الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

عبد المنعم سعيد يكتب: الإخوان والتنمية فى مصر (2).. تاريخ الجماعة يخلو من المشروعات الوطنية أو الإنسانية للبناء والتعمير ويعاديها

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم يكن تاريخ الإخوان المسلمين فى مصر، وفى العالم فى الحقيقة، خاليا فقط من المشروعات الوطنية أو الإنسانية للبناء والتعمير، وإنما كان دائما مضادا لهذه المشروعات، ليس فقط عندما تطرح أو يجرى التفكير فيها، وإنما حتى بعد أن تصير أمرا واقعا جرى تنفيذه ويمكن مشاهدته.
وبعد خروج الإخوان من مصر، والقضاء على أفرعهم الإرهابية، لم يعد باقيا أمام الآلة السياسية الإخوانية إلا أجهزة إعلام نشطة ما بين صحف ومحطات تليفزيونية موزعة على عواصم عدة، ومواقع إلكترونية تدفع بالأخبار الكاذبة والتحليلات الوقحة على مدار الساعة.
وبعد عقد من زمان انهيار التواجد الإخوانى فى مصر، فإن ما حدث من تنمية وبناء وتعمير انعكست فى نمو الناتج المحلى الإجمالي، وفى تغيير الخريطة المصرية، فإن الإخوان لم يوجد لديهم أبدا نظرة كلية لما حدث.
ما جرى فعليا بالقول والنشر هو تناول كل مشروع من المشروعات الكثيرة على حدة بحيث تدور دائرة النقد عما إذا كان هذا المشروع له أولوية أم لا؛ وعند هذه الحجة يطرح معها مقولة «فقه الأولويات» الذى ينوه إلى أن المشروع المشار إليه لم يكن فى قمة الاحتياجات المصرية، وأن هناك ما هو أولى بالرعاية.
لم يحدث أبدا أن طرح الإخوان ما هى أولوياتهم على وجه الدقة. فإذا ما كانت عملية بناء البنية الأساسية صاحبة الواجهة فى عملية التنمية المصرية، فإن التساؤل الإخوانى سوف يكون دائما وأين التعليم والصحة؛ ولما وضح أن عملية بناء المدارس والجامعات الجديدة على قدم وساق، بات الحديث عمن سوف يستخدم هذه المدارس وتلك الجامعات.
وعندما عبرت مصر «جائحة الكورونا» بسلامة الله رافعة أعلامها فوق الكثير من الدول التى يقيم فيها الإخوان؛ فإنهم تجاهلوا الموضوع أو شككوا فى الإنجازات المصرية التى راجعتها منظمة الصحة العالمية. 
 


كان مشروع قناة السويس هو أول المشروعات العملاقة المصرية الجديدة بعد عهد الثورات الذى انتهى بسيطرة الإخوان المسلمين على الحكم فى مصر. وقتها ادعى الإخوان أنه كان لديهم مشروع لتنمية «محور قناة السويس"؛ وأن ذلك هو التنمية بعينها، وما عدا ذلك من إنشاء قناة جديدة هو إضاعة للوقت والمال دون عائد.
الحقيقة هى أنه كان لدى الحكومة المصرية فى عهد الرئيس مبارك مشروع متكامل لتنمية محور القناة تعود مناقشاته ومحاوراته إلى عام ١٩٩٦، وجرى عرضه آنذاك على القمة الاقتصادية للشرق الأوسط التى انعقدت فى القاهرة فى ذلك. ولكن الإخوان لم ينته حديثهم بخطوة واحدة نحو المضى قدما فى هذا المشروع.
وما حدث فعليا فى العهد الجديد المصرى بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ هو أن المشروع لم يوضع موضع التنفيذ فقط، وإنما أضيفت له «القناة الجديدة» لتعزيز قدرات القناة التنافسية إزاء البدائل المطروحة فى إسرائيل (خط سكة حديد إيلات- أشدود) وروسيا (الممر البحرى فى القطب الشمالى الناجم عن الاحتباس الحراري). وأكثر من ذلك ربط محور القناة التنموى بخطط التنمية الشاملة فى القطر المصرى كله. وتغير الحال فى مصر خلال سنوات قليلة (٢٠١٤ إلى ٢٠٢٣)، فقبل خمسة عقود لم تكن المساحة المأهولة بالسكان فى مصر تتعدى ٣٪ وكان معظمها يتركز فى وادى النيل الضيق. لكن التحضر لا يعنى الوجود الحى أو السكانى فحسب، بل يعنى القدرة على تكوين الثروة أينما كانت على أرض مصر.
ولحسن الحظ، خلال نفس الفترة التى تلت ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، بدأت حركة واسعة فى الانتقال من النهر إلى البحر حيث بدأت الحركة السكانية تتلامس مع البحر الأبيض والبحر الأحمر وخليج السويس والعقبة والمناطق المجاورة الكثيفة لقناة السويس.
ومن المؤكد أن نمو البنية التحتية المصرية منذ بداية القرن الحالي، خاصة من خلال الطرق والأنفاق والمطارات والموانئ ومحطات الطاقة، قد خلق مساحات واسعة لإعادة الإعمار واستخراج الثروة.
والحقيقة أن تعبير «الانتقال من النهر إلى البحر» بالنسبة للتنمية فى مصر هو قراءة لواقع ينمو أمام أعين المصريين، وأعين الإخوان أيضا. كان ذلك تغييرا ثوريا فى الجغرافيا والتاريخ المصريين ربما حان الوقت للتفكير فى النتائج التى ستنجم عنها والمتطلبات التى تستدعيها.
القضية ببساطة هى أن الأمر برمته جديد على مصر، حيث أنشأت الدولة النهرية الأولى فى العالم مدرسة فكرية عالمية تعتمد على تأثيرات النهر على المجتمع والأمة والدولة. بطريقة ما، استند تطور مصر خلال القرنين الماضيين حول النهر، وتنظيم تدفقه، وتعظيم العائد منه من خلال مشروعات نيلية مثل القناطر والخزانات والسد العالي. وبالفعل، دارت فكرة تطوير الوادى الجديد فى الصحراء الغربية حول مدى تسرب المياه من النهر بين رمال الصحراء.
الآن بدأت التغييرات الجغرافية فى الظهور فى مصر، والتى لم يعد من الممكن تجاهلها لأنها تحدث ببساطة على الأرض وفى الواقع. والحقيقة أنه لا يوجد بين مشروع محور قناة السويس (الفرع الجديد والأنفاق التى تربط الوادى وسيناء تحت القناة ومشروع تنمية سيناء نفسه) إلا الاندفاع نحو الشرق باتجاه البحر الأحمر وتوابعه.
فى هذا الاتجاه نحو البحر سنجد اكتشافات نفطية فى البحر الأبيض المتوسط وحتى ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية واليونان وقبرص. كل ذلك يقول إن الطرق فتحت لأعداد كبيرة من المصريين فى الوادى والدلتا حتى تلامس أقدامهم مياه البحر.
نتيجة ذلك كله كانت الزيادة الفعلية فى المعمور المصرى إلى ١٥٪ من المساحة الكلية لمصر، أى ضعف ما كان عليه قبل عقد واحد، والأهم من ذلك أن القصة المصرية لم تتوقف بعد، فلا يزال التوجه باقيا مع إنشاء شبكات من القطارات السريعة التى تربط البحرين الأبيض بالأحمر، وربط كلاهما بشبه جزيرة سيناء التى تجرى فيها، بعد القضاء على الإرهاب، أكبر عملية تنموية طموحة تعبر جسورا للتنمية جارية على الجانب الآخر من خليج العقبة.
مثل هذه التنمية الطموحة والشاملة، لم يجد فيها كتاب الإخوان منطقا ولا هدفا ولا عائد على الشعب المصري. ما فعلوه كان الهجوم على كل مشروع على حدة كما لم يكن له رابطة مع المشروعات الأخرى. قام منطقهم على ما يحدث فى مصر هو أنه لا يوجد منطق وخطة لكل ما يجري، وأنه فى جوهره إما «أفيالا» بيضاء لا عائد منها، أو أنها لا تعود على المواطن المصرى بعائد مباشر، فلا كانت الكهرباء والغاز والطرق والمدن الجديدة والجامعات، وحل أزمات الإسكان والغذاء والعشوائيات المزمنة فى مصر مما له فائدة ولا عائد، ولا كان ارتفاع العمر المتوقع عند الميلاد للمصريين بإشارة إلى طفرة فى حالتهم الصحية والغذائية.
وكان أكثر ما تلقى الهجمات الإخوانية هو بناء المدن الجديدة فى مصر، العامرة بالحدائق والمتاحف والجامعات ومراكز البحث المتقدمة، هى المرتكز الأساسى لعمليات الهجوم المستمرة، وحصلت العاصمة الإدارية الجديدة على نصيب الأسد من الهجوم الإعلامي، والأخبار الزائفة، والتشهير الدولي. ولكن هذا الموضوع يستحق مقالا آخر حول السلوكيات والأقوال الإخوانية تجاه التنمية فى مصر.