الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"التحرش" فيلم إسلامي بامتياز!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نذكر جميعا العمل السينمائى الشهير "فيلم ثقافى" وكان يتتبع في تسلسل درامى شيق رحلة البحث عن لحظة تتحقق فيها بعض أحلام المتعة لدى مجموعة من الشباب، عثروا على فيلم إباحى، أو بالأحرى ثقافى حسب التسمية الشعبية لهذا النوع من الأفلام، لكنهم لم يجدوا مكانا آمنا يتوفر فيه جهاز فيديو وشاشة تليفزيون تمكنهم من الإمساك بلحظة النشوى والرغبة الممنوعة عليهم.
في زمن الفيلم لم تكن شبكة الإنترنت وقنوات اليوتيوب قد شاع استخدامها بعد، ومع ذلك ظلت الفيديوهات الإباحية المنتشرة على المواقع الإلكترونية تحمل نفس المسمى "فيلم ثقافى".
وهو مصطلح دقيق ربما صاغته اللغة الشعبية ليس من باب تهذيب اللفظ أو مدارته وإنما للتعبير عن نوع الثقافة الجنسية التي تشيعها مثل تلك الأفلام في المجتمع لا سيما بين الشباب المحرومين بطبيعة الحال من عملية تثقيف جادة من ناحية، ومن ممارسة الجنس بطريقة مقبولة اجتماعيا بسبب الأوضاع الاقتصادية من ناحية أخرى.
المهم هنا هو نوع المعرفة التي تسوقها تلك الأفلام حول الجنس كعملية، هى في أغلب الأحوال تنسج مشاهد أقرب للأساطير من حيث قوة الرجال الممارسين وتنوع جمال الفتيات بطلات تلك المشاهد.
والخطورة هنا مزدوجة حيث الواقع مختلف تماما ليصاب الشاب بالإحباط فتلك القوة المزعومة تجعله يعتقد في نفسه الضعف وهو ما يدفعه مباشرة إلى محاولة محاكاتها بتعاطي أقراص وأعشاب ينسج تجارها بدورهم أساطير جديدة للفتوة والفحولة، كما أن فتيات مجتمعه لسن بذلك الجمال وهو سبب آخر للإحباط ما يدفعه لاحتقارهن علاوة على ما كرسته تلك الأفلام بشأن اعتبار المرأة جسدا للاستخدام وقضاء حاجة الشهوة.
كل ذلك يدفع الشاب حتما للتعبير عن رغبته الجنسية تجاه المرأة بأحط وسائل التعبير وهى التحرش الذي يبدأ بالنظرة وينتهى بالاغتصاب، فهذه هى الطريقة التي تستحقها من وجهة نظره فهى من ناحية سلعة رخيصة وأقل من حجم تطلعاته في الجمال من ناحية أخرى.
ولو قدر لأحدهم خطبة إحداهن يبدأ باختبارها ولو قبلت أن تضم يداه يدها ولو كان واثقا من حبها وأخلاقها تصبح مثارا للشكوك وسارع في تركها.
المفردات والأدوات والصور التي يستخدمها الفيلم الإباحى "الفيلم الثقافى" تكاد تكون قواسم مشتركة مع ما أنتجه الخطاب الإسلامى النابع في الأساس من تيارات الإسلام السياسى وحركات الدعوة السلفية بشأن النظرة إلى المرأة، إلى حد يمكن معه اعتبار مصطلح "فيلم ثقافى" مرادفا ومساويا لـ"فيلم إسلامى"، ولا عجب فقد بلور ذلك الخطاب ما يعرف بالإرهاب الإسلامى، وظنى أن مناقشة ظاهرة التحرش في مجتمعنا لن تفضى إلى معالجة واقعية طالما تحرجنا في نقد وتفنيد هذا الخطاب الذي أبدعه مجموعة من المهوسين جنسيا.
واللافت حقا أن معظم الموروث من الفقه والتفسيرات البشرية للإسلام يكاد يطابق ما يردده "أشياخ" وأدعياء الإسلاميين، فكلاهما حريص على ترويج أكذوبة أن الرسول تزوج السيدة عائشة ودخل بها وهى في سن التاسعة ليبرروا هوسهم بالرغبة تجاه الأطفال، كما أنهم يجمعون على أن المرأة في حد ذاتها فتنة وأن أنوثتها مهلكة للرجل لا محال لذلك كرس هذا الخطاب وضع المرأة دائما في محل الاتهام إذا ما تعرضت إلى التحرش أو الاغتصاب، وهذا ما يفسر إلقاء اللوم على فتاة جامعة القاهرة وقبلها فتاة ميدان التحرير في أحداث مجلس الوزراء 2 وكلنا يذكر كيف أهان الإسلاميون تلك الفتاة واتهموها بالمجون والخلاعة، بل إن هذا الخطاب يستحل نساء الأديان الأخرى، لذلك لا تعتبر الذهنية العامة التحرش بأجنبية أو معاشرتها في غير إطار الزواج بنفس درجة حرمانية اغتصاب مسلمة وفي ذلك صيغت أمثال شعبية كثيرة.
لا محل لإعراب المرأة في جملة حياتهم إلا الشهوة والمتعة، فهي ليست سوى مكان لقضاء حاجة الشهوة، انظر عزيزي القارئ كيف يجرى الحديث عن المرأة في المترو إذا صاحت إحداهن مستغيثة من انحطاط أحد المتحرشين يسارع الجميع إلى لومها واتهامها في شرفها وأنها من تعمدت ركوب العربة المشتركة بحثا عن متحرش، وما إن تنتهى المشكلة بمغادرة المرأة حتى يبدأ بعض الرجال بسب ولعن نسائهن وأنهن سبب الفساد والإفساد طردن آدم من جنة الخلد وهكذا يفعلن مع أحفاده الذكور.
امتد ذلك التأثير المتراكم لهذا الخطاب المنحط للمرأة أيضا، فهى الأخرى لم تعد تميز الخيط الأبيض الفاصل بين اعتزازها بأنوثتها وإحساسها بالثقة في جمالها وفتنتها وبين تعاملها مع ذاتها كونها مجرد جسدا تغرى تفاصيله الرجال.
هنا تقع المرأة في شرك اعتقادها أن كل ما تملكه هو مفاتن ذلك الجسد، ومن ثم عليها أن تحسن استثماره دون أن تدرك أن تلك المفاتن تمتلكها آخريات وليس من قيمة مضافة لها إلا ما تملكه من سمات شخصية وعقل حكيم ووجدان دافئ وروح أنثى وثابة تفيض بالحنان على كل من حولها، وأن الرجل إذا التقط تلك المعانى والصفات جعلت مفاتنها شيئا مختلفا.
ولأن بعض النساء يقعن في ذلك الشرك هجرهن أزواجهن ولجأوا للخيانة والتحرش بأخريات ولو كن أقل جمالا.
نساء ورجال الطبقة الوسطى ممن يتعرضن في أغلب الأحيان لذلك الخطاب الشهوانى وتأثيره لا يفرق بين غنى أو فقير في إطار هذه الطبقة والحديث هنا ليس معنيا ببعض الطبقات العشوائية الأكثر تحللا من القيم المجتمعية، فحسب ملاحظات ومشاهدات متواضعة لبعض تلك المجتمعات المنتشرة على أطراف القاهرة الكبرى، رصدت شيوع العلاقات الجنسية دون ضابط أو رابط وبالمناسبة دون مقابل مادى وإن وجد فهو زهيد وغالبا ما يلعب الزوج أو الأب أو الأم أو الأخت الكبرى دور القواد، ولهذا الانحلال أسباب أخرى غير الخطاب الديني بل إن العلاقة بين الرجل والمرأة في مثل تلك المجتمعات بها قدر من الندية.
على أية حال المتورطون في ظاهرة التحرش الجنسى من الطبقة الوسطى في أغلب الأحيان، هم من يعانون الكبت الجنسى وانعدام حرية التعبير المهذب واللبق عن رغبتهم ولا يمكن اعتبار شيوع بعض الألفاظ الإباحية في المفردات اليومية أو حتى حرية الفتاة أو الشاب في بناء علاقة طبيعية نوعا من حلحلة تابوه الجنس والتخلص من الكبت، فلو صحت تلك التعبيرات لما أصبح التحرش ظاهرة مؤلمة للجميع.
فالمكبوت فقط هو من يمارس التحرش ويرتكب جريمة الاغتصاب، وظنى أن المجتمع بحاجة إلى أن نعيد تعريف المرأة والرجل ككيان متكامل من عقل وروح ووجدان وجسد حتى يستطيع كلاهما أن يقدم نفسه للمجتمع ويعبر عن ذاته ليس بوصفها شيئيين مفصليين عقل ووجدان في صورة وجسد وشهوة في صورة أخرى، حينها فقط سيدرك الرجل أن احترام ذكورته تعنى احترام أنوثة المرأة وأنه لا يجوز له الاعتداد بنوعه كذكر إلا إذا دخل في علاقة تعي الأنوثة بكل جوانبها، وكذلك المرأة تحترم أنوثتها عندما تقدم نفسها كعقل ووجدان ومفاتن كل يزين الآخر ويتوجه.