الإثنين 03 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

الحكيم والخروف (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يستطع أن يخفي حزنه البالغ.. وفشلت كل محاولاته لإمساك دموعه.. وانهمر في وصلة من البكاء المرير وهو بين يدي الحكيم الذي قال له: ما بك أيها الخروف؟ فرفع رأسه إليه قائلاً: لم أحزن في يوم من الأيام كما حزنت الآن.. لقد كرهت اسمي.. ولدت به ولم أتدخل لاختياره.. وارتضيت به.. لكن أن يحدث ما حدث.. وأن يقال ما قيل، فهذا ما لا يمكن أن استوعبه وأقبله.
قال الحكيم هدئ من روعك، وأحك لي ماذا حدث.
الخروف: كنا في القطيع نمشي وراء راعينا يوجهنا أينما شاء، ونحن وراءه، فصعدنا إلى الجبل ووجدنا زحامًا شديدًا، ووجدت نفسي بعيدًا عن القطيع، ووجدت مبنى أعلى الجبل تحيطه مجموعة من الإنس يرتدون الملابس السوداء، ويمسكون في أيديهم الدروع والعصي، ويمنعون الناس من الدخول إلا بتصريح خاص.. وفجأة انقلبت الدنيا.. هبَّ الجميع لتأدية التحية العسكرية والنظر باتجاهي.. صدمت من المشهد.. تلفت ورائي فلم أجد أحدًا.. وتقدم نحوي شخص طويل القامة، عريض الصدر، يحمل فوق كتفه نسرًا ذهبيا.. رافعا يده إلى رأسه بالتحية قائلاً, “,”تفضل يا افندم“,”.
شرد الحكيم للحظات وعلى وجهه ابتسامة ساخرة.. فغضب الخروف وقال: أتسخر مني أنت أيضًا؟
الحكيم: على الإطلاق.. لقد تذكرت شيئًا فقط, لا عليك أكمل.
الخروف: عندما تقدمت وجدت مجموعات عديدة استشاطت غضبًا.. وجوهها مكفهرة.. وأصواتهم تدل على حالة مزاجية حادة في الغضب.. فاقتربت من أحد التجمعات، وأخذت استرق السمع لما يقال.
الحكيم: وماذا سمعت؟
الخروف: وقف أحدهم يصرخ بحرقة ولوعة شديدة.. لماذا الإصرار على تسميتنا بالخرفان؟ لماذا الخروف بالذات؟ ماذا يقصد هؤلاء الكفرة والملاحدة بذلك؟ أنا لا أفهم على الإطلاق.. أيوجد من لديه تفسير لذلك أو تبرير؟ لم يرد عليه أحد من الحضور، فاستطرد: كنا سنتفهم تمامًا لو نعتونا بالفئران.. ربما لعملنا السري تحت الأرض لما يزيد عن عدة عقود، لو أطلقوا علينا غربانًا سنتقبل أيضًا ذلك، فنحن لا نستحي أن ننقض على الغنيمة والحصول عليها بأي شكل.. ثورة كانت أم سلطة؟ شاركنا فيها أم لم نشارك.. لكن لماذا الخروف؟!.
ضحك الحكيم كثيرًا حتى دمعت عيناه.. وقال: أرجوك أيها الخروف لا تتوقف.. استمر ولا تنسى التفاصيل.
الخروف: استمرت التساؤلات بدون إجابات.. حتى وجدت الواقفين جميعهم وقد سكتوا ووقفوا ينظرون إلى شخص قادم من داخل المبنى.. على وجهه غضب الله.. ضخم الجثة له “,”لية“,” تشبه تمامًا “,”ليتي“,” وقف بجانبي وربت على ظهري وقال في صوت حاسم “,”ما لكم تغضبون من الخروف“,”؟ إن الخروف له من المميزات التي يتمنى الجميع أن تكون لديه.. ألا تعلمون أن الخروف أكثر الحيوانات أدبًا وتأدبًا؟ ألا تعلمون أن الخروف أوفى الثدييات؟ هل سمعتم من قبل أن خروفًا هاجم أحدًا أو أصابه؟ هل سمعتم أن خروفًا رفض تقديم روحه فداء لكل طفل ولد؟ هل سمعتم أن خروفًا امتنع عن التضحية به يوم الأضحى؟ ما لكم.. أشرف لكم أن يصفوكم بالخرفان.. وعار عليهم أن وصفتوهم بالحمير.. فالحمار غبي لا يفهم شيئًا.. لا عقل له.. وهو رمز الجهل وشدة الغباء، هيا انصرفوا الآن وواجهوهم ولا تخشوا في الله لومة لائم.. أنتم على حق وهم على باطل.. اذهبوا إلى نصرة الإسلام والمسلمين.
الحكيم: أكمل أرجوك.
الخروف: فور انصراف المجموعات الغاضبة ربت الرجل على ظهري، وارتسمت على وجهه علامات الارتياح قائلاً: لولاك لهلكنا.
ثم نظر إلى نافذة في المبنى يطل منها أحد الأشخاص، ويضع فوق رأسه غطاء، وقال له بصوت مرتفع: لا تقلق فضيلتك.. امتصصت غضبهم، ووجهتم بالهجوم على أعداء الإسلام ووصفهم بالحمير.
وارتسم على وجه الرجل الوقور علامات العصبية الشديدة وصاح: كيف ذلك.. ألا تعلم أن وفدًا من الحزب الجمهوري الأمريكي يصل بعد أيام.. وأننا رتبنا لاستقبالهم بشعار الحزب الذي يتصدره الحمار.. ماذا سيقول هؤلاء الفتية وقتها؟.
تحول وجه من يقف بجانبي إلى لوحة من علامات الدهشة والاستغراب، وقال: فضيلتك.. أنت أعلم مني بهم.. ولقد أكدت علينا مرارًا أنهم لا يختلفون كثيرًا عما درسته في جامعتك.. فلا عليك.. إنهم لا يفكرون إلا فيما نقول لهم.. ووقتها نخبرهم أن صورة الشعار لحصان وليست صورة حمار.
-لكن الفرق كبير بين الحصان والحمار.
-إذن نخبرهم أن هذه الصورة لحيوان نادر لا يعيش إلا فى الولايات المتحدة.. له قوة الأسد ودهاء الثعلب وسرعة الفهد وشموخ الحصان ويطلق عليه اسم “,”ساترن“,”.. ولهذا السبب أطلقوا على كوكب “,”زحل“,” اسم ساترن.. فهو حيوان يرمز للقوة وإن كان به بعض الشبه بالحصان.
ابتسم فضيلته وهزَّ رأسه بالموافقة ثم أشار إليه بالصعود.