السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الحنين المشروع للناصرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى أعقاب الموجة الثانية للثورة المصرية فى 30 يونيو عام 2013 وإعلان خريطة المستقبل وإنهاء حكم الإخوان، تصاعدت وتيرة الحنين إلى الناصرية، ولم تقتصر رغبة العودة إلى الناصرية ومشروعها فى التحرر الوطنى والاجتماعى والانحياز إلى الفقراء والكادحين، على بعض أطراف النخبة المصرية وخاصة جناحها القومى الناصرى، بل شملت أطرافا أخرى وتغلغلت فى قطاعات عريضة من الشعب المصرى.
حملت الموجة الثانية بين تداعياتها أوجه للمقارنة والتشابه بين المشروع الناصرى وبين بعض عناصر مشروع الموجة الثانية للثورة، وبصفة خاصة المنحى الاستقلالى فى اتخاذ القرار؛ رغم الضغوط الأمريكية والأوروبية، واستعادة هوية الدولة المصرية وهيبتها، واستهداف جماعة الإخوان المسلمين، وتخليص السياسة باعتبارها شأناً دنيوياً وضعياً يصنعه المواطنون، من براثن "الكهنوت" الدينى والقداسة الدينية وتعيين الحدود الفاصلة بين مجال الفاعلية السياسية والفاعلية الدينية.
ولا شك أن هذه التوجهات وهذا الحنين إلى المشروع الناصرى له جذور فى الواقع لا يمكن إنكارها، فهذا المشروع قريب الصلة من الذاكرة الوطنية الجمعية للمصريين، برغم تفاوت الأجيال، وظهور أجيال جديدة لم تعش هذه الحقبة فى التاريخ المصرى، ومن ناحية أخرى فإن شواهد ومعالم وآثار هذه الحقبة ومازالت باقية بعد فى الواقع، مثل إنشاء السد العالى وإقرار مجانية التعليم وتشكل طبقة وسطى جديدة ومنفتحة على العصر، وغير ذلك من آثار الحقبة الناصرية، وعلى صعيد آخر فإن المشروع الناصرى بطبيعته الثورية والاجتماعية يلتقى مع أهداف ثورة 25 يناير بالذات الاقتصادية والاجتماعية والتى تلخصت فى العيش والعدالة الاجتماعية والكرامة، كما أن هذا المشروع بمعالمه وقسماته البارزة يتميز عن نظام ما قبل الثورة، أي ثورة 25 يناير وكذلك يتميز عن نظام ما بعد الثورة، سواء النظام الانتقالى، أو نظام الإخوان المسلمين، فضلاً عن تميزه عن مشروع السادات، ومن ثم بدأ المشروع الناصرى فى أعقاب 30 يونيو الأقرب فى الذاكرة والواقع إلى أهداف الثورة، وذلك رغم ما بين ثورة 23 يوليو عام 1952 وثورة 25 يناير عام 2011 من اختلافات، مرتبطة بطبيعة الحقبة الزمنية التى وقعت فيها هاتين الثورتين، فالأولى أى ثورة يوليو تنتمي لجيل ثورات التحرر الوطنى فى حين تنتمى ثورة 25 يناير لجيل الموجة الرابعة من الثورات والتى تتمحور حول الانتقال إلى الديمقراطية.
بيد أن الفارق بين الرغبات والتمنى وبين الواقع لا يمكن إغفاله، فواقع الفترة الزمنية الراهنة يختلف بطبيعته عن تلك الحقبة الزمنية التى وقعت فيها ثورة يوليو 1952، وهذا الاختلاف يعيد ترتيب الأولويات والأجندات والبرامج على نحو مختلف يتوافق مع روح هذه الحقبة الراهنة، ذلك أن التاريخ لا يكرر نفسه ولا يعيد نفسه، وذلك لا يعنى فقدان التاريخ لأهميته، بل يعنى صياغة القدرة النقدية على استلهام مبادئ ودروس التاريخ، فالعودة للناصرية فى هذا الإطار تقتضى تبنى مبادئها وروحها وليس بالضرورة تطبيقها كما جرى فى الخمسينيات والستينيات، بل استيعاب فلسفتها وقيمها فى التحرر والعدالة الاجتماعية بصيغ تتلاءم وروح الحقبة الراهنة من التطور العالمى.
ومن المؤكد أن ذلك لا ينطبق فحسب على الناصرية بل على جميع الظواهر السياسية والاجتماعية والثقافية فى التاريخ أي استلهام دروسها ومبادئها وكذلك مختلف المذاهب السياسية والفكرية، لا يمكن استعادتها حرفياً بل عبر مبادئها وروحها نظراً لتغير الظروف.