الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

ماذا لو لم يصبح البابا شنودة بطريركا؟

الأنبا مكاريوس
الأنبا مكاريوس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ماذا لو عادت عقارب الساعة إلى الوراء، أعتقد أن قداسته إذا لم يدخل الترشيحات البابوية بعد البابا كيرلس السادس فى مارس 1971م لكان من المحتمل أن يكون دوره فى الكنيسة:
1- أب رهبنة: على غرار القديس الأنبا أنطونيوس، فهو يجمع فى شخصه مفردات الراهب القبطى كما رسمه الآباء الأولون، فقد عشق حياة الرهبنة فكرا ولغة وسلوكا، وقد لاحظ القريبون منه، أنه يسلك ببساطة الراهب داخل مسكنه الخاص، من جهة الطعام والثياب ومقتنياته، وبعده عن أكثر مظاهر التكنولوجيا والمدنية، إضافة إلى حيائه الشديد وهو صفة رهبانية أساسية، وقد كتب عن الرهبنة وتحدث عنها وخبر دروبها، وحفظ مئات من الأقوال وقصص الآباء، والآباء الذين تتلمذوا على يديه فى الدير عاشوا معه هذه الخبرة، كما ترفق كثيرا بالرهبان الذين عانوا من المتاعب، كما كان يقضى يومين أو ثلاثة أسبوعيا فى البرية.
2- شاعر وأديب: على غرار مار أفرام السريانى ومار يعقوب السروجى، فقد كتب أجمل شعر مسيحى تصوفى فى التاريخ الحديث، وظل محتفظا بهذا الحس المرهف حتى آخر حياته لتأتى قصيدته الرائعة "أحبك يا رب" خلال مرضه الأخير وإقامته فى المستشفى، وقد أثرت قصائده فى الشعب كما أثرت عظاته، بل وقد نالت إعجاب الكثير من المسلمين مثلما هام بها المسيحيون، كذلك فقد كان قصاصا ماهرا يمتلك أدوات القصة، وله عدة قصص تحولت إلى دراما منذ سنوات قليلة، أشهرها وأعظمها قصة "أبونا أنسطاسى".
3- أستاذ اللاهوت والعلوم الكنسية الأخرى، لا سيما وقد كان متفوقا فى دراساته هذه، كما كانت لديه مهارة التدريس (أى أنه كان عالما ومعلما وهى ميزة نادرة). يضاف إلى ذلك نقاوة تعليمه واعتماده الدائم على آيات الكتاب المقدس لتأييد آرائه، وقد ظل حتى آخر حياته مسئولا عن المعاهد اللاهوتية بكل أنواعها، وبينما كانت محاضراته للشعب بسيطة وعامة وحيوية، فقد كانت له فى المقابل محاضراته اللاهوتية العميقة، وزاد عدد فروع الإكليركية فى فترة حبريته كثيرا، وفى أيامه كانت الكنائس الأرثوذكسية الأخرى تأنس إلى رأيه وتستند عليه كثيرا.
4- واعظ شعبى: على غرار القديس يوحنا ذهبى الفم، كان ممتعا لطيفا مداعبا يعرف كيف يسلب ألباب سامعيه من جميع الطبقات، ولقد حفظ الكثير من الناس عظاته وتعبيراته ودعاباته أثناء العظات، ورددوا تعبيراته كما هى، بل لقد تحققنا أن عددا كبيرا من إخوتنا المسلمين كانوا يتابعون عظاته أيام الأربعاء على الفضائيات عن كثب، وكانت له مقدرة على التحدث فى أى موضوع، بل لقد صرح ذات مرة أن المشكلة التى واجهته فى السنوات الأخيرة هى "عنوان العظة". قال إنه تكلم فى كل شيء وإنه يحتاج فقط إلى عنوان وحينئذ يعرف ماذا يقول تحت العنوان! هذا ويقدر عدد العظات المنسوبة له ما يزيد علي الخمسة آلاف عظة فى كل المجالات، وقد أعطى اهتماما كبيرا لكل من اجتماع الأربعاء الأسبوعى الخاص به، وكذلك مجلة الكرازة، وكان يعتبرهما نافذة أساسية يطل على الشعب من خلالهما.
العجيب أنه كان يمتلك كل هذا، ولذلك فقد نجح أيضا كأب بطريرك، ولما سألناه ذات مرة ماذا لو عادت عقارب الزمن إلى الوراء ماذا عساه كان سيختار إطارا يحيا فيه، أجاب على الفور: "مغارتى" ولكنه أضاف أنه لا يهرب من المسئولية، وأضاف أنه قد اضطر إلى الدخول فى دروب ما كان يتمنى ولوجها، ولكن فرضتها طبيعة وظيفته الكهنوتية ولم يكن من مفر، ولذلك يذكر له أيضا أنه كان يحترم كثيرا رغبة الراهب فى عدم تركه الدير للنزول الخدمة فى العالم، أو رغبته فى العودة من العالم الى الدير.
هكذا يمكن القول إن كل ميزة من مميزات البابا شنودة الثالث يمكن أن تصنع "أبا بطريركا ناجحا"؛ فهو الراهب العمال، واللاهوتى الصحيح، والواعظ المفوه، والكاتب المتمكن، حتى ليمكن أن يطلق عليه بحق "بطريرك الشعب أو الشارع" (إن جاز التعبير).
رحل البابا شنودة وكأنه لم يرحل، توارى بالجسد ولكنه ملء الأسماع والأنظار والأفكار، ترك كما هائلا من المواقف والتفاعلات والقرارات، وثار حول شخصيته الكثير من الجدل، ولكنه فى النهاية يفرض نفسه بدون قصد على الشارع القبطى.