الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

ألفونس مورا يكتب: معركة النفوذ.. العلاقات الفرنسية - الأمريكية فى مواجهة الانقلاب بالنيجر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا تلتقى واشنطن وباريس فى أفريقيا حيث تتصادم رؤيتان ونهجان مختلفان وتثير الأزمة فى النيجر تساؤلات تتجاوز حدود القارة الأفريقية وفى الحقيقة، معركة النفوذ بين أختين غير شقيقتين تؤجج المشاعر وتفتح الباب أمام سوء الفهم كما أن الأمور اليقينية التى كنا نعلمها بالأمس تتغير ولكن دون أن تختفى.
حب قديم
إن الرومانسية بين فرنسا وأمريكا ليست بجديدة. عندما ثار الأمريكيون ضد التاج البريطانى، رد الفرنسيون وجاءوا لتخليص المستعمرين المتمردين من السلطة الإنجليزية. وكانت المساعدة الثمينة التى قدمتها فرنسا حاسمة بالنسبة لتطلعات الاستقلال لدى الآباء المؤسسين. وبعد عقود قليلة، أصبحت العلاقة أكثر جدية وكانت فرنسا وأمريكا جمهوريتين وقد تنكرتا للفكرة الملكية حيث هدفهما المفضل هولندن. وفى الآونة الأخيرة، بذلت فرنسا وأمريكا جهودًا كبيرة للقضاء على الحرب كأداة سياسية وفى أعقاب عصبة الأمم (SDN)، فرض أريستيد بريان وفرانك كيلوج ميثاق باريس على العالم المتحضر فى عام ١٩٢٨ لكن القصة تصبح أكثر تعقيدًا كلما تعمقنا أكثر فى الموضوع. وكانت المثالية الأمريكية التى تبناها وودروويلسون هى المفتاح إلى إنشاء عصبة الأمم، ولكن أمريكا همشت نفسها فى نهاية المطاف حيث لم يوافق مجلس الشيوخ الأمريكى أبدًا على الانضمام إلى المنظمة الدولية. ولم تكن أمريكا عضوًا فى عصبة الأمم. وبقيت فرنسا عاجزة عن الكلام فى وجه الواقعية الأمريكية وحتى تلك الازدواجية، وهوشعور لا يزال حقيقيا للغاية اليوم كما سنرى لاحقا.
فرنسا وأفريقيا
فى الحقيقة، يعمل الانقلاب فى النيجر الذى أعقبه الآن انقلاب آخر فى الجابون وذلك لأن الأمور تتحرك سريعا فى أفريقيا السوداء على تآكل العلاقات الفرنسية الأميركية وأدانت فرنسا الانقلاب وكذلك فعلت الولايات المتحدة، لكن أوجه التشابه تنتهى عند هذا الحد؛ ففى حين تأمل فرنسا، من الناحية المثالية، العودة إلى الوضع الذى كان قائمًا من قبل، فإن الولايات المتحدة تتحدث بشكل واقعى مع المجلس العسكرى. فالبرودة الأمريكية تزعج الدبلوماسيين الفرنسيين وتزيد من انعدام الثقة بين البلدين ولا ننسى أيضا أن فرنسا، كما كانت الحال فى القرن الماضى، تضع ثقة عمياء فى المنظمات الدولية، وهذه المرة فى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس». ويمكن للمنظمة المذكورة أن تتدخل عسكريا لمحاولة وقف المجلس العسكرى بقيادة عبد الرحمن تشيانى.
وقال إيمانويل ماكرون إنه مستعد للنظر فى طلب المساعدة من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا للتدخل فى النيجر. لقد كانت الولايات المتحدة أكثر مراوغة بشأن هذه القضية ويبدوأنها تخجل من مثل هذا الاحتمال. أدت زيارة فيكتوريا نولاند للبلاد إلى محاولة لتهدئة الأمور، حيث يريد الأمريكيون العمل كوسطاء بين المجلس العسكرى والرئيس السابق. وفى واقع الأمر، فإن الأمريكان أكثر قلقًا بشأن نموالنفوذ الصينى أوالروسى فى المنطقة أكثر من إهتمامهم بعودة الحال كما كان عليه وهوأمر غير محتمل ويجب أن نتذكر أن الأمريكيين عمومًا يتمتعون بسمعة طيبة فى أفريقيا.. ومما لا شك فيه أنها تتمتع بسمعة أفضل من القوى الاستعمارية السابقة بما فى ذلك فرنسا. وفى منطقة الساحل ليس الأمر ضد «الأشخاص البيض»، بل هوضد الاستعمار الجديد كما أن الولايات المتحدة، منذ استقلالها، كانت تبتعد دائمًا عن أوروبا وخطاياها وكثيرًا ما تلعب الدبلوماسية الأميركية بهذه الورقة: «نحن لسنا أوروبيين».
قطعة من أفريقيا مقابل قطعة من أوروبا
نحن نعيش فى كوكب متصل بشكل متزايد. ومن الناحية الجيوسياسية، فإن الأزمات مرتبطة ببعضها البعض على الرغم من تباعدها الظاهرى. ويتعين على فرنسا أن تتعامل مع الأمر من بدايته، وقد فعلت ذلك. استخدم ماكرون حق الفيتو(بشكل غير رسمى بالطبع، هذا البند غير موجود رسميًا) – أمام فيونا سكوت مورتون. وسوف يتولى الاقتصادى الأمريكى رئاسة الإدارة العامة للمنافسة فى الاتحاد الأوروبى.


بالنسبة للعديد من أنصار الأطلسى، أظهرت فرنسا مرة أخرى كبرياءها وتجاوزاتها، فهى لا تفهم أنها لم تعد أمة عظيمة وأنه يجب عليها الامتثال لأوامر واشنطن. تعزيز العلاقات عبر الأطلسي؟ لم لا؟ ولكن لماذا دائما على حساب جانب واحد من المحيط الأطلسى ولصالح الجانب الآخر؟ سؤال لا تتم الإجابة عليه غالبًا.
هاجمت سكوت مورتون فرنسا فى مقابلة مع صحيفة التلجراف. ووفقا للسيدة، فقد قالت إنه من المحزن أن المجتمع الفرنسى يخشى السماح لأمريكى بالعمل فى الاتحاد الأوروبى. إن عصيان فرنسا للأوامر غير مفهوم على الإطلاق، والأسوأ من ذلك أنه غير مقبول. ربما لا تعلم السيدة سكوت مورتون ذلك، لكن الأمريكيين احتفظوا بسفارتهم فى فيشى وهناك ثوابت فى التاريخ.
ولكن فى وزارة الخارجية الفرنسية على الرغم من التحول الأميركى طيلة عقدين من الزمن يدرك أفضل الدبلوماسيين أن مكانة فرنسا ليست على المحك لا فى فلاندرز ولا فى منطقة الساحل. إن فرنسا تبدوكقوة متوازنة، إن فرنسا تبدومتحالفة ولكنها غير منحازة، إنها فرنسا التى تلهم العالم وتوجهه. وتستطيع فرنسا أن تعقد مؤتمرًا دوليًا كبيرًا مع البرازيل والهند والصين وتوقف القتل فى الشرق، فهى الوحيدة فى العالم التى تستطيع فعل ذلك. وإذا صح الأمر بأنها لا تزال حاسمة فى عام ٢٠٢٣، فليس من المؤكد أنها ستكون كذلك فى عام ٢٠٣٣.
موسكو والحرب ضد الإمبريالية
من دونباس إلى الساحل، هناك خطوة واحدة فقط. وبطبيعة الحال، تستغل روسيا المشاعر المعادية لفرنسا فى المنطقة. ولكن سيكون من الخطأ تمامًا القول أنها فعلت ذلك. لقد دافعت روسيا خلال الحرب الباردة عن تحرير أفريقيا ضد المستعمر، وهذا ما يتذكره الأفارقة. ومع ذلك، لم تكن الوحيدة. فقد فعلت أمريكا الشيء نفسه: فقد وجدت فى البرتغال السالزارية حليفًا ضروريًا ولكنه مرهق. وحاولت واشنطن إقناع لشبونة بضرورة التخلى عن المقاطعات الأفريقية ولكن دون جدوى.
ومع ذلك، لعب الأمريكيون على جميع الجبهات. ففى أنجولا، على سبيل المثال، قاموا بتسليح وتمويل UNITA على الرغم من تحالفهم مع البرتغاليين، لمواجهة الحركة الشعبية لتحرير أنجولا، المدعومة من موسكو. ولا جديد تحت الشمس هنا. فيواصل الروس الدفاع عن مصالحهم والأمر نفسه ينطبق على الأميركيين. فماذا عن الفرنسيين؟ هل لا زال لديهم اهتمامات أم أنها مجرد مثاليات ؟.. ويبين لنا مثلث بروكسل-نيامي- دونيتسك مدى تعقيد العالم الذى نحاول تبسيطه فى كثير من الأحيان. وفى أوروبا وأماكن أخرى، يشعر الناس بالتعطش لفرنسا.. ويبقى على فرنسا أن تفهم هذا وأن تفهم نفسها ولا تتوقف أبدا عن الوصول لما تريد أن تكون عليه.. وفى الحقيقة، يعتمد استقرار العالم على هذا المبدأ.
 معلومات عن الكاتب: 
ألفونس مورا.. خبير فى القضايا الاستراتيجية والجيوسياسية، وقبل كل شىء عالم سياسة برتغالى ومؤرخ يتابع بجدية السياسة الفرنسية والأوروبية وتطور العالم متعدد الأقطاب فى مواجهة العولمة الغربية.. يكتب تحليلًا حول تعارض المصالح بين واشنطن وباريس فى القارة الأفريقية.