الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

مصريات

شخصيات مصرية| "قراقوش".. أحكام بلا معارضة

بهاء الدين قراقوش
بهاء الدين قراقوش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هو الأمير "أبو سعيد قراقوش بن عبد الله الأسدي" الملقب بـ "بهاء الدين قراقوش"، والذي عاش في القرن السادس الهجري، وقضى قرابة الثلاثين عاما في خدمة السلطان صلاح الدين الأيوبي. والذي كان معروفا بأنه يفرض قراراته مهما كانت أو كانت نتائجها، سواء كان قراره على صواب أم يشوبه الخطأ.

لهذا، يتداول المصريون كثيرًا عبارة "حكم قراقوش" ضمن التراث الشعبي، في إشارة إلى القرارات الصارمة التي يرفض صاحبها أي نوع من المعارضة.

وُلد قراقوش بآسيا الصغرى وهو رومي النسب، خدم سيده أسد الدين شيركوه القائد العسكري في جيش عماد الدين آل زنكي، ثم في جيش نور الدين محمود، وقد دخل قراقوش مصر في جيش أسد الدين شيركوه، وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي في تلك الفترة التي شهدت انهيار الدولة الفاطمية ونذر قيام الدولة الأيوبية التي كان واحدا من أهم أضلاعها.

القلعة والأسوار

أشرف قراقوش على إقامة قلعة الجبل فوق جبل المقطم، كما أتبعها ببناء قلعة المقسي، وهي برج كبير بناه على النيل، وبنى بالقرب منه أبراجًا أخرى على طراز الأبراج الفرنجية لا الفاطمية، والتي وجدها أقوى وأكثر تقدُّمًا.

وبعد الانتهاء من بناء القلعتين، قام قراقوش ببناء سور كبير يحيط بالجيزة ناحية الصحراء الغربية من أحجار الأهرامات؛ ثم بني سورًا يحيط بالقاهرة، وبناه من حجارة الأهرامات الصغيرة والمقطم، وحفر فيه بئرًا وضم مسجدًا.

وبعدما استردَّ صلاح الدين عكا بعد بيت المقدس من أيدي الفرنجة، وتهدَّم سور المدينة من الحصار، ترك لقراقوش مهمة إعادة بناء السور المتهدم. ولكن الفرنجة في محاولة يائسة، قرروا لمَّ شتاتهم في المنطقة والقيام بعملية التفاف حول قوات المسلمين، وحاصروا عكا حتى يشتتوا تركيز صلاح الدين.

استمر الحصار عامين، وكان قراقوش يقود المقاومة والصمود داخل المدينة المحاصرة، حتى غلبهم الجوع والوباء وإمدادات الفرنجة التي أتت من البحر، لتقع عكا في أيديهم، ويقع من فيها أسرى وقتلى وجرحى، وأُسِرَ قراقوش نفسه حتى أُفرج عنه في الصلح عام 1192م.

بعد صلاح الدين

بعد وفاة صلاح الدين، عمل قراقوش في خدمة العزيز بالله، وقد أحبط مؤامرة العادل لخلع العزيز بالاتفاق مع قائد أكبر قوات العزيز، وهو حسام الدين أبو الهيجاء السمين زعيم الأسدية الذي انسحب بقواته من الشام، وكشف ظهر العزيز بالله، ولكن قراقوش أحبط محاولة الانقلاب على العزيز بالقاهرة. 

وبعد وفاة العزيز، تولَّى المنصور وسنه تسع سنوات، وأصبح قراقوش وصيًّا على العرش. وعندما انقسم الصلاحية والأسدية، واستعانوا بالملك الأفضل عم المنصور، ليتنازل قراقوش له عن الوصاية.

ولكن مؤامرات العادل استمرت، وظلت أطماعه في الشام صوب عرش القاهرة، وعزم على الإغارة على القاهرة. فلما تبين الأفضل أطماع عمه العادل، جمع قواده وعرض عليهم الأمر، فقال له الأمير بهاء الدين قراقوش في تصميم: "لا تخف يا مولاي، فنحن جندك وجند أبيك من قبلك، مرني أحفظ لك قلعة الجبل، ثم مرني أحفر لك ما بقي من سور البلد، ثم مرني أتعمق الحفر، حتى أصل إلى الصخر، وأن أجعل التراب على حافة الحفر، فيبدو كأنه حائط آخر، ودعني أفعل ذلك فيما بين البحر وقلعة المقسي، وبذلك لا يبقى لمصر طريق إلا من بابها الذي يصعب أن يفتحه العدو".

ولكن، استطاع العادل أن يستولى على مصر، وفَرّ الأفضل من وجهه إلى الشام، وخلع العادل المنصور، ونصّب نفسه واليًا.

أحكام عجيبة!

من بين ما قيل عن قراقوش إنه لم يكن يعرف الفرق بين الشعر والقرآن، حتى أن رجلا جاء إليه ومدحه بقصيدة وأنشدها بصوت طيب فقال له "يا مقرئ لقد قرأت قراءة طيبة".

كما اشتهر بأحكامه ومواقفه الغريبة والطريفة أحيانا، والتي تناقلت حكاياتها الأجيال عبر العصور. وقد عُرِف بتقلب مزاجه وغرابة الأطوار، حتى قيل إنه، في أحيان كثيرة، كان يعاقب المظلوم ويكافئ الظالم.

وكما حكى الأسعد ابن مماتي في كتابه "الفاشوش في حكم قراقوش" ساردًا عصره، قال: "لمّا رأيت عقل بهاء الدين قراقوش مخرمة فاشوش، قد أتلف الأمة، والله يكشف عنهم كل غمة، لا يقتدي بعالم، ولا يعرف المظلوم من الظالم، والشكية عنده لمن سبق، لا يهتدي لمن صدق، ولا يقدر أحد من عظم منزلته، أن يرد على كلمته، ويشتط اشتطاط الشيطان، ويحكم حكما ما أنزل الله به من سلطان، صنفت هذا الكتاب لصلاح الدين، عسى أن يريح منه المسلمين".

عرف عن قراقوش أنه كان عنصريا، يميل إلى البيض ويكره السود. وذات يوم اضطرته الظروف إلى الحكم بين امرأة حجازية وجاريتها التركية -وكانت تلك هي المرة الأولى التي يحكم فيها- وشكت المرأة "إن هذه جاريتي قد أساءت الأدب عليَّ".

لكن قراقوش نظر إلى بياض الجارية التركية وسواد الحجازية، وقال "ويلك خلق الله جارية تركية لجارية سوداء حجازية ما أنا أحمق أو مغفل"، ليأمر بحبس الحجازية شهرا! .

وبعد ذلك عادت المرأة إلى قراقوش، وأخبرته أنها أعتقت الجارية، لكنه قال "إنها هي التي تعتقك فأنك جاريتها وأن ارادت أن تبيعك فأنها تبيعك، وأن ارادت أن تعتقك فأنها تعتقك". فطلبت الحجازية من الجارية أن تذهب للحاكم وتخبرها أنها أعتقت سيدتها وبالفعل استجابت لها الجارية، ليأمر بالعفو عن الحجازية.

وفي واقعة أخرى، دخل رجلان عليه أحدهما على الآخر قائلا إنه عض أذنه، فسأل قراقوش المدعي عليه عن حقيقة ذلك الأمر، فرد قائلا إن المدعي هو الذي عض أذنه بنفسه.

هنا، حاول قراقوش بدوره أن يعض أذنه بنفسه، لكنه لم يفلح. بل، وسقط من على الكرسي الذي كان جالسا عليه خلال محاولاته، فانكسرت يده!.

وأمر الحاكم بضرب المدعي عليه، وقال له: "أنت الذي عضيت أذن هذا الرجل وكسرت ذراعي زيادة على ذلك".