رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

بعد تسمم المئات بسببه| تفاصيل أزمة «مزاج الغلابة».. «البوظة» المشروب الرسمي للفراعنة.. حكاية أقدم مصنع لـ«الجعة» بأبيدوس.. والحكم الشرعي لشاربها

ستاندر - تقارير
ستاندر - تقارير
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تسبب المشروب الشعبي الذي يُعرف باسم "البوظة" ويطلق عليه أيضًا "مزاج الغلابة"، في أزمة كبيرة وجدل واسع بعدما تناوله عدد كبير من الأشخاص مما نتج عنه تسمم المئات بمحافظة قنا جنوبي مصر، وعلى إثره استدعى تدخل السلطات.

وتبين بعد الفحص من قِبل وزارة الصحة، أن التسمم لم يحدث بسبب مشكلة في تحضير "البوظة"، لكن كان السبب طريقة حفظها، ويشار إلى أن هذا المشروب "ليس مُسكرا"؛ لأنه لم يخضع لعملية التخمير، وذلك على حد قول مسؤول في وزارة الصحة.
 

مشروب البوظة

- تفاصيل الأزمة

كانت النيابة العامة أعلنت حبس بائع بوظة متجول 4 أيام على ذمة التحقيقات، لبيعه وتداوله مشروبات فاسدة في أماكن غير مستوفية لاشتراطات النظافة الصحية، وقبل الحصول على شهادة صحية من الجهة المختصة.

وجاء في تقرير النيابة أن: هذا البائع تسبب في إصابة 382 شخصا بالتسمم بمحافظة قنا بعد تناولهم مشروب "البوظة" الذي أعده، فضلا عن ممارسته مهنة من دون الحصول على ترخيص من السلطة المختصة.
وقررت النيابة ندب مفتش الأغذية لأخذ عينة من المشروبات لتحليلها، وبيان مدى صلاحيتها للاستهلاك الآدمي.
وتلقت النيابة العامة إخطارًا من مركز شرطة أبو تشت بتوافد أعداد من المصابين إلى مستشفى أبو تشت المركزي، وبدت عليهم أعراض التسمم إثر تناولهم مشروبا اشتروه من أحد الباعة الجائلين.
انتقل فريق من أعضاء النيابة لسؤال المصابين بثلاثة مستشفيات، فتبين إصاباتهم بالإعياء وآلام البطن والقيء وعدم الاتزان.
سألت النيابة العامة 11 مصابا وبعضا من ذويهم والفريق الطبي المعالج لهم، واجتمعت رواياتهم بشعورهم بالإعياء الشديد عقب تناولهم مشروب "البوظة" مصدره أحد الباعة الجائلين.
وبسؤال الفريق الطبي المعالج تبين اتخاذ الإجراءات الطبية اللازمة نحو المصابين، وأن غالبيتهم خرجوا بعد تحسن حالاتهم.
وتمكنت الشرطة من ضبط البائع المتهم وبحوزته 4 براميل بداخلها المشروب الذي باعه للمصابين.
وأنكر البائع جميع التهم، وأوضح أنه اعتاد بيع مشروب "البوظة" منذ 30 عاما دون حدوث وقائع مشابهة، وجار استكمال التحقيق معه.

 

- تطورات الحالة الصحية للمصابين

من جانب آخر، قال وكيل وزارة الصحة في قنا راجي تواضروس، إن حالات المصابين جميعا تحسنت، وآخر حالتين كانتا بالمستشفى خرجتا صباح أمس الأحد، ولم يسفر الحادث عن أي وفيات.

وتابع وكيل وزارة الصحة أن: «مشروب البوظة منتشر في قنا لا سيما في الأسواق الشعبية، يوم الجمعة على وجه الخصوص، وسعر المشروب رخيص قد لا يتعدى جنيها واحدا، مما يجعل عليه إقبالا كبيرا خاصة من الفقراء.
وأضاف وكيل وزارة الصحة، أن البوظة تتم صناعة البوظة بشكل أساس من الدقيق والخميرة والحليب وتقدم باردة، والبوظة مشروب شعبي متأصل في منازل الصعيد، وتتكون من الخبز المخمر المضاف له السكر".
وأشار إلى أنه على الرغم من اشتهارها بأنها مشروب "مزاج" فالبوظة ليست مُسكرة وليست مضرة صحيا بطبيعتها، وما حدث من تسمم وارد أنه حدث بسبب سوء طريقة الحفظ ففسد المشروب.
وأكد أنه تم أخذ العينات لتحليلها في معامل وزارة الصحة وبيان سبب التسمم على وجه التحديد.

- تعريف «البوظة» ومكوناتها 

تعتبر البوظة من الأغذية الحلوة والمجمدّة وهي مشهورة ومحببة لدى الكثيرين، حيث تتكون البوظة عادةً من مشتقات الألبان وخاصةً الحليب المخلوط بالسكر والماء، أيضًا تتم صناعة البوظة في بعض البلدان بإضافة الزيوت النباتية مثل زيت النخيل وزيت بذور اللفت وزيت جوز الهند عوضًا عن الدهون الحيوانية لتكون صحية أكثر، وللبوظة نكهات عديدة مثل الشوكولاتة والفانيلا والتوت والفراولة والفستق واللوز، كما أنَّ أحد أنواع البوظة المشهورة يُسمى نيابوليتان وهي عبارة عن بوظة بطبقات ونكهات متعددة.

وفي هذا التقرير تستعرض جريدة «البوابة نيوز» تاريخ صناعة البوظة وبعض أنواعها المشهورة، وكذلك أقدم مصنع لـ«الجعة» في عصر الفراعنة والرأي الشرعي في شربها، وذلك خلال السطور التالية:

 - تاريخ صناعة البوظة 

يرجع تاريخ صناعة البوظة إلى الشرق وبالتحديد في دولة الصين، ومن هناك نقلها الرحّالة والتاجر الإيطالي ماركو بولو لأوروبا، وقد قام الطهاة الإيطاليون بتطوير وصفة الفواكه المجمدة حيث أضافوا الحليب والماء لها، وبعد زواج أميرة فلورنسا كاترين ذي ميديسي من الملك هنري الثاني انتقلت صناعة البوظة إلى فرنسا، على يد أحد الطهاة الإيطاليين والذي يُدعى بونتالنتي والذي أخذته الأميرة معها لفرنسا، وفي عام 1670 ميلادي تمََّ أول افتتاح مقهى يبيع البوظة في باريس، ليزدهر بعدها تاريخ صناعة البوظة حيث أصبح في باريس ما يقارب 250 محلًا لبيع البوظة بعد ستة سنوات منذ مجيء الأميرة، ثم قام طاهٍ آخر يُدعى تورتوني بتطوير صناعة البوظة في أواخر القرن الثامن عشر، فيما بعد وصلت هذه الصناعة للولايات المتحدة الأمريكية، وقد اشتهرت كثيرًا لدرجة أنَّ بعض رؤساء أمريكا قدموها لضيوفهم مثل جورج واشنطن وتوماس جيفرسون، وقد تركزت صناعة البوظة في فيلادلفيا حيث تمَّ اختراع الصودا والتي دخلت في صناعة البوظة عام 1874 ميلادي، وتمَّ ابتكار البوظة بالبسكويت على شكل مخروط في عام 1904 ميلادي.


- مشروب فرعوني 

عرفت صناعة البوظة منذ العصر الحجري الحديث، واستمرت طوال العصور المصرية القديمة، وكانت مصدرًا مهمًا للسكريات والنشويات والأحماض الدهنية المهمة والأحماض الأمينية والفيتامينات والمعادن، ويعد مشروب “البوظة” في الأساس مشروب فرعوني، ويشرب عادة لمقاومة الحر في الصيف".

 

- طريقة تحضير البوظة في العصر الفرعوني

 

ومنذ حكم الأسرة الخامسة التي حكمت ما يقرب من 150 عامًا، عُرفت البوظة حينها باسم «حنقت»، وكانت تتكون من عناصر مختلفة مثل: الشعير، والحنطة، والبلح، وأحيانًا من القمح، وكانت تدق الحبوب فى أهوان بمطارق خشبية، ثم كانت تبلل بالماء، ثم كانت تعجن وتشكل على هيئة أرغفة خبز، وكانت تخبز جزئيًا، ثم يتم تقطيع تلك الأرغفة، قبل نخلها فى إناء كبير، وعجنها مرة أخرى، ثم كان يضاف إليها الماء، أو الماء السكرى الناتج من البلح المنقوع، ثم كان يترك العجين ليختمر، ثم كانت تصفى العجينة المختمرة، وبعد ذلك، كان يتم تعبئة الناتج فى أوانٍ فخارية.

 

 - اكتشاف مصنع لـ«الجعة» بأبيدوس 

أعلنت البعثة الأثرية المصرية الأمريكية المشتركة، برئاسة الدكتور ماثيو آدمز من جامعة نيويورك، والدكتورة ديبورا فيشاك من جامعة برنستون، العاملة في شمال أبيدوس بمحافظة سوهاج، التوصل إلى الكشف عما يعتقد أنه أقدم مصنع لصناعة الجعة عالي الإنتاج في العالم، في مدينة أبيدوس التي تعد من أهم المواقع التي عثروا فيها على بقايا أواني البوظة فى سوهاج، وليس من المبالغة القول إن البوظة كانت ذات أهمية كبيرة فى المجتمع المصرى القديم، فقد كانت تستخدم كشراب مشبع، أقرب للطعام، وكقرابين مقدمة للآلهة، وضمن قرابين الموتى، وفى بعض العلاجات الطبية، وعلى الرغم من أنها كانت المشروب الأساسى للفقراء، كانت أيضًا أساسية فى النظام الغذائى للأثرياء، وذكرت فى صيغة القرابين التقليدية، لأن المصرى القديم اهتم بالحصول عليها فى العالم الآخر؛ فنقشها ضمن القرابين المنقوشة على جدران مقبرته. 

وتم اكتشاف مصنع الجعة بأبيدوس مع بدايات القرن العشرين، وفى مدة تجاوزت المائة العام،، وتحديد مكان المصنع الذي كان ينتج المشروب الرسمى عند الفراعنة .

ومشروب الجعة فى العصر الفرعونى كان رخيص الثمن، وهي تشبه البوظة المصرية حاليا، وقد كانت تصنع من العجين وتنقع في الماء، وكانت تقدم كقربان للآلهة، وكانت متنوعة ما بين جامدة مثل الخبز، أو مشروبات مثل اللبن أو النبيذ أو الجعة ، وورد ذكر الجعة في صيغة تقديم القربان التي تبدأ بصيغة حتب دي نسو، كما وردت فى البرديات الطبية أيضا كوصفات وضعها الأطباء.

أقدم مصنع لصناعة الجعة

وذكر الدكتور ماثيو آدمز رئيس البعثة، أن المصنع يرجح أنه يرجع إلى عصر الملك نعرمر، و أنه يتكون من ثماني قطاعات كبيرة، كانت تستخدم كوحدات لإنتاج الجعة، حيث احتوى كل قطاع على حوالي ٤٠ حوضًا فخاريًا منتظمة في صفين لتسخين خليط الحبوب والماء، وكل حوض مثبت في مكانه بواسطة دعامات مصنوعة من الطين وموضوعة بشكل رأسي على هيئة حلقات .

وأشار الدكتور ماثيو آدمز إلى أن الدراسات أثبتت أن المصنع كان ينتج حوالي 22.400 لتر من الجعة في المرة الواحدة، وربما تم بناؤه في هذا المكان بالتحديد لتزويد الطقوس الملكية التي كانت تتم داخل المنشآت الجنائزية الخاصة بملوك مصر الأوائل؛ إذ عثر خلال أعمال الحفائر بتلك المنشآت على أدلة استخدام الجعة في طقوس تقديم القرابين.

 

 - شرب البوظة حرام أم حلال؟

هناك أطعمة ومشروبات تعتبر من المحرمات، وذلك تبعًا للمعتقدات الدينية، والبوظة هى شراب يصنع من القمح يسبب شرب كميات منه السكر وهو حرام امتثالًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أسكر كثيره فقليله حرام». وكذلك لها أضرار صحية على الإنسان، ونقصد هنا البوظة المخمرة، لذلك يشعر الكثير من الأفراد بالخجل الشديد عند الحديث عنها أمام الناس حتى ولو على سبيل الدعابة وذلك تجنبا لسوء فهمه.

ولكن فى بعض المناطق الشعبية، خاصة محلات العصائر، يمكن أن تجد رجلا عجوزا ينادي بصوت عال أمام الجميع مطالباً بإحضار كوب من البوظة حالاً أو تجد بأحد الشوارع يبيع المشروب على الملأ، ما يجعلك تشعر بالتعجب والاستغراب، وقد تسوء فهم هؤلاء وتتساءل كيف يمكن أن تباع هذه المحرمات على الملأ، ولكن الذى لا يعرفه الكثير أن هذا أمر طبيعى فى بعض المناطق  الشعبية.

البوظة مشروب يتم تحضـيره من خلال تخمير الشعير، ولكن ما يُباع الآن على الملأ هو مشروب معد دون تخمير الشعير، أو إضافة كحول، ويعتقد أنه مفيد كمدر للبول لذلك يفضل البعض تناوله.

- حكم شرب البوظة

وكانت دار الإفتاء المصرية نشرت في فتوى عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" وقالت الدار: «روي أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي عن بن بَشِير، رضي الله تعالى عنهما، أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، قال: إنَّ من الحِنطة خمرًا، ومن الشعير خمرًا، ومن الزبيب خمرًا، ومن التمر خمرًا، ومن العَسَل خمرًا، زاد أحمد وأبو داود: وأنا أنهى عن كل مُسكِر، وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: كل مُسكِر خمر، وكل خمر حرام، رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه، وما أسكر كثيره فقليله حرام؛ ففي الحديث المرفوع: كل مُسكِر حرام، وما أَسكَر الفَرَقُ مِنه فمِلءُ الكَفِّ مِنه حرامٌ».