الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خالد محي الدين.. القائد الوطني والسياسي التقدمي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

نموذج الزعيم الراحل فى «التجمع» أصبح ملكًا لكل القوى الوطنية والتقدمية ‏والاشتراكية
الاسم محفور فى الوجدان.. «القائد» رحل جسدا وظل فكرًا وسيرة وطريقة
 


اليوم تحل ذكرى مرور العام الأول بعد المئة لميلاد القائد الوطنى الكبير خالد محيى الدين (١٧ أغسطس ١٩٢٢) عضو تنظيم الضباط الأحرار، وعضو مجلس قيادة ثورة يوليو ١٩٥٢، ومؤسس حزب التجمع التقدمى ١٩٧٦، وعضو مجلس الأمة ومجلس الشعب لدورات عديدة، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم الأسبق، ومؤسس ورئيس تحرير جريدة المساء المصرية.
عاش الراحل الكبير خالد محيى الدين عمرًا ثريًا من النضال الوطنى والتقدمي، الثورى والبرلماني والصحفى والسياسي، ولد فى ١٧ أغسطس ١٩٢٢ وحصل على قلادة النيل قبل وفاته، ورحل عن دنيانا فى ٦ مايو ٢٠١٨ وعند رحيله نعته الدولة المصرية بكل مؤسساتها، والقوى الوطنية السياسية والشعبية المصرية والعربية، وأقيمت له جنازة عسكرية حضرها رئيس الدولة المصرية وكبار رجالها، ونعته عديد من المؤسسات العربية والدولية، ذلك أن هذا القائد والسياسى الكبير، برحيله فقدت الحركة الوطنية المصرية والعربية وقوى التقدم والسلام فى ‏العالم، رمزًا من رموزها، ومن كبار رجال التيار الوطنى الديمقراطى التقدمي، المناضل من أجل الحرية والمساواة والعدالة ‏الاجتماعية.
انضم خالد محيى الدين منذ شبابه لكتيبة الضباط الأحرار الذين قادوا ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، التى استهدفت التخلص من تحالف الاحتلال الأجنبى والملك والإقطاع، تحالف الفساد والاستغلال الاجتماعى والتخلف الثقافي، ذلك التحالف ‏الذى ترك مصر حبيسة فى قفص الفقر والجهل والمرض، وعوق إمكانيات تحررها وتقدمها، وإمكانيات تطور قواها الإنتاجية وقواها الاجتماعية وتطور وازدهار إمكانياتها الفكرية والثقافية. 
كان ‏خالد محيى الدين، هذا القائد الوطنى الكبير، على الرغم من انتمائه لعائلة من الفئات الغنية من ملاك الأرض؛ ينتمى ‏فكريًا وثقافيًا لطموحات العدل الاجتماعي، فصار مدافعًا جسورًا عن حقوق العمال والفلاحين وأبنائهم فى ‏العمل والتعليم والعلاج والترقى الاجتماعي.‏
وتميز خالد محيى الدين بمجموعة من الخصائص الفكرية والسياسية، تكونت لديه بتأثير المناخ المصرى والعربى والدولى الذى عاصره فى شبابه، وبتأثير وتفاعل مع ما أنتجه ذلك المناخ وهذا العصر من تيارات فكرية وسياسية، وما أنتجه ذلك العصر من شعارات ونضالات وطنية واجتماعية، وقد كونت هذه الخصائص شخصيته وطريقته ومنهجه وأسلوبه الخاص فى العمل الوطني، هنا نسلط الضوء على بعضٍ من هذه الخصائص. 
خصائصه الفكرية
لخالد محيى الدين الإنسان والسياسى المناضل، خصائص عديدة، فقد دمج الراحل الكبير خالد محيى الدين فى فكره ونضاله بين ضرورات التحرر الوطنى ‏واستقلال الإرادة الوطنية وضرورات التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، فكان مناضلا ‏صلبًا – أيًا كان موقعه فى السلطة أو خارجها – ضد مؤامرات الاستعمار والصهيونية، وضد ‏خططها لتفتيت وتفكيك جبهة النضال العربية ضد الاحتلال الصهيونى للأراضى العربية، ومن ‏هذا المنطلق كان عضوًا بارزًا فى تنظيم الضباط الأحرار، الذى أسسه الزعيم جمال عبد الناصر، والذى خطط لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ضد تحالف الاستعمار والقصر، وضد مجتمع النصف فى المائة، كما رفض بصلابة - بعد أكثر من ٢٥ عامًا من الثورة - اتفاقيات كامب ديفيد ‏ومعاهدة السلام مع إسرائيل، مفرقًا بين السلام ومتطلباته وأدوات تحقيقه والحلول الانفرادية، التى اعتبرها ‏فى حينها ليست سلامًا عادلًا، وليست صلحًا بل دعوة للحرب، واعتبره من ذاك الوقت خطوة لتمكين الدولة الصهيونية من الانفراد بكل دولة عربية على حدة وليست دعوة للسلام.‏
ودمج الراحل الكبير بين رفضه للعدوان الخارجى على مصر والوطن العربى ورفضه للاستغلال ‏وبرامج التمييز الاجتماعى والتفاوت فى توزيع الدخل القومى والثروة القومية داخليًا، ومن هذا ‏المنطلق رفض سياسات الانفتاح الاقتصادى – ليس لأنه فقط انفتاح سداح مداح – بل لأنه كذلك ‏إعادة إنتاج للفئات الطفيلية غير المنتجة التى تثرى على حساب غالبية الفئات والقوى الاجتماعية، بما ‏أنتجه الانفتاح، وقانون رأس المال العربى والأجنبي، من إطلاق لقوانين السوق وانسحاب الدولة من دورها التنموى الاقتصادى ومن دورها ‏الاجتماعي، وبما ينتجه من تضخم وبطالة وتطرف وعنف وإرهاب، وطرح فى مواجهة تلك ‏السياسات حزمة من السياسات التى تقوم على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمواجهة الفقر والجهل والمرض وبناء قواعد العدالة الاجتماعية.‏
طريقته السياسية
لكن مأثرة خالد محيى الدين الكبرى – ومآثره كثيرة – ليست فقط ما هو مشهور عنه بأنه ‏فارس الديمقراطية، وهو كذلك، فقد تمسك بالديمقراطية وهو فى السلطة، وكان يمكنه ‏الصمت حفاظًا على موقعه فوق كراسى الحكم، وتمسك بالديمقراطية وهو رئيس لحزب ‏التجمع المعارض وآثر أن يؤسس ويطبق على نفسه المادة الثامنة من لائحة النظام الأساسى للحزب الذى يرأسه، والتى تمنع أى قيادى الاستمرار فى ‏موقعه لأكثر من دورتين متتاليتين، وطبقها على نفسه، وأصبح عضوًا بالحزب – بمرتبة ‏مؤسس وزعيم ورئيس للمجلس الاستشارى الذى يتكون من أعضاء وخبراء حزبيين ومن خارج الحزب – يحضر الاجتماعات الحزبية تحت رئاسة رئيس ‏غيره، ويطلب الكلمة للحديث مثل أى عضو آخر.‏
ولعل المأثرة الأكبر، والصفة الأهم، لخالد محيى الدين تتمثل فى أنه أسس لطريقة فى العمل السياسى – معارضًا أو مؤيدًا ‏‏– تجمع بين القيم السياسية الرفيعة والمواقف الحاسمة، فلم يعرف عنه أبدًا إلا استخدامه ‏للألفاظ المنتقاة فى معارضته الموضوعية، فلا استخدام، ولا اقتراب أو (ولع) باستخدام، ألفاظ حادة أو جارحة أو مهينة، ولا ولع باستخدام تعبيرات (التخوين والتكفير) مهما ‏كانت حدة الموقف، ولا معارضة للمعارضة أو لأسباب شخصية، ولا شخصنة للخلاف فى الرأي، وحين كان يعلن ‏أنه يعارض رأيًا أو يعارض سياساتٍ أو إجراءاتٍ حكومية، وقد فعلها بصورة شبه يومية فى البرلمان ومؤتمرات واجتماعات الحزب وصحفه، كان لا يعلنها باعتبارها خصومة له مع أشخاص أيًا كان ‏موقعهم، فقد كان يهتم بمعارضة أو رفض الموضوع، ويهمه أكثر كسب مؤيدين لهذا الرأى لا ‏مجرد تسجيل موقف، ويهتم فى كل معارضته بأهمية طرح البديل.‏
شخصيته القيادية
تلك بالطبع مآثر كبرى للراحل الكبير، لكن خالد محيى الدين بشخصيته الآثرة وخبراته الحياتية والسياسية، وعلاقاته بقامات وزعامات ‏القوى التقدمية واليسارية من مدارس ومنابع فكرية متنوعة، لكنها منشغلة معًا - رغم تنوع وتعدد المنابع - بعدة قضايا مصيرية كبرى، قضايا العدل الاجتماعى ‏والديمقراطية والتطور الثقافى والتحرر السياسى والاستقلال الوطني، قدم مأثرته الكبرى، حيث قام بمشاوراته لبناء أول حزب لليسار العلنى (عام ١٩٧٦)، حيث قام - مع كوكبة من زملائه - ببناء وتأسيس أول حزب تقدمى ‏من طراز جديد، ولا يجادل أحد فى أن خالد محيى الدين هو مؤسس حزب التجمع، لكن الجديد هنا هو أن القائد كان منشغلًا ‏بتأسيس نموذج سياسى جديد فى العمل الوطني، فماذا فعل؟
فكر فى جمع عدد من التيارات والفصائل اليسارية والوطنية فى حزب واحد، فكر مع العديد من المؤسسين الكبار فى كيف يبنى كيانًا سياسيًا لا ينطلق أعضاؤه من منبع ‏فكرى أيديولوجى واحد، ولا ينتمون لفصيل سياسى واحد، بل يتكون من فصائل تيارات وطنية وتقدمية وثقافية متنوعة فى منابعها الفكرية والأيديولوجية، ‏تتجمع وتتعاقد، وتتفق وتتوافق على رؤية عامة، تتجسد فى الخطوط الأساسية للبرنامج العام والبرنامج السياسى فى توجهاته الوطنية والديمقراطية ‏والاجتماعية والتنموية والثقافية.
وتمكن خالد محيى الدين بشخصيته الآثرة، وخصائصه القيادية، وانطلاقًا من هذا التوجه، من حشد العديد من الطاقات والهيئات السياسية والنقابية عمالية وفلاحية، والصحفية ومن فئات الطبقة الوسطى المهنية، التى ظلت هى الزاد الأساسى لمواجهة ‏الأعاصير التى أحاطت بحزب التجمع فى المراحل السياسية المتعددة. 
إن النموذج الذى قدمه ‏خالد محيى الدين، فى العمل العام السياسى والبرلماني، والقيادى الحزبى لم يعد ملكًا لحزب التجمع وحده، بل لكل القوى الوطنية والتقدمية ‏والاشتراكية، وكل تيارات التحرر الوطنى والقومى وبالفعل تكررت تجربة بناء الحزب السياسى والتجمعات والتيارات السياسية المكونة من منابع فكرية ‏متنوعة ومتعددة فى عدد كبير من بلدان العالم.‏
وسيظل خالد محيى الدين نموذجًا يحتذى، ورمزًا تفتخر به القوى الوطنية والتقدمية والقومية المصرية والعربية، وستبقى معنا أفكاره وسيرته العطرة وشخصيته وطريقته الفكرية والسياسية والقيادية، وستظل معنا كتاباته ومؤلفاته الفكرية والسياسية ‏ومن أهمها كتب: والآن أتكلم، وكتاب مستقبل الديمقراطية فى مصر، وكتاب الاشتراكية والدين، وكراس انفراج لا وفاق، وسيظل ‏يذكره كل من زامله أو عمل معه أو تتلمذ على يديه، فى الحزب وفى جريدة الأهالى وفى جريدة المساء ومؤسسة أخبار اليوم ونقابة ‏الصحفيين وفى كل الوسط الصحفي، وكذلك سيظل يذكره كل خالد سماه أبوه باسمه، تيمنا وحبًا لخالد محيى الدين.
الأمين العام المساعد لحزب التجمع