته للقيام ثانية الثورات في بلاد «واوات»، وقد كان في تلك الآونة مشغولًا بالاحتفالات بعيد معبد «طيبة» عندما وصل إليه خبر العصيان الذي اندلع في «واوات». 

وفي اليوم الثاني، ذهب الملك في الصباح المبكر في موكب حافل ليستخير الإله ويتلقَّى منه الوحي بما عساه أن يفعل وقد بُشِّر فعلًا بالنصر. 

وجاء في نص لوحة «كونوسو»: «وقد قامت الحملة نحو الجنوب في سفن أُعدَّت لها، وكان الملك يضرب مرساه في طريقه عند كل معبد عظيم؛ حيث كان الآلهة يخرجون لاستقبال جلالته ويشدُّون أزره لملاقاة العدوِّ في ساحة الوغى، وبخاصة الإله «ددون» إله تلك البقاع الخاص.

وقد الْتقى الملك بالعدو في مكان ما في بلاد «واوات» وانتصر عليه وعاد بأسلاب كثيرة، وقد وَضَع الملك الأسرى الذين استولى عليهم وعاد بهم من تلك الجهات في معبده الجنائزي في «طيبة» الغربية، وقد عُلِّم المكان الذي وضع فيه هؤلاء الأسرى بلوحة نُقش عليها: «مستعمرة أهل بلاد «كوش الخاسئة»، وهم الذين ساقهم جلالته من انتصاراته». 

لوحة مرسومة بالذكاء الاصطناعي على طراز رسومات فان جوخ لأبو الهول - البوابة نيوز

أطول مسلة

من الإنجازات المعمارية الضخمة التي حققها «تحتمس الرابع»، هي إقامته لمسلة الملك «تحتمس الثالث» بالكرنك - «مسلة لاتران» - والتي تركت دون استكمال طوال اثنين وأربعين عاما، كما أضاف إضافات كثيرة لعدد من المعابد مثل معبد الكرنك، حيث نقش مناظر أضيفت للبوابة الرابعة، ونقش أيضا القرابين التي كان قدمها لآمون بعد عودته من حملته الأولى ببلاد آسيا.

كما عثر له على تماثيل ومسلة في معبد الكرنك كانت قد تم قطعها في عهد «تحتمس الثالث»، وهي من الجرانيت الأحمر ويبلغ طولها حوالي 32 مترا، وتعتبر أطول مسلة في العالم، وعندما قام الرومان بغزو مصر في القرن الأول قبل الميلاد حملوها معهم إلى روما، حيث توجد الآن في ميدان سانت بيتر في الفاتيكان.