الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السادات بطل الانتصار.. بين اليمين واليسار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هو بالفعل كما وصفته وثائق المخابرات الأمريكية والتى نشرت بعضها صحيفة "الشرق الأوسط" ثوري ووطني متحمس جاء من أصول ريفية إلى الحُكم بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وكان يُنظر إليه بوصفه لا يملك القوة السياسية أو الفطنة السياسية المطلوبة للنجاح «استخفَّت به فصائل من اليسار» لكنه تمكن من تبديد هذه الصورة، وأثبت أنه زعيم معتدل وسياسي ودبلوماسي براجماتي. وعرف بواقعيته وذكائه السياسي وقُدرته على اتخاذ قرارات مفاجئة وشجاعة، «فهو يحكم كما يقول السياسيون بطريقة الصدمة».
وتحت عنوان «أسلوب القيادة» قالت الوثيقة: إن السادات يُهيمن على عملية صنع القرار خاصةً في مجال السياسة الخارجية، وهو ما ظهر بوضوح في محادثات السلام مع إسرائيل حيث لم يكن مستشارو الرئيس للشؤون الخارجية على يقين بشكل دائم بما يدور بذهن السادات وكان عليهم الرجوع إليه شخصيًا في أي قرار.
كانت حياة الرئيس الراحل أشبه بالسير فى حقول ألغام كلما تجاوز أحدها فوجئ بآخر، عرَف شظَف العيش والمُلاحقات، وانغمس فى السياسة وأصبح معجونًا بها، حتى إن فصول حياته تبدو لمن يتتبعها وكأنه يقرأ قصة بطل أسطوري من أساطير الإغريق حتى مشهد رحيله المفعم بمشاعر التعاطف معه والتقدير له والحزن على اغتياله، والخِسَّة والنذالة التى طاردت مَن أطلقوا عليه رصاصات الغدر حتى اللحظة.
عندما تولى الرئاسة وجد نفسه بين شِقَّي الرَّحَا.. عدو يغتصب الأرض، ورفاق الكفاح السياسى يرونه أقل من أن يكون رئيسًا، ويستخفون به وبقدراته، فكان عليه بحُكم صلاحياته ومنصبه الذى يمنحه شرعية دستورية وقانونية أن يحسم هذا الصراع ليبدأ رحلة شاقة فى إعادة بناء وتسليح القوات المسلحة، ويقود الجيش وسط ظروف داخلية سياسية ضاغطة، ودولية تعطى ظهرها للقاهرة المهزومة، ليسطر ملحمة تاريخية ويحقق السادات لمصر بل ولأمته العربية الانتصار العسكرى الأهم [طبعا مع الجيش السوري] فى تاريخها الحديث؛ ذلك الانتصار الذى فتح كل أبواب الأمل أمام أجيال ما بعد حرب أكتوبر، واستعادة الكبرياء الوطنى، والفخر والمجد للقوات المسلحة.
تعجل البعض ثمار النصر وانتظروا تحسن الأحوال الاقتصادية ولكن هذا التحسن تأخر بفعل أجواء إقليمية ودولية وحسابات كثيرة معقدة فأصيب البعض بالإحباط لكن السادات المقاتل والداهية السياسى فاجأ العالم كله بدعوته للسلام والسعى لتحقيق الاستقرار فى المنطقة وقوبلت دعوته من المصريين بترحيب وتحفظ بعض المثقفين والتيارات السياسية بينما أدهشت المبادرة العالم كله، ومن جديد يسير السادات فى حقل ألغام لكنه هذه المرة على مستوى إقليمى ودولى، ولا ينكر أحد من خصوم السادات قبل مؤيديه أنه أحدث زلزالًا عالميًا مرتين، مرة بانتصار أكتوبر والثانية بذهابه إلى تل أبيب وخطابه فى الكنيست، لكن السياسة التى يمارسها البعض بلا ضمير دفعت بعض الأصوات لتنتزع من البطل انتصاره ووصفوها بأنها حرب "تحريك" وليس "تحرير"، وافتعلوا خلطًا مقصودا استدعوا فيه اسم الرئيس جمال عبدالناصر كأنه صانع خطة العبور [لا ينكر عاقل حرب الاستنزاف العظيمة بالطبع]، وفى معركة السلام انبرى اليسار واليمين الدينى يتنافسان الأول يتهم صانع السلام بالتفريط فى الثوابت العربية، والثانى وصمه بأنه تخلى عن القدس الإسلامية، وكان الزمن وشهادات المنصفين وكبار المحللين العالميين والوثائق المخابراتية الأمريكية كفيلة بالرد على كل الانتقادات التى حاولت النيل من السادات، ويترك التاريخ لهؤلاء الندم ليتجرعوا مرارة الفرص الضائعة.
ونعود للوثيقة الأمريكية التى تحدثت عن الداخل المصرى وتشير إلى خطورة جماعة الإخوان المسلمين ومخاطر تزايد نفوذها على المدى الطويل بعد أن استخدم السادات التيارات الدينية لمحاربة التيارات اليسارية والشيوعية، وهنا نتوقف أمام هذا التحول الذى سينتج عنه فيما بعد سيناريو دراماتيكى، سيؤدى إلى إغتيال السادات وتغيير موازين القوى السياسية فى مصر لصالح تلك الجماعات التى اختطفت الدين وحاولت اختطاف الوطن وظلت مصر تعانى من محاولاتهم [القفز على السلطة] حتى ثورة ٣٠ يونيو عندما خرجت الملايين للشوارع مطالبة بإسقاط حكم المرشد وممثلها فى قصر الرئاسة، أقول لهذه الدرجة شعر السادات بضغوط اليسار ووقوفهم شوكة قوية فى ظهره وهو بطل النصر، واستشعر أنه بلا ظهير سياسي يدعم مواقفه وقراراته فاتجه إلى اليمين الدينى ليكون له عونًا وداعمًا وسندًا وخط دفاع فى مواجهة اليسار بعنفوانه [سواء فى خطابه السياسى أو مواقفه على الأرض]، وكان أقساها على السادات أحداث ١٨ و١٩ يناير التى أسماها انتفاضة الحرامية، بينما اشتهرت سياسيًا وإعلاميًا بانتفاضة الخبز وكانت الفوضى كفيلة بأن تدفع الرئيس للرجوع عن قرارات الإصلاح الاقتصادي وتحريك الأسعار ورفع بعضًا من الدعم دون أن يستشعر حرجًا حفاظا على البلاد من الفوضى التى اتهم اليسار بإثارتها. 
لم يستطع السادات رغم ذكائه السياسى وخبراته المتراكمة التى اكتسبها من احتكاكه بكل التيارات أن يسيطر على معادلة موازين القوى فى الشارع رغم انحياز كثير من المواطنين لمواقفه، فلا أحد يستطيع أن يأمن غدر جماعة الإخوان ولا يكشف ما تبطنه مستعينة بالتقية فالتهمت الجماعة التى أطلق لها العنان، الشارع والقوى السياسية كلها ليبرالية ويسارية على حد سواء [الأمر الذى تكرر مع النخبة السياسية من جديد عقب ٢٥ يناير] وهو ما دفعت مصر والسادات شخصيا ثمنه غاليًا.. رحم الله السادات البطل على ما قدَّم لوطنه وأمته.
أثبت أنه زعيم معتدل وسياسي ودبلوماسي براجماتي، وعرف بواقعيته وذكائه السياسي وقدرته على اتخاذ قرارات مفاجئة وشُجاعة.