الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

رولان لومباردى يكتب: زيارة بن سلمان لباريس.. تنويع الشراكات والتحالفات وتأكيد مكانة المملكة عالميا ورفض الوصاية الأمريكية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هذه هى الزيارة الثانية لمحمد بن سلمان فى أقل من عام إلى باريس، المحطة الأولى من رحلته إلى فرنسا ويسعى ولى عهد المملكة العربية السعودية خلال هذه الزيارة إلى تعزيز مكانته الدولية وتطويرها ومنذ زيارته السابقة لباريس فى يوليو ٢٠٢٢، أصبح محمد بن سلمان بالفعل لاعبًا رئيسيًا مرة أخرى وعلى سبيل المثال، قامت المملكة بتطبيع علاقاتها هذا العام مع إيران، تحت رعاية الصين ولا تزال تحافظ أيضًا على علاقات وثيقة وعميقة مع روسيا.
إضافة إلى كل ذلك، فقد أثبت إرادته وشجاعته فى تحرير نفسه من وصاية إدارة بايدن من خلال رفضه - منذ بداية الحرب فى أوكرانيا - الانضمام إلى جانب الولايات المتحدة وسياسة العقوبات الأمريكية والأوروبية ضد موسكو وفى نفس الوقت عمل على إعادة تأكيد وتعزيز شراكتها (نفطية واستراتيجية) مع بوتين منذ خريف عام ٢٠١٧ واتفاقيات أوبك+ روسيا الأولى.. لذلك فإن سياسة محمد بن سلمان فى تنويع الشراكات والتحالفات ناجحة حتى الآن.
فرنسا، حتى لو بدت موجهة بشكل سيئ فى الوقت الحاضر والتى تبدو سياستها الخارجية غير منتظمة هذه الأيام، فإنها تظل مع ذلك فاعلًا يمكنه (كما نأمل!) أن تعيد حساباتها مرة أخرى فى المستقبل خاصة أنها لا تزال واحدة من الدول الخمس الأعضاء فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهى قوة نووية وواحدة من أكبر ٣ دول تصدر معظم الأسلحة فى العالم كل عام.
السعودية برؤية بن سلمان 
إلى جانب التحديث المذهل للبلاد والمشاريع الكبرى التى أطلقها محمد بن سلمان، مثل مدينة نيوم المستقبلية على البحر الأحمر، قام ولى العهد أيضًا بثورة حقيقية فى البلاد منذ عام ٢٠١٥ ووصول والده إلى العرش، خاصة فيما يتعلق بالعقليات. وفى الواقع، المملكة العربية السعودية (وفقا لرؤية بن سلمان) بعد عام ٢٠١٥ لن تكون كما كانت قبل ذلك التاريخ.. اسمحوا لى أن أشرح: «كان الهدف الأول والأساسى لمحمد بن سلمان هو القتال بصراحة وبشكل ملموس ضد الإسلام السياسى للإخوان المسلمين والسلفية الجهادية والإرهاب. ومنذ ذلك الحين ومع حليفيه الإقليميين، السيسى الرئيس المصرى ومحمد بن زايد الرئيس الإماراتى، أدرك أنه لا يمكنك محاربة فكرة أو أيديولوجية إلا بفكرة أخرى.. هذا هو السبب فى أن معركته ضد الإسلام الراديكالى، مرة أخرى غير مسبوقة فى المنطقة وفى بلده.. هذا التوجه بدأ أولًا بتحسين الظروف الاجتماعية، ومحاربة الفساد وتحديث اقتصاداتهم، ثم من خلال الترويج لنوع من القومية العربية الجديدة، وإصلاحات عميقة فى أنظمتهم التعليمية وتعاليمهم الدينية، فضلًا عن رغبة حقيقية لإحداث ثورة فى العقليات.. مثال مهم آخر، قطع محمد بن سلمان، بطريقة وحشية وتاريخية، «إطعام» جميع التنظيمات السلفية المتطرفة والمريبة فى المنطقة ولكن أيضًا فى العالم من خلال عمليات التطهير داخل رابطة العالم الإسلامى.. واليوم، لا يتسامح ولى العهد إلا مع أكثر الحركات «الهادئة» مثل المداخلة.


معرض إكسبو العالمى ٢٠٣٠
تم استقبال محمد بن سلمان يوم الجمعة ١٦ يونيو فى الإليزيه وخلال غداء عمل مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، تمت مناقشة عدة قضايا: الحرب فى أوكرانيا وتداعياتها على بقية العالم، قضايا الاستقرار الإقليمى الرئيسية بما فى ذلك الجمود السياسى فى لبنان، القوة النووية الإيرانية أو التبادلات الاقتصادية والتجارية بين باريس والرياض؛ لكن فيما يتعلق بالحرب فى أوكرانيا، فإن المملكة لن تغير مسارها، وهى تعلم جيدًا أن باريس كانت مخطئة فى هذا الأمر منذ البداية. وتسيطر المملكة العربية السعودية على أسعار النفط ولن ترغب أبدًا فى قطع علاقاتها الطيبة مع موسكو. وعلاوة على ذلك، فإن المملكة العربية السعودية هى وسيط فى الصراع الأوكرانى بينما اتخذت فرنسا أخيرًا جانب كييف باتباعها بشكل مثير للشفقة مواقف واشنطن وبروكسل المناهضة لروسيا ضد مصالحها الخاصة. وقبل بضعة أشهر، كان محمد بن سلمان فى قلب المفاوضات المتعلقة بتبادل الأسرى بين الروس والأوكرانيين، وحقق نجاحا ملحوظا للمملكة العربية السعودية التى تمتلك مكانة قوية على الصعيد الدولي؛ أما بالنسبة لفرنسا، فقد أصبحت غير مسموعة تمامًا وللأسف، كما رأينا فى الحرب فى أوكرانيا، ولكن أيضًا فى مواقف لبنان وسوريا وإيران، لم تعد المواقف الفرنسية والسعودية تتقارب، فالأولى ما زالت غارقة فى سياسة مقلقة. 
أثناء إقامته فى باريس تم التخطيط لعقد عدة اجتماعات أخرى مع الزعيم السعودى، مثل ٢٢ و٢٣ يونيو، قمة ميثاق مالى عالمى جديد والتى نظمها الإليزيه.
لكن أهم ما فى الأمر، والذى كان بالتأكيد الأهم بالنسبة لمحمد بن سلمان، كان الاحتفال فى العاصمة الفرنسية، لإضفاء الطابع الرسمى على ترشيح المملكة العربية السعودية لمعرض إكسبو العالمى ٢٠٣٠ ولدى المملكة كل الفرص بفضل قوتها المالية، وكما أنه سيكون نجاحًا كبيرًا لولى العهد لأنه سيتزامن مع تاريخ الانتهاء من خطته الشهيرة، خطة «رؤية السعودية ٢٠٣٠»، وهو مشروع طموح لتطوير وتحديث البلاد وضعته الدولة المملكة العربية السعودية فى عام ٢٠١٦ وينفذه محمد بن سلمان برؤيته بهدف تنويع اقتصاد المملكة وعدم الاعتماد فقط على عائدات النفط التاريخية.

معلومات عن الكاتب: 
رولان لومباردى حاصل على درجة الدكتوراه فى التاريخ، وتتركز اهتماماته فى قضايا الجغرافيا السياسية والشرق الأوسط والعلاقات الدولية وأحدث مؤلفاته «بوتين العرب» و«هل نحن فى نهاية العالم» وكتاب «عبدالفتاح السيسى.. بونابرت مصر».. يتناول، فى افتتاحيته للعدد، زيارة الأمير محمد بن سلمان ولى عهد المملكة السعودية لفرنسا.