الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحرية.. ارتقاء أم انزلاق؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

الحرية أهم نعم الله التى وهبها لسيدنا آدم منذ خلقه، ومنحه كامل الحرية فى ممارسة حياته كيفما يريد، وترك له ولبنيه من بعده حرية العبادة أو العصيان، وأراد سبحانه وتعالى من خلق البشر إختبارنا بالعبودية الإختيارية أى بكامل الحرية، وكان جل فى علاه يستطيع قهر الإنسان على عبادته ولكنه أرادنا أحرارًا، وكما قال تعالى فى سورة الكهف: "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"، كذلك قوله تعالى فى سورة البقرة: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ".. ويقال أن الحرية هى التى تحرر الإنسان من القيود التى تكبل تصرفاته سواء كانت قيودًا مادية أو معنوية، وهى التى تعزز كفاءة الإنسان وإنتاجه وتزيد الثقة بالنفس.. ومن أهم ما قيل عن الحرية قول جان جاك روسو: (حرية الفرد لا تكمن فى أنه يستطيع أن يفعل ما يريد بل فى أنه لا يفعل ما لا يريد) لذا فالحرية تعمل على تحسين الواقع وإصلاح الذات.. أما ما نراه من صور ماجنة فى التصرفات والمظاهر الغريبة بدعوى الحرية، فلا يجب أن ننسبها إلى الحرية بمعناها الراقي والتقدمى!.. وحين نرى بعض المشاهير يأتون بعادات ومظاهر غريبة ومستهجنة فى المجتمعات العربية (مثل الصور التى يتم تداولها لبعض من يعملون بالفن وهم يرتدون ملابس النساء، أو الأقراط التى تتدلى فى اذانهم) فلا يجب أن تمر تلك المظاهر دون وقفة من المسئولين  أو القائمين على الفن والثقافة، أو حتى قادة الرأى! ويفترض أن يتم إنتقاد تلك المظاهر بصرامة، لأنه بمرور الوقت سيعتاد الشباب على تلك المظاهر، وتتحول تدريجيًا من مظاهر منتقدة إلى موضة حميدة تعكس التقدم والرقى؟! فما يحدث -سواء بعلم أم جهل- هو دعوات صريحة وتأييد مغلف لمحاولات فرض الإباحية والمجون بدعوى حرية الإختلاف! ومحاولة لتجميل تلك الدعوات الخبيثة،  بطرح هذه الأفعال عن طريق نماذج حققت شهرة ونجاحًا كبيرًا، ونالوا إستحسان ومحبة الكثير من الشباب، فيتم إستغلال الإعجاب بهم فى تدمير القيم والمبادىء والعادات والتقاليد، حتى تشوه الفطرة السليمة!.

 وهنا أتساءل: هل هؤلاء المشاهير يفعلون ذلك عن جهل، أو لمجرد حب التجديد ولفت النظر بالإختلاف؟! متجاهلين صورة الرجل التى نشأنا عليها، ورأيناها فى آبائنا وأساتذتنا وكل من عرفناهم، ولم نر فى أحد منهم سوى الصورة الوقورة التى إعتدناها للرجل! بعيدًا عن أزياء النساء وإكسسواراتهم!.. أم أن هناك جهات معينة توجههم من خلال الإنتاج والتمويل لما يقدمون؟! حتى يفعلوا ما يريدون بالشباب العربى! ولنا ان نسترجع الماضى القريب، عندما تدافعت الفنانات لارتداء الحجاب وترك المجال الفنى، وهن يبكين حزنا على مشاركتهن فى الأعمال الفنية لحرمانيتها!.. ورغم أننى لست ممن يهاجمون الحجاب أو يعتبرونه ليس بفريضة، بل على العكس أرى أنه يتطلب قوة وزهدا لا أملكه، إلا أن الكرامة وعزة النفس فى كل الأحوال تأبى بيع الضمائر والأنفس، وتقف مع حرية الفرد المطلقة فى إتخاذ قراراته، دون إجبار أو ضغط مادى أو معنوى!.. لذلك أتمنى من كل صاحب رأى ألا يتجاهل تلك المظاهر والظواهر المسيئة، بل ندافع جميعًا عن الأجيال التى يتم العبث بحاضرهم ومستقبلهم، حتى لا ندفع ثمن هذا التجاهل غاليًا، وبأسرع مما نتخيل! علينا جميعًا أن نكون أكثر يقظة للوقوف ضد هذه الحرب الشرسة، التى تستخدم كالعادة أدواتها الناعمة كى تستهدف أبناءنا وشبابنا.. حتى أطفالنا لم يسلموا من تلك الحرب، ويبثون لهم كالعادة السم فى العسل! ويحاوطونهم بشعار قوس قزح فى البرامج وأفلام الرسوم المتحركة والقصص والكتب التعليمية، وللأسف تسير بعض المدارس على نفس الدرب، ويغرقونهم بهذا الشعار فى الرسومات والألعاب داخل المدرسة!.. وهى كارثة سواء كانت تتم بقصد أو بدون قصد!.. إلى جانب ما يبثونه من أفكار مغرضة ينشأون عليها دون أن ندرى! فعلينا أن نحاول مراقبة ما يبث لأبنائنا، ونعمل على توعيتهم وتحصينهم ضد الإنجذاب لتلك الظواهر المقيتة، وأن نحكى لهم عن قوم لوط وما فعلوه وما نتيجة فعلتهم، ويتعلمون أن كل من يخرج عن فطرة الله التى خلق الإنسان عليها، يُغضب الله.. وعندما غضب سبحانه وتعالى على هؤلاء القوم الذين جهروا بالمعصية، خسف بهم الأرض ولم يبق منهم أحد.. وعلينا أن نعمل على توعيتهم وتحذيرهم ممن خرجوا عن الفطرة السليمة، سواء بسبب مرض أو إنحراف أخلاقى، حتى يتجنبوا التشبه بهم فى سلوكهم وحركاتهم وأزيائهم.. فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم).. فلا يجب إعتبار تلك الحالات قدوة ونموذجًا للشباب، أو إعتبار ما يفعلونه موضة ينجرفون إليها دون وعى.. فتلك الحرب الناعمة تريد إهلاك الأمم الآمنة، والوعى هو السلاح الوحيد أمام أسلحتهم المتعددة التى لا تنتهى، وهو وحده سفينة نوح كى ننجو من الطوفان.

*أستاذة بأكاديمية الفنون