الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

صلاح عبد الصبور| أحلام الفارس القديم.. رؤية متجددة

الشاعر الراحل صلاح
الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عشق ابن مدينة الزقازيق الشاعر والكاتب المسرحي الراحل صلاح عبد الصبور، "3 مايو 1931 – 14 أغسطس 1981" الشعر منذ الصغر، فكتبه في سن مبكرة، أثناء دراسته بالمرحلة الثانوية، ونشرت قصائده في مجلة الثقافة القاهرية والآداب البيروتية آنذاك، فاهتم بالفلسفة والتاريخ وقرأ أيضا في علم النفس، والاجتماع، والأنثروبولوجيا، وغيرها من العلوم.


صلاح عبد الصبور مرحلة إبداعية متجددة 

جمع صلاح عبد الصبور ما بين اطلاعه ونهمه على الآداب الغربية، والشعر الغربي، وعلى إلمامه الكبير والدقيق بالتراث العربي، هذا بالإضافة إلى دوره البارز في الدراما، فكل من سبقه من كبار الشعراء بداية من أمير الشعراء أحمد شوقي، وعزيز أباظة، وعبدالرحمن الشرقاوي، وغيرهم كانت مرحلة مليئة بالإبداع، وجاء بعدهم عبدالصبور كمرحلة إبداعية متجددة.


لم يُغلّب الشعر على الدراما، بل كانت الدراما جانبا إلى جنب مع الشعر، فجاء ليُغير الاتجاه الشعري والرؤية، واعتمد على رموز صوفية التي تتحدث عن الوجود والعالم الآخر، فهذه الرموز الصوفية لم تكن مطروحة إلا من خلاله.

صلاح عبد الصبور

أحلام الفارس القديم
يقول الشاعر صلاح عبدالصبور في قصيدته "أحلام الفارس القديم": 
ماذا جرى للفارس الهمام؟/ انخلع القلبُ، وولَّى هاربًا بلا زِمام/ وانكسرت قوادمُ الأحلام/ يا من يدلُّ خطوتي على طريقِ الدمعةِ البريئة! يا من يدلُّ خطوتي على طريقِ الضحكةِ البريئة! لكَ السلام/ لكَ السلام/ أعطيكَ ما أعطتني الدنيا من التجريب والمهارة/ لقاءَ يومٍ واحدٍ من البكارة/ لا، ليس غيرَ أنتِ من يُعيدُني للفارسِ القديم..
ويُشير الناقد الأدبي الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة، إلى الشاعر الراحل صلاح عبدالصبور، أنه أسهم إسهاما إبداعيا وثقافيا كبيرا، سواء في دواوينه الشعرية، أو فى مسرحه الشعري، أو فى مقالاته، واتصل شعره بدوره الكبير فى تأسيس جماليات حركة شعرية كبيرة وجديدة، فقد ارتبط مسرحه الشعري أيضا بنقلة مهمة فى المسرح الشعري العربي، تجاوزت الإسهامات السابقة التى ارتبطت بأسماء الرواد الأوائل، الذي من بينهم: أمير الشعراء أحمد شوقي، وعزيز أباظة، وغيرهما.
ومن القيم الإبداعية المهمة فى مسرح عبدالصبور الشعري، وفى شعره، ما يرتبط باحتفائه بقيمة "الحوارية" التى حرص خلالها على أن يتضمن إبداعه، فيما يتضمن، حضورا حقيقيا لأصوات أخرى غير صوته، أو ينطوي صوته هو نفسه على تساؤلات وتأملات تسمح بحضور مشترك، متحاور، بين الذات والآخرين، ويمكن أن نلحظه بوضوح، في مسرحياته الشعرية، ومنها: "مأساة الحلاج"، و"الأميرة تنتظر"، و"مسافر ليل"، و"ليلى والمجنون"، و"بعد أن يموت الملك"، بل يمكن حتى أن نلحظ هذا فى بعض قصائد دواوينه الشعرية الخالصة، موضحا أن "عبدالصبور" انطلق في مسرحياته من تساؤلات أساسية: حول مدى تحرر المسرح الشعرى العربى من تقاليد الشعر العربي الذي ظل في أغلبه، خلال عصور طويلة، شعرا غنائيا أحادي الصوت.

فى مراسم تسليم أوراق اعتماده للحكومة الهندية  كدبلوماسى مصرى، وزيرا مفوضا، في الهند.


أولاد الفقراء

قدمت فرقة رائد المسرح العربي يوسف وهبي المسرحية، عرضا مسرحيا بعنوان: "أولاد الفقراء" في مدينة الزقازيق، هذه الصورة المسرحية الوحيدة التي شاهدها "عبدالصبور" قبل الانتقال إلى القاهرة، لكن كانت معرفته بالمسرح من خلال القراءة بداية من مسرح أحمد شوقي الشعري، والمسرح الأوروبي الذي يدين له في الأساس، مثلما فعل قبل سابق توفيق الحكيم في أعماله الشهيرة وهي: "شهر زاد، وأهل الكهف"، فهي عبارة عن تأثر كبير بالحكيم أثناء فترة إقامته بفرنسا وخاصة بمسرح "برانديلوا" و"الطليعي" آنذاك.
بدأ عبدالصبور تجربته الأولى في كتابته للمسرح، فكتب مشهدين، وعقب الانتهاء منهما سرعان ما اتجه إلى المترجم محمد فريد أبوحديد بصفته أحد رواد ترجمة المسرح الأوروبي، لكونه واحدا من القراء المهمين بالشعر والكاتب المسرحي الإنجليزي وليم شكسبير ليقرأ له ما كتبه، فاستطاع أن يخلق شخصية مثقف حائر ما بين الفكر والفعل في كتابته أي شخصية هاملتيه تماما، محاولا الكتابة مرة أخرى بمسرحية عن "الزير سالم"، و"مأساة الحلاج" التي كانت أول مسرحية تكتمل أركانها الأدبية وانتهى من كتابتها عام 1964م، وهي ما يطلق عليها مسرحيات الاستشهاد، حققت نجاحا كبيرا جماهيريا ونقديا سواء مادة أدبية أو على خشبة المسرح، التي ترجمت بعد ذلك إلى أربع لغات أجنبية.
يتناول مسرح "عبدالصبور" قضايا سياسة واجتماعية محلية خالصة، ومع ذلك يقدمها بأساليب وصياغات أقرب إلى الطابع الغربي المعاصر منها إلى أي شيء آخر، فقد تعامل مع الكلمة في مسرحياته كأنها كائن حي وشخصية أساسية من شخوص المسرحيات، ويؤكد الشاعر ضرورة الاهتمام بالأدب والمسرح بالإنسان والمجتمع والواقع، كما يرى أن التجربة الشعرية والصوفية تتبعان من أصل واحد، حيث يُعد واحدا من الشعراء العرب القلائل الذين أضافوا مساهمة بارزة في التأليف المسرحي، وفي التنظير للشعر الحر.

مسافر ليل
إحدى روائع صلاح عبدالصبور المسرحية، وهي من الأعمال التي تنتمي لمسرح العبث، حيث قدمت هذه المسرحية وشارك في بطولتها الفنان رشوان سعيد في دور "الراوي"، والفنان صبري عبد المنعم في دور "الكمساري"، والفنان محمود مسعود في دور "الراكب"، إخراج مسرحي فاروق زكي، وإخراج تليفزيوني منير التوني، بينما أعيد تقديمها في 15 نوفمبر 2017 بساحة الهناجر، للمخرج محمود فؤاد صدقي، شارك في بطولة العمل علاء قوقة في دور "مفتش التذاكر"، وصفوت الغندور في دور "الراوي"، ومصطفى حمزة في دور "المسافر"، في حين تؤكد الفنانة معتزة صلاح عبدالصبور، أن هذه المسرحية قدمت في دولة بولندا داخل عربة قطار حقيقية تحرك خلالها القطار في رحلته التي استغرقت ساعة وهي المدة الزمنية للعرض.
تعد "مسافر ليل" من أهم النصوص التي تناولت موضوع معاناة الكثير من الشعوب من بداية التاريخ حتى الآن من أساليب الطغاة المختلفة لتكريس الحكم وضمان السيطرة على مقدرات الدول، حيث طرح الفكرة من خلال كوميديا سوداء تدور داخل قطار في وقت منتصف الليل، جمعت بين شخصية الطاغية متمثلة في عامل التذاكر، وشخصية الراكب التي ترمز إلى الشعوب المغلوبة على أمرها، ثم شخصية الراوي المحايد الذي يكتفي فقط بالوصف والتحليل للحدث الدرامي أمامه، هكذا أشار الناقد المسرحي أحمد محمد الشريف في دراسة بعنوان "سيكولوجية القهر والطغيان.. البعد النفسي للشخصيات في مسرحية مسافر ليل"، والتي نشرت في مجلة "فنون" الأردنية.
ويشير "الشريف" إلى الأبعاد النفسية لشخصية "عامل التذاكر" التي تنحصر في تقييد حرية الراكب والتحكم بها، والتعامل مع الراكب على أنه أداة يحركها مثلما يشاء، فنجد أن "عامل التذاكر" يشعر بالسعادة عند التعدي على حرية الآخرين، فلا يشعر بمعاناة "الراكب"، حتى يصل العامل لاستخدام العنف الجسدي في النهاية بقتل "الراكب"، ولكنه يتلذذ باستخدام العنف النفسي، حيث يخيره أسلوب قتله بين أربع آلات، فالعامل هنا استخدم العنف المشروع حسب رأيه ضد "الراكب" من أجل سطوته عليه، مستخدما كل أنواع الخداع والتدليس للوصوله إلى هدفه، بينما يخضع "الراكب" ويخنع لـ"عامل التذاكر" منذ البداية ولم يصدر أي مقاومة أو اعتراض، كما يؤكد "الراكب" على استسلامه لفكرة العبودية وأن شخصيته هي شخصية ضعيفة مذعنة دايما بكل الطرق والوسائل هو وأسرته. 
وفي النهاية يمكن القول: إن صلاح عبدالصبور قد استطاع الغور في أعماق شخصية كل من العامل والراكب بشكب عبثي موضحا الأبعاد الفكرية والنفسية لكل منهما بأسلوب المحاكاة العبثية بين الديكتاتور أو الحاكم الطاغية الغاشم، الذي يعمد من خلال اضطرابه النفسي إلى التنكيل بالراكب المقهور وإذلاله، وهو ما يرمز إلى التوحش السلطوي في مقابل تدمير الإنسانية أمام حركة المجتمع والتاريخ.

جانب من عرض مسافر ليل

مأساة الحلاج
أشهر أعمال صلاح عبد الصبور للمسرح الشعري، وأخرجها المخرج المسرحي سمير العصفوري، وهي من الأعمال التي عرفها العالم العربي، والأوروبي، تناول خلالها شخصية الحسين بن منصور الحلاج المتصوف، الذي عاش في منتصف القرن الثالث للهجرة، ويتكون هذا العمل من فصلين الأول بعنوان "الكلمة"، والثاني بعنوان "الموت"، وهي ذات بعد سياسي تدرس العلاقة بين السلطة المتحالفة مع رجال الدين، وبين المعارضة الملتصقة بالشعب، متطرقًا إلى محنة العقل المتحجر أمام النص، والذي أدرجته النقاد ضمن مدرسة المسرح الذهني، ورغم ذلك لم يسقط المؤلف منها الجانب الشعري، فجاءت المسرحية مزدانة بصور شعرية ثرية بالموسيقى.

مأساة الحلاج


جيهان السادات وواجب العزاء
عندما توفي الشاعر صلاح عبدالصبور، حضرت السيدة الراحلة جيهان السادات لتقديم واجب العزاء، إذ فوجئت أسرته بحضورها فقالت نجلته الفنانة معتزة صلاح عبدالصبور، إنه في ثانى أيام وفاته جاءت هذه السيدة الجميلة، وكانت آنذاك سيدة مصر الأولى، لتعزى زوجته وبناته وأسرته، وبصحبتها السيدة سوزان مبارك حرم نائب رئيس الجمهورية آنذاك، فجلست السيدة جيهان السادات فى غرفة مكتبه منفردة مع زوجة الشاعر الإعلامية سميحة غالب ومع ابنتيه، ولأنى كنت أصغر من أن أعي أى معاني أو أهمية  أخرى لتلك الزيارة، فكان تساؤلى من هذه السيدة الجميلة الحنونة التى انحنت فعليا وقبلت يداي الاثنين ولمحت فى عينها دمعة حقيقية على فقدان والدي، وسيظل حوارها الخاص مع والدتى خاصا، بالرغم من كل المراسم الرسمية لزيارة عزائها، أصرت أن تتحول هذه الزيارة إلى زيارة حميمية  دافئة ولم تجلس مع كل من جاءوا يومها من المثقفين والفنانين، لأنهم علموا أن سيدة مصر الأولى قادمة، فكانت سيدة ذكية، تعى الأصول وتفهم قدر الناس، وأصرت أن تنفرد بزوجته وابنتيه فقط، رحم الله الجميلة قلبا وقالبا السيدة جيهان السادات، بعيدا عن أى سياسة، فما زالت اتذكر دمعتها الصادقة وأمساكها بيدي الاثنتين وتقبيلهما بصدق وعفوية أم. يظل عبدالصبور حيا بأعماله الإبداعية الخالدة العالقة في أذهان الجميع رغم رحيله.

جيهان السادات