الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

إبراهيم نوار يكتب: مصر والمستقبل.. أمن الطاقة لا يقل أهمية عن تحقيق الأمن الغذائي.. الاستعداد للعبور إلى عصر ما بعد النفط والغاز.. ضرورة عاجلة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحقيق أمن الطاقة لا يقل فى أهميته عن تحقيق الأمن الغذائي. وإذا كان أمن الغذاء يتعلق أساسا باحتياجات «البقاء»، فإن أمن الطاقة يرتبط بتحقيق أهداف البقاء والنماء والارتقاء، وهى أهداف الأمن القومى التى تلتقى مع بعضها ديناميكيا، ولا يمكن فصلها ميكانيكيا، واحدا عن الآخر. وقد كان حلم الثروة النفطية حتى وقت قريب هو أقصر الطرق لتحقيق الرخاء. لكن عصر النفط والغاز والفحم يخلى مكانه تدريجيا لعصر الطاقة الخضراء. وبذلك تصبح الطاقة المتجددة والمستدامة والنظيفة مثلها مثل النباتات الخضراء المتجددة التى تطلق الأوكسجين إلى الهواء. وتبرهن التقلبات البيئية الأكثر حدة التى يتعرض لها العالم على خطورة الأضرار الخارجية لاقتصاد النفط والغاز. هذا لا يعنى نهاية عاجلة لأهمية الثروة النفطية، لأن أهميتها ستستمر، لكنه يعنى ضرورة العمل على تحويلها من ثروة مدفونة فى باطن الأرض، أو ناضبة، إلى ثروة متجددة فوق الأرض، طبقا لمعايير تحافظ على التوازن الطبيعى بين الإنسان والبيئة. كذلك فإنه لا يمكن الاعتماد بشكل مطلق على الثروة النفطية فى تمويل التنمية نظرا لتقلبات الطلب والأسعار. كما أنها لا يمكن أن تكون هى التنمية فى حد ذاتها، باستخراجها وتصديرها وإنفاق عائدات التصدير. 
تنويع الاقتصاد 
حلم «النفط الغاز»، قد يصلح لليوم فقط، لكنه لا يصلح للمستقبل. الدول النفطية تعمل على تنويع اقتصاداتها، ووضع قواعد الانطلاق إلى مرحلة ما بعد النفط، بتنويع الاستثمارات فى الداخل والخارج، وتوطين الصناعات المتقدمة، بعد أن أنفقت بكثافة على تنمية ثروتها البشرية، وإقامة بنية أساسية تكنولوجية متقدمة. ولا يعنى تنويع الاقتصاد فى مصر الانتقال من النقيض إلى النقيض، وإنما يعنى إعادة الاعتبار إلى قطاعات الإنتاج الحديثة المتنوعة، التى نشأت وتطورت فى مصر منذ القرن التاسع عشر، وحققت طفرات سريعة منذ الحرب العالمية الأولى وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، خصوصا فى قطاعات الصناعات التحويلية. إن العمل على تنويع الاقتصاد وإعادة الاعتبار إلى الصناعات التحويلية، إضافة إلى تحويل الزراعة من حرفة إلى صناعة متقدمة كثيفة التكنولوجيا، هو ضرورة تاريخية فى الوقت الحاضر، تلتقى مع احتياجات الانتقال إلى الطاقة الخضراء، والثورة الصناعية الرابعة، وبناء وتعزيز القدرة على التحمل الاقتصادى، والرد على التحديات البيئية القاسية والاضطرابات الجيوسياسية الحادة التى تعصف بالعالم. 
وتصطدم السياسة الاقتصادية التى اتخذت الغاز والنفط طريقا للتنمية، بعوائق الأضرار الاقتصادية والمالية الناتجة عن هذا الخيار، حيث زاد الاعتماد على الديون فى تمويل التنمية، بدلا من الاعتماد على موارد غير مدينة، وانخفض عرض الإنتاج السلعى مقارنة بالقطاعات الأخرى، فزادت الحاجة إلى الاستيراد، وأدت التقلبات فى أسعار النفط والغاز إلى اضطراب أداء ميزان الحساب الجارى مع العالم الخارجي. الأسوأ من ذلك كله هو أن قطاع الطاقة نفسه بدأ يعانى بسبب الأضرار الخارجية التى وقعت جراء الإفراط فى الاعتماد عليه. ووصل الأمر إلى أن الدولة اضطرت إلى تخفيض إمدادات الغاز لمحطات توليد الكهرباء المحلية من أجل توفير كمية أكبر للصادرات، تحت شعار ترشيد استهلاك الكهرباء. 


عندما لا تأتى الرياح بما تشتهى السفن 
ومن المصادفات السيئة التى اعترضت تحقيق الغرض من تخفيض الإمدادات، أن صيف العام الحالى شهد موجة حر شديدة أدت إلى زيادة استهلاك الكهرباء فى القطاع المنزلى، الذى يستحوذ على نصف استهلاك الكهرباء تقريبا. ومن ثم اضطرت الدولة إلى اتخاذ إجراءات لإعادة توزيع الأحمال الكهربائية، وهو ما يعنى قطع التيار الكهربائى لمدد تتراوح بين ساعة إلى ٦ ساعات يوميا بالتناوب فى كل أنحاء البلاد. ومن المصادفات السيئة أيضا أن الدولة لم تتمكن من تحقيق هدف زيادة صادرات الغاز، وذلك نظرا لأن الفترة من أبريل إلى سبتمبر من كل عام ينخفض فيها الطلب على الغاز الطبيعى والمسال فى العالم، ثم يبدأ بعد ذلك موسم بناء المخزونات التجارية فى شهر أكتوبر، لمواجهة زيادة احتياجات الاستهلاك فى فصل الشتاء. الدولة إذن خفضت توريد الغاز لمحطات الكهرباء طمعا فى زيادة الصادرات وكذلك تخفيض الاعتماد على واردات الغاز الإسرائيلي؛ فكانت النتيجة أن إمدادات الكهرباء اضطربت، بينما بقيت الصادرات على حالها أو انخفضت، واستمر الاعتماد على الغاز الإسرائيلي. 
الإنتاج والعائد والاستخدامات 
تظهر بيانات إنتاج الغاز فى الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالى (يناير إلى نهاية مايو) تراجعا إلى أقل مستوى فى السنوات الثلاث الأخيرة، إذ بلغت كمية الغاز ٥ مليارات و٨٤١ مليون قدم مكعب يوميا، مقابل ذروة بلغت ٧ مليارات و١٩٣ مليون قدم مكعب فى سبتمبر ٢٠٢١. هذا يعنى أن المستوى الحالى للإنتاج انخفض بحوالى مليار و٣٥٢ مليون قدم مكعب يوميا بنسبة ١٨.٨٪ تقريبا، تحت مستوى الذروة الإنتاجية. وطبقا لتوقعات مؤسسة «فيتش» للتقييم المالى، فإن الإنتاج السنوى لمصر سيقل بنسبة ٤٪ عما كان عليه فى العام الماضى، إلى حوالى ٥١ مليار متر مكعب سنويا. ومع ذلك فإن الأرقام الفعلية للعام الحالى تشير إلى أن الإنتاج قد ينخفض إلى أقل من ذلك. 
ويعود السبب الرئيسى وراء انخفاض الإنتاج إلى تراجع إنتاج حقل ظهر، أضخم حقول الغاز فى مصر وشرق البحر المتوسط. ويسهم هذا الحقل وحده بحوالى ٤٠٪ من إنتاج مصر الكلى من الغاز. ومع أن القدرة التصميمية القصوى للحقل تصل إلى إنتاج ٣.٢ مليار قدم مكعب يوميا، فإنه لم يصل إلى هذا المستوى، وإنما تراجع إنتاجه من ٢.٧ مليار قدم مكعب إلى ٢.٢ مليار، بسبب عمليات الاستغلال الاستنزافى للحقل، وارتفاع معدل نضوب الحقول المنتجة فى مصر عموما إلى ما يتراوح بين ١٠٪ إلى ١٥٪ سنويا. وهو ما يعنى اقتصاديا أن العمر الإنتاجى لحقول الغاز المصرية يتراوح بين ٦.٥ إلى ١٠ سنوات فقط. وقد أدى الإفراط فى استغلال حقل ظهر بسرعة إلى تعقيدات فنية فى التشغيل، وتسرب المياه إلى مكامن الغاز فيه، فتراجع الإنتاج على الرغم من محاولات شركة إينى تدعيم بنية الآبار المنتجة، ومحاولة حفر آبار جديدة للحد من تراجع الإنتاج. 
ومع رغبة الدولة فى المحافظة على تدفق إيرادات كافية من صادرات الغاز المسال، فإن تراجع إنتاج حقل ظهر بحوالى نصف مليار قدم مكعب يوميا، كان من الضرورى تعويضه بزيادة استيراد الغاز الطبيعى، وتقليل إمدادات الغاز إلى محطات الكهرباء، فى إطار خطة ترشيد استهلاك الكهرباء، التى تم إعلانها فى العام الماضي. 
ومن المتوقع زيادة الطلب المحلى على الغاز حتى عام ٢٠٢٧ إلى ما يتراوح بين ٨ - ٩ مليارات قدم مكعب يوميا. وفى المقابل يقدر الإنتاج المحلى المتوقع بما يتراوح بين ٥.٥ إلى ٦ مليارات قدم مكعب يوميا، عند الحد الأدنى، أو ٦.٥ إلى ٧.٥ مليار قدم مكعب حسب سيناريو الحد الأقصى الذى يأخذ فى الاعتبار زيادات الإنتاج المتوقعة من اكتشافات جديدة، فى مناطق امتيازات تم طرحها فعلا، أو من المتوقع طرحها خلال العامين القادمين، وذلك حسب تقدير معهد جامعة اكسفورد لدراسات الطاقة. 
علاقة قطاع البترول بالموازنة 
من المفارقات المدهشة فى تطور الإدارة الاقتصادية فى مصر أن الجهاز البيروقراطى أصبح الآن يمثل مجرد واجهة شكلية للإنفاق، بينما تمثل الهيئات العامة الاقتصادية والخدمية جهاز الأعمال العام المركزى للدولة إلى جانب أجهزة أخرى، قد تخضع للقانون، أو تنظمها قوانين خاصة. ومع صدور قانون الموازنة العامة الجديد، فإن علاقة الخزانة العامة بهذه الهيئات أصبحت تنحصر فى تمويلها، مع الحصول على فائض من أنشطتها إذا تيسر ذلك. وطبقا لذلك فإن علاقة قطاع البترول والغاز بالدولة تحددها العلاقة بين الهيئة العامة للبترول وبين الخزانة العامة، وهى علاقة يتمثل جوهرها فى أن الهيئة تتلقى الدعم من الخزانة، مقابل تحويل الفائض المالى إليها فى حال استطاعت. 
دعم الخزانة لهيئة البترول 
ويقدر الدعم الذى تتحمله الخزانة العامة للدولة لصالح الهيئة العامة للبترول فى السنة المالية ٢٠٢٣/٢٠٢٤ بحوالى ١١٩.٤ مليار جنيه، أى أكثر من ٣.٨ مليار دولار (بسعر البنك المركزي) وهو ما يزيد على مخصصات العام الماضى (٤٨.١ مليار جنيه) بنسبة ٢٤٨٪! ويزيد على قيمة الدعم الفعلى الذى حصلت عليه الهيئة فى السنة المالية ١٩/٢٠ (١٨.٥ مليار جنيه) بنسبة ٦٤٢٪ تقريبا! وتعكس هذه الأرقام زيادة فاحشة فى تقدير التكلفة التى تتحملها الهيئة، لتبرير حصولها على دعم يعادل أكثر من ٦ أمثال ما كانت تحصل عليه قبل ثلاث سنوات، وما يقرب من مرتين ونصف أكثر مما كان مخصصا لها فى موازنة العام الماضي. الدعم المخصص للهيئة العامة للبترول وحدها يعادل ٢٦.٤٪ من مخصصات الدعم لكل الهيئات الاقتصادية الرسمية التابعة للدولة. 
وطبقا للمادة الثالثة من قانون المالية العامة الموحد رقم ٦ لسنة ٢٠٢٣، فإن العلاقة بين الهيئات والوحدات الاقتصادية والموازنة العامة للدولة تقتصر على الفائض الذى يؤول إلى الخزانة العامة للدولة، وما يتقرر لهذه الموازنات من قروض ومساهمات. هذا يعنى عمليا أن الخزانة العامة للدولة ليست لها ولاية على موازنات تلك الهيئات؛ التى تدير شئونها المالية بنفسها، طبقا للقواعد التى تحددها لنفسها. ومع ذلك فإنها تقترض من البنوك فوق المخصصات المحددة لها بضمان الحكومة، ولا تعتبر أنها ملزمة بسدادها 
البترول والميزان التجارى
عند إعداد موازنة السنة المالية الجديدة، وعلى الرغم من ظهور بوادر ضعف فى سوق الغاز، قالت وزارة البترول انها تعتزم زيادة قيمة الصادرات البترولية فى السنة المالية الحالية بنسبة ١٥٪ لتصل إلى نحو ٢١ مليار دولار، على أن تزيد بنفس النسبة فى ٢٠٢٤ إلى حوالى ٢٤ مليار دولار. لكن هذه التقديرات ليست مبنية على أرقام وحقائق تؤكد مصداقيتها، وذلك لأربعة أسباب رئيسية: الأول هو تقلبات أسعار النفط والغاز فى السوق العالمية والضغوط على أسعار الغاز إلى أسفل. والسبب الثانى هو تراجع إنتاج مصر من الغاز، مع العجز عن إضافة احتياطيات ضخمة حتى الآن. السبب الثالث هو وجود فرص استثمارية أكبر ربحية وأقل تكلفة أمام الشركات العالمية فى مناطق أخرى من العالم مثل أفريقيا. السبب الرابع هو أن شركات الطاقة تعمل على تنويع استثماراتها ومصادر الإمدادات فى حوض البحر المتوسط بزيادة الإمدادات من كل من الجزائر وليبيا. 
ولذلك فإنه ليس من المستغرب أن يسجل ميزان المدفوعات فى الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية الحالية تراجعا فى قيمة الصادرات البترولية من ١٣.٧ مليار دولار الى ١١.١ مليار دولار، بنسبة تراجع تبلغ ١٩٪ تقريبا، وهو ما تسبب فى هبوط الفائض فى الميزان التجارى البترولى بنسبة ٥٩.٥٪ ليقتصر على حوالى ١.٧ مليار دولار مقابل ٤.١ مليار فى الفترة المقابلة من السنة المالية السابقة. وطبقا لتصريحات أخيرة أدلى بها السيد وزير البترول فى فيينا، فإنه من المتوقع تراجع إيرادات صادرات الغاز المسال بنحو ٥٠٪ خلال العام الجارى (٢٠٢٣)؛ بسبب تراجع الأسعار العالمية. وكانت صادرات مصر من الغاز المسال قد سجلت رقما قياسيا استثنائيا فى العام الماضى بقيمة ٨.٤ مليار دولار، مقارنة بنحو ٣.٥ مليار دولار فى عام ٢٠٢١. 
الاستثمارات البترولية: العائد والتكلفة
فى الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية المنتهية فى يونيو الماضى، ارتفع إجمالى التدفقات للداخل من الشركات الأجنبية العاملة فى قطاع البترول إلى ٤.٢ مليار دولار مقابل ٣.٨ مليار فى الفترة السابقة، بزيادة مليار دولار تمثل استثمارات جديدة. لكن قيمة التحويلات للخارج، مقابل استرداد قيمة التكاليف التى تحملتها الشركات فى أعمال البحث والتنمية والتشغيل، بلغت ٥.١ مليار دولار. وهو ما يعنى أن صافى الميزان الاستثمارى فى القطاع يمثل تحويلات للخارج بقيمة ٩٢٥ مليون دولار خلال الفترة المذكورة. وإلى جانب ذلك يحصل الشركاء الأجانب على حصة تبلغ ٥٠٪ من الإنتاج تقريبا، إضافة إلى فوائد قروض التمويل. 
حوافز الاستثمار التى تم الاتفاق عليها مع الشركات الدولية عام ٢٠١٥، تضمنت إعادة صياغة معادلة تحديد الأسعار التى تشترى بها الحكومة الإنتاج من الشركات، ليرتفع سعر المليون وحدة حرارية بريطانية إلى حوالى ٦ دولارات، مع تعديل الحد الأدنى للأسعار المضمونة أيضا، ووضع برنامج لتسوية المتأخرات المستحقة للشركات التى كانت قد وصلت إلى حوالى ٦.٣ مليار دولار عام ٢٠١٣. 
وبناء على الاتفاقيات مع الشركات ارتفع سعر الغاز الذى تحصل عليه الدولة من امتياز شروق وامتيازات البحر المتوسط فى المياه العميقة إلى ٥.٨٨ دولار للمليون وحدة حرارية (شركات إينى إديسون، شل). كما تم رفع سعر الغاز المستخرج من حقول الصحراء الغربية بما فيها الغاز الصخرى إلى ٥.٤٥ دولار (شل وأباتشي). وتم تحديد الحد الأدنى لسعر الغاز من الشركات الأجنبية عموما بقيمة ٣.٩٥ دولار بدلا من ٢.٦٥ دولار.