الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

د.عبدالمنعم سعيد يكتب: مرجعية الإصلاح والإخوان.. السير فى طريق «الكمون الاستراتيجى» من أهم شروط النقلة الكيفية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الاستفادة من التجارب الآسيوية ينقذ الشرق الأوسط من السعى الإخوانى للسيطرة

 

التنمية المستدامة لا تواجه فقط التفكير الأصولى العنيف وإنما أمور أخرى مثل الزيادة السكانية

أسلفنا أن «الإصلاح» بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو من أسلحة مواجهة الإخوان المسلمين وتابعيهم فكريا وحركيا من الجماعات الإرهابية. وفى الحقيقة فإن التنمية المستدامة لا تواجه فقط التفكير الأصولى العنيف، وإنما تواجه أمورا عصية أخرى مثل الزيادة السكانية التى تحقق إجهاضا للمشروعات التنموية.

ومن الملاحظ أن جماعة الإخوان تسعى دوما إلى نشر الأفكار الداعمة للزيادة السكانية من خلال القبول بتعدد الزوجات، ومعاداة المرأة من أول التشجيع على الختان إلى الحث على بقائها فى المنزل، وحتى إقامة عدم المساواة بين الرجل والمرأة فى العمل العائد منه.

والحقيقة هى أن مواجهة الشعب المصرى للإخوان المسلمين خلال ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ شكلت لحظة فارقة من حيث تحقيق التراجع فى كافة الحركات والجماعات الإخوانية الرجعية فى العالمين العربى والإسلامى.

والثابت أنه فى كل جيل من أجيال المائة عام الماضية كانت هناك مهمة كبرى عليه تحقيقها من أجل بناء الأوطان من خلال عمليات إصلاحية واسعة النطاق. إن مهام المرحلة المقبلة، التى يجرى فيها تجاوز تحديات وعقبات لا بد منها لاستكمال مسيرة الإصلاح التى أخذت فى التبلور اعتبارا من منتصف العقد الماضى.

وإذا كان ممكنا التلخيص، فإن المهمة الراهنة لا تقل فى تحديها عن تحقيق انطلاقة تتجاوز معضلات المرحلتين الخارجية والداخلية إلى معدلات نمو عالية ليس فقط فى المجال الاقتصادى، وإنما أكثر من ذلك أن يكون الإنسان فى مستوى العصر الذى نعيش فيه.

ومثل ذلك كثيرًا ما يُقال عنه «بناء الإنسان»، وهو قول لم يَجْرِ له كثير من التحرير فى المعنى والمبنى، وفى الأصول والفروع، والكيفية التى ينتقل بها الإنسان من حال يتعايش مع الفقر والتخلف إلى آخر يعيش فيه الغنى والتقدم، ولديه المعرفة والشجاعة والاستعداد لمواجهة الإخوان وتابعيهم من جماعات سلفية إرهابية عنيفة.

ولا يوجد مثال يقرب منه قدر تلك الحالة من الفوران الكبير فى دول شرق وجنوب شرق آسيا، التى دارت فى المدارين الصينى واليابانى فى عصور قديمة؛ ثم دخلت عليها نوبات الاستعمار الفرنسى والبريطانى والهولندى، والحروب العالمية، وكل حالات الفقر والوباء والمجاعة.

والأمثلة اليابانية والصينية فى التقدم وبناء الإنسان كثيرة، ولكن آخر ما لفت الأنظار قادمًا من المنطقة كان استعداد كوريا الجنوبية لاستعمار القمر فى إشارة كبرى للتقدم العلمى والتكنولوجى مضافا للمساهمة فى الاقتصاد العالمى والاكتشافات العالمية فى الفضاء.

وظلت التجربة الفيتنامية حاضرة ومُلِحّة فى الأذهان لفترة طويلة، وكان النضال الفيتنامى ملهمًا، ولكن ما هو مناسب هو دروس انتقال فيتنام من صفوف الدول النامية إلى قلب الدول البازغة؛ وعندما وصلت صادراتها إلى أكثر من ٢٦٤ مليار دولار سنويا فإن «التجربة النضالية» كانت فى البناء والتعمير، جنبا إلى جنب مع بناء الإنسان الفيتنامى لكى يتناسب مع دولة متقدمة قادمة مثل تلك التى قامت فى كوريا الجنوبية من قبل.

هذه الحالة الآسيوية تشكل مرجعية ناجحة للخيارات الإصلاحية خلال المرحلة المقبلة، وتحدد بوضوح ما يجب النضال من أجله ألا وهو بناء الإنسان المعاصر.

والحقيقة أنه خلال العقدين الأخيرين انتقل أكثر من مليار من البشر من الفقر إلى اليسر فى الطبقات والشرائح الاجتماعية الوسطى؛ وكانت الأغلبية الساحقة من دولتين: الصين والهند. وعلى عكس ما يعتقد كثيرون فإن أحوال العالم أفضل الآن عما كانت عليه قبل عقود، وبالتأكيد قبل قرون حيث ارتفعت مستويات المعيشة فى دول كثيرة، وتراجعت معدلات حدوث المجاعة، والأوبئة.

ولم يكن لذلك أن يحدث لولا الثورة العلمية والتكنولوجية، وتزايد الثروات فى الدول، والأهم من هذا وذاك، وربما باستثناء منطقة الشرق الأوسط، تراجع الصراعات الدولية والحروب الأهلية.

كل ذلك لم يكن ممكنا حدوثه لولا أن الغالبية من دول العالم أصبحت تسعى إلى التقدم والتنمية، وحدث ذلك من خلال حشد وتعبئة الاستثمارات الداخلية والخارجية وراء تحقيق تراكم رأسمالى يسمح للدولة بتحقيق معدلات عالية للنمو تنقلها من صفوف الدول النامية إلى تلك المتقدمة.

ولكن واحدا من أهم شروط هذه النقلة الكيفية هو السير فى طريق «الكمون الاستراتيجى» بمعنى أن تتجنب الدولة الدخول فى صراعات خارجية، وأن تجعل سياستها فى الخارج أداة فى الحصول على الاستثمارات.

وحرص الزعماء فى الدولة الصينية لفترة طويلة على مقاومة أمرين بشدة: أولهما أن الصين دولة متقدمة، فكان الإصرار على أنها دولة من دول العالم الثالث الفقيرة التى ينبغى معاملتها فى المحافل الاقتصادية الدولية على هذا الأساس؛ وثانيهما أن الصين لا تصبو إلى أن تكون قوة عظمى؛ ورغم مشاكلها الإقليمية الكثيرة فإنها تسعى، وبكرم، لحلها بالطرق السلمية كما فعلت مع قضايا هونج كونج ومكاو وتايوان ومشكلات الحدود والنزاعات على الجزر.

وحتى وقت قريب كان من النادر فى الصين الحديث لا عن الدور الإقليمى للصين، ولا عن الدور العالمي؛ ولا تستخدم الصين حق «الفيتو» وإنما تمتنع عن التصويت فى مجلس الأمن إلا فى القضايا التى لا تهم الصين مباشرة. والملاحظ أن موقف الصين من التواجد الأمريكى المباشر فى أفغانستان المجاورة للحدود الصينية كان مرحبا لأنه لمواجهة الجماعات الإرهابية.

كانت الولايات المتحدة فى الحقيقة تحارب، فيما بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١، بالوكالة عن الصين! وأكثر من ذلك كانت الصين تحصل، وفى المتوسط، على قرابة ٤٠٪ من رؤوس الأموال العربية المستثمرة فى العالم الثالث كله.

ولكن الصين ليست المثال الوحيد، فلا اليابان، ولا كوريا الجنوبية، ولا البرازيل حتى حكمها اليسار، ولا ماليزيا كان لها دور دولى مؤثر؛ واقتصرت الأدوار الإقليمية لهذه الدول على تلك المتعلقة بالتعاون الدولى، ولم تقرر دول «آسيان» التى تقدمت أن تفعل أكثر من الحديث عن «الأمن الإقليمى» فى لقاءات أكاديمية. وحتى عندما ضغطت الولايات المتحدة على اليابان وكوريا الجنوبية لكى تساهم فى تكاليف حرب تحرير الكويت، لم تزد المشاركة عن المال وأحيانا مساهمات طبية.

وفى كل هذه الحالات كانت الدول تمارس حالة من «الكمون» الذى بمقتضاه تركز الدولة تماما على عمليات البناء الداخلى، وتتجنب قدر الإمكان المناوشات والمشاغبات والتورط الخارجى، وإذا كان لا بد مما ليس منه بد فإنها تقوم بالحد الأدنى الممكن وسط الظروف الدولية الصعبة.

الاستفادة من التجارب الآسيوية المختلفة، وكذلك من دول العالم الأخرى، ينقذ الشرق الأوسط من السعى الإخوانى لكى يشكلوا «أستاذية» العالم من خلال فروعها المختلفة فى ٨١ دولة يبدأون فيها بالسيطرة على المساجد والمراكز «الإسلامية» ثم يمضون إلى تجنيد العناصر الإسلامية المهاجرة من دول متعددة لكى تشارك فى أعمال كثيرة للجهاد فى العالم.

وفى كل الدراسات التى أجريت على الحركات الإرهابية العالمية، وعلى الشخصيات اللامعة فى عالم الإرهاب من قيادات القاعدة وداعش، فإن نتائجها تشير إلى أنهم جميعا تخرجوا من مدرسة الإخوان الفقهية والفكرية والعسكرية كذلك.

جوهر التفكير الإخوانى هو معاداة الدولة الوطنية والدفع باتجاه نوع من «العولمة» الإجرامية والإرهابية؛ والوقوف فى وجه الإصلاح السياسى الذى يدفع فى اتجاه الدولة المدنية؛ ومعارضة الإصلاح الاقتصادى المؤدى إلى اقتصاد السوق، ورفض الإصلاح الاجتماعى الذى يكفل حقوق المرأة والأقليات.

ورغم الخلاف المذهبى فإن الإخوان المسلمين ينظرون بتقدير كبير لتجربة الدولة الدينية فى إيران، وفى برنامج الجماعة المصرية لعام ٢٠٠٧ كان هناك محاكاة كبيرة للنموذج الإيرانى فى السياسات الداخلية والخارجية.

د. عبد المنعم سعيد: رئيس مجلس إدارة «المصرى اليوم» والرئيس السابق لمجلس إدارة مؤسسة «الأهرام» ولمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.. له مؤلفات عديدة معنية بالنظام العالمى الجديد، والشئون العربية، والشراكة الأوروبية، والصراع العربى الإسرائيلى، والقضايا الأمنية فى الشرق الأوسط، والسياسة المصرية والحد من التسلح.. يستكمل رؤيته حول قضايا الإصلاح والتى كتب عنها فى عددٍ سابق.