الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

بأسلوب العصا والجزرة.. تونس تحارب الهجرة غير الشرعية مقابل مليار يورو من الاتحاد الأوروبي.. خطة تستهدف التنمية الاقتصادية والاستثمار والتجارة وفصل الطاقة ودخول برنامج إيراسموس

ميلوني
ميلوني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

قدمت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية التي زارت تونس أول أمس الأحد، خطة تهدف إلى تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي والسلطات التونسية، بخصوص الحد من تدفق المهاجرين نحو أوروبا حيث تحتل إدارة الهجرة مكانًا كبيرا في الإتحاد الأوروبي. ولهذا توجه وفد  مؤلف من رئيسة مجلس الوزراء الإيطالي جيورجيا ميلوني ، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ، ورئيس الوزراء الهولندي مارك روت إلى العاصمة التونسية لتعزيز الشراكة مع تونس في هذا المجال.
استقبلتهم رئيسة الوزراء التونسية نجلاء بودن قبل أن يلتقيهم الرئيس قيس سعيد.  كان الهدف المعلن للاتحاد الأوروبي هو العودة باتفاق في متناول اليد ، قبل إجتماع المجلس الأوروبي المقبل والذي يعقد في 29 و 30 يونيو الجاري.
ورأى الشريك الأوروبي للوصول إلى هدفه، ضرورة توطيد العلاقات الاقتصادية، لا سيما من خلال منح مساعدة مالية شاملة لتونس ، وبالتالي قدم الاتحاد الأوروبي "تمويلًا طويل الأجل يصل إلى 900 مليون يورو ومساعدة فورية إضافية بقيمة 150 مليون يورو". كدعم وفق مسؤولي الإتحاد الأوروبي لا يستهان به لهذا البلد المخنوق مالياً وفق تعبيرهم بدين يبلع حوالي 80% من ناتجه المحلي الإجمالي فلم تعد تونس قادرةً على الاقتراض من الخارج، هذا أدى إلى نقص متكرر في بعض المنتجات الأساسية وفق سفير أوروبا في تونس.  خاصة وأن "تصنيف تونس انتقل من CCC + إلى CCC- ، وهو تخفيض أعلنته وكالة التصنيف فيتش في 9 يونيو الجاري.


الخطة الأوروبية

بشكل ملموس، تشمل الخطة الأوروبية "خمس ركائز: التنمية الاقتصادية لتونس ، والاستثمار والتجارة ، وفصل الطاقة ، والتزام تونس ضد الهجرة غير النظامية ، ودخول تونس في برنامج إيراسموس +".

لكن وراء الرهانات الاقتصادية ، يسعى الأوروبيون قبل كل شيء إلى ضمان استمرار تونس في محاربة الهجرة غير الشرعية إلى القارة القديمة. حيث انتقل عبر وسط البحر الأبيض المتوسط ​​، نحو 51215 مهاجرا صوب إيطاليا منذ بداية العام الحالي ، منهم 26 ألفا غادروا الساحل التونسي، كما لا تنسى فرنسا أن الإرهاب ضربها عن طريق مهاجرين تونسيين ارتكبوا مجزرة في مدينة نيس.
وحيث أن قضية الهجرة تكمن في صميم اهتمامات الاتحاد الأوروبي، أعلنت المفوضية هذا الاسبوع الإفراج عن 105 مليون يورو لمحاربة المهربين والمتسللين والاستثمار في مراقبة الحدود البحرية من قبل السلطات التونسية ، ولا سيما لتجهيز خفر السواحل، وعمليات الإنقاذ في البحر وإعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى أوطانهم.
قرر وجهاء السياسة الأوروبية، أن يختلف هذا النهج نوعًا ما عن اتفاقية عام 2016 المبرمة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا كي لا تتكرر الأخطاء السابقة، لأن الهدف التحكم في الوافدين إلى أوروبا، فتم التوصل الى اتفاق يوم الخميس 8 يونيو الجاري بين الدول الأعضاء، ينص على إعادة طالبي اللجوء المرفوضين إلى بلدهم الأصلي أو البقاء في بلد عبورهم.
بدأ العمل بهذا النهج تحت ضغط من إيطاليا بعدما وصل التيار الشعبوي ( اليمين المتطرف)، للحكم في إيطاليا والذي أبدى قلقه الكبير بشأن زيادة عدد المهاجرين واللاجئين الذين يدخلون أراضيها في السنوات الأخيرة حتى باتت إيطاليا بوابة المهاجرين الغير شرعيين الذين ينتقلون عبرها الى أرجاء دول أوروبا ال27، ومع ذلك فإن هذا النهج يثير  الانتقادات في عواصم أوروبا ولاسيما من قبل أحزاب اليسار المعارض والمنظمات الحقوقية. 

هل يبتز الأوروبيون سعيد؟

تعتبر بعض الأوساط الفرنسية أن تكليف بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط ​​بإدارة الهجرة يمكن أن يرقى إلى وسيلة للابتزاز السياسي عبر إسلوب العصا والجزرة، ولا سيما عندما تتوتر العلاقات مع إحدى الدول العربية أو الإسلامية كما حدث مع المغرب وتركيا بالفعل حينما تم الإتفاق مع هاتين الدولتين على إدارة ملف المهاجرين مقابل مساعدات لكن ساءت العلاقات حينما أخرج الأوروبيين ملفات شائكة بسبب عدم خضوع الدولتين لشروطهما في قضايا أخرى.
ففي المغرب حينما تمسك ملك المغرب محمد السادس بقضايا بلاده الوطنية ورفض الخضوع للإملاءات الأوروبية التي لا تصب في مصلحة شعبه، تدهورت العلاقة مع الاتحاد الأوروبي خاصة البرلمان الأوروبي بإخراج ملفات تسببت في سوء فهم كبير، وآخرها ملف التجسس بواسطة برنامج التجسس الإسرائيلي بيجاسوس، 
وتبين لاحقا تعرض مسؤولين أوروبيين سواء من المفوضية الأوروبية أو رؤساء دول وحكومات مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس حكومة إسبانيا بيدرو سانشيز، للتجسس ضمن نحو 250 ألف شخصاً في العالم تم التجسس عليهم، من بينهم الناشطة الصحراوية أميناتو حيدر. فتم اتهام المغرب بشكل خاص رغم أن دولا أوروبية أعضاء في الإتحاد كألمانيا وإسبانيا وإيطاليا تستخدم هذا البرنامج .


كما رفض الاتحاد الأوروبي عبر الممثل السامي للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، طلبا تقدمت به مجموعة التحالف الأوروبي الحر لإنشاء قسم خاص بالصحراء المغربية داخل دائرة العمل الخارجي الأوروبي (EEAS)، ورغم أن الطلب وجيه قدمته عضوة البرلمان الأوروبي الموالية للبوليساريو، آنا ميراندا، معللة بأن منطقة الصحراء الغربية "تشكل إقليما غير متمتع بالحكم الذاتي"، ما يجعل التعامل معها من اختصاص هيئة تدير العلاقات الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي مع دول خارج الاتحاد الأوروبي، رد بوريل بأن مصير القضية الصحراوية في أروقة الاتحاد الأوروبي وليس تحت طائلة المساءلة القانونية أو السياسية للاتحاد، بل هي قضية تفصل فيها الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
بيد أن هذه المواقف المتقلبة داخل الاتحاد الأوروبي لا تخدم القضية بل العكس أنها تزيد من أمد النزاع.

أما بالنسبة لتونس، فقد لعب الأوروبيون على وتر التحول الديمقراطي الذي ولد من رحم ثورة الربيع العربي في تونس، بعد سقوط الديكتاتور بن علي، فحينما حارب الرئيس التونسي قيس سعيد الإخوان في بلاده وصفت بعض الأصوات في أروقة الإتحاد الأوروبي بأن تونس أصبحت مرة أخرى في قبضة الانجراف الاستبدادي خصوصا بعدما تولى الرئيس كامل الصلاحيات في صيف 2022 ، وأمر بحل البرلمان وزيادة اعتقال المعارضين بينما في الواقع هم كانوا جميعهم الإخوان المسلمين لكنها ورقة ضغط أوروبية على الرئيس التونسي ليخضع لشروطهم، فوصفوه  بالانقلابي ، وبأنه يفكك الضمانات المؤسسية لحقوق الإنسان، ويستهدف الأصوات المعارضة الرئيسية ، الذين يتعرضون للاعتقالات "التعسفية"،  ولكن هذه المرة وعلى عكس الاتفاقات السابقة مع الاتحاد الأوروبي ، فإن "الحزمة" الجديدة المقدمة إلى تونس لم تعد تحتوي على دعم للانتقال الديمقراطي " لأن المهاجرين الغير شرعيين غزوا أوروبا وباتوا يشكلون صداعا مزمناً وحادا في رأس قادة الإتحاد كما أن السعيد يحاول تحرير بلاده من قبضة الإخوان.
أما تركيا فهي شريك مهم للاتحاد الأوروبي، لكنها شريك صعب، وحتى بعد انتهاء الانتخابات وفوز أردوغان على عكس التوقعات وآمال الأوروبيون، تبقى العديد من القضايا الخلافية قائمة بين الطرفين، أبرزها تعثر مفاوضات انضمام تركيا إلى التكتل الأوروبي حيث طالما رفض أوردغان التخلي عن الشريعة الإسلامية فلن يكون ممكنا انضمام بلاده للاتحاد. كما أن سياسة أوردغان في كل من اليونان وسوريا وليبيا تجعل
المفوضية الأوروبية تنظر اليه بانتقاد لتوجهه الاستبدادي المتزايد. لكن قادة أوروبا كانوا بحاجة إلى التوصل إلى إتفاق  مع أردوغان للحد من الهجرة الغير شرعية وكذلك المهاجرين بصفة عامة خصوصا السوريين فلما فاوضهم على الثمن الذي تجاوز 6 مليار أورو سنويا اعتبروا ذلك ابتزازا لكنهم رضخوا حينما استضاف أكثر من 7 مليون لاجيء سوري وعراقي، فتم التغاضي عن كثير من الملفات التركية المزعجة فلم يتم الالتفات إلى المخاوف الجدية بشأن تدهور الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان واستقلالية القضاء"، حسبما جاء في التقرير الأخير للاتحاد الأوروبي حول تركيا لعام 2022. وهناك تراجع مستمر في العلاقات الأوروبية التركية حيث يزداد القلق حول السياسة الاقتصادية واقتصاد السوق، لكن ورغم ذلك يرى الأوروبيون، أن تركيا تبقى شريكا استراتيجيا مهما لأوروبا في قضايا الهجرة وحماية المناخ وأمن الطاقة. كما إنها العضو في حلف الناتو يحاول قادة أوروبا أن تلعب دورا مهما في الوساطة بشأن اتفاقية الحبوب بين روسيا وأوكرانيا. ولذلك سوف نرى تغييرا إيجابيا في سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه دول الجنوب بسبب ملف الهجرة