الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الغيطاني يكشف في كتابه "نجيب محفوظ يتذكر" كيف أثر الحرمان في حياة أديب نوبل

.
.
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يغوص جمال الغيطاني في كتابه "نجيب محفوظ.. يتذكر" في بحر تاريخ تستند ظهورنا عليه اليوم، ولولاه كان الفراغ، بأسلوبه الساحر يسرد الكاتب حالة غربة دالة عن علاقة تنبت ثمارها كلما ذكرت.

كتاب مشحون بمعان تلاشت مع مرور الوقت أو تبدلت لضدها، من السطر الأول من الكلمة الأولى نشعر بعمق معنى الصداقة من جانب ومن آخر معنى نظرة الإكبار التي ينظر بها الغيطاني وهو يكتب عن الأستاذ.

في البداية يقول:"أتهيب الكتابة عن شخص نجيب محفوظ، قد أكتب عن أعماله، ولكن الحديث عنه يلفني برهبة مع أن نجيب محفوظ هو أقرب الأدباء الكبار إلى جيلي وإلى نفسي".

ويحكي الكاتب الكبير جمال الغيطاني عن أديب نوبل مباشرة يقول: "كنت ألتقي به في بداية الستينات في الطريق الذي يسلكه من بيته في شارع النيل إلى عمله بمبنى التلفزيون، وأذكر أنني أعطيته أول قصة نشرت لي في يوليو 1963 بمجلة الأديب اللبنانية، كان عنوانها "زيارة" وفي اليوم الثاني مشينا في الصباح الباكر فوق كوبري قصر النيل، وهو يبدي لي رأيه تفصيلا ــ أي أن أديب نوبل قرأ القصة وكون رأي فقط في سواد الليل وهذا اهتمام بالغ ـ أذكر ملامحه وقتئذ، كان مشيه أسرع، وخطاه أنشط، أما جسده فلم يكن قد ضمر بعد بسبب مرض السكر اللعين". كان ذلك في القاهرة 16 يونيو 1980.

وتحت عنوان "الطفولة" يسرد الغيطاني بلسان حال "محفوظ" مرحلة طفولته يقول:"عندما أرحل بذاكرتي إلى أقصى بدايات العمر، إلى الطفولة الأولى، أتذكر بيتنا في الجمالية شبه خال، أنجب والدي من قبلي 6 أشقاء، جاءوا كلهم متعاقبين، أربع إناث وذكرين، ثم تتوقف والدتي عن الإنجاب لمدة تسع سنوات، ثم أجئ أنا، عندما وصلت إلى سن الخامسة كان الفرق بيني وبين أصغر أخ لي خمس عشرة سنة، البنات كلهن تزوجوا تقريبا فيما عدا واحدة لا أذكر أي شئ عن حياتها في البيت، أما شقيقاي قد تزوجا بالفعل، أحدهم دخل الكلية الحربية وسافر للخدمة في السودان،.. لهذا، لا أتذكر في البيت إلا والدي ووالدتي، لا أذكر أي إنسان آخر شاركنا البيت إلا الضيوف".

ويستمر الحكي الساحر إلى أن يصل محفوظ إلى "الثلاثية" الشهيرة، و"بداية ونهاية"، و"في خان الخليلي" من خلال واقعه يقول: لهذا تلاحظ دائما أصور في كثير من أعمالي علاقات أخوة بين أشقاء، وهذا نتيجة لحرماني من هذه العلاقة، يبدو هذا في الثلاثية، في بداية ونهاية، وفي "خان الخليلي"، لم أجرب هذه العلاقة في الحياة الحقيقية، كنت دائما أنظر إليها كشئ محرم أو مجهول، كنت أتمنى أن تكون لدي نفس العلاقات بين أصدقائي الإخوة".

   يأتي بعد هذا عنوان "اللعب" هكذا في المطلق يصدره الغيطاني، ومع القراءة يعلم حجم الدلالات التي يطلقها هذا العنوان البسيط.. البسيط جدا، أسفله يتذكر الأديب الكبير نجيب محفوظ "اللعب" ولكن بطريقته الخاصة يقول: طبعا البيت يرتبط في ذاكرتي دائما باللعب، خاصة السطح، فيه مجال كبير للعب، فيه خزين، بط، فراخ، كتاكيت صغيرة، زرع في أصص، لبلاب، ريحان، ثم السماء الفسيحة، كنا نسكن بيتا مستقلا، أو بالمعنى الدارج، بيت من بابه، ومن الممكن أن تطلق عليه "بيت رأسي" بالمعنى الحديث، كل طابق كان يحتوي على حجرة صغيرة وأخرى كبيرة، ثم أخيرا السطح، كنا أيضا نلعب في الشارع، مع أطفال وبنات الجيران، كان البيت يقع في مواجهة قسم الجمالية، يطل على ميدان بيت القاضي، كانت الحارة في ذلك الوقت عالما غريبا، حيث تتمثل فيها كل طبقات الشعب المصري، تجد مثلا ريعا، يسكنه ناس بسطاء، أذكر منهم موظف صغير في "كبانية" المياه، امرأة فقيرة تسرح بفجل أو لب، وزوجها ضرير، لهم حجرة في الربع، وأما الربع مباشرة تجد بيتا صغيرا تسكنه امرأة من أوائل اللواتي تلقين تعليم وتوظفن، ثم تجد بيوت أعيان كبار، مثل بيت السكري، وبيوت قديمة أصحابها تجار، أو من أولئك الذين يعيشون على الوقف، كنت تجد أغني فئات المجتمع، ثم الطبقة الوسطى، ثم الفقراء.. أنا لا أدري ما هو شكل الحارة الآن".