الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

مصريات

حكايات شهرزاد | حكاية الصعلوك الثاني (3)

حكايات شهرزاد
حكايات شهرزاد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في كل ليلة، تنسج شهرزاد من وحي خيالها باقة من أروع القصص والحكايات.. ما يجعل زوجها الملك شهريار.. يتلهَّف إلى سماع النهايات. تتوالى الليالي، وتتنوع الشخصيات في حكايات شهرزاد العجيبة والمميزة ما بين جنٍّ وسلاطين وقرَدة وغيرها من الكائنات الغريبة، فيزداد شوق الملك إلى سماع المزيد.
تدور القصة الكبرى «ألف ليلة وليلة» حول شهريار وشهرزاد، عندما يكتشف شهريار في بداية الحكاية أن زوجته الأولى لم تكن مخلصة، فيرى أن كل النساء خائنات ويقرر الزواج بعروس جديدة كل يوم وقتلها في صباح اليوم التالي. راقب النساء وحشية شهريار وقتله لبناتهم أمام أعينهم. لكن شهرزاد، ابنة الوزير، تقنع والدها أن يقدمها إلى شهريار، وتقوم شهرزاد بحكاية قصة لشهريار، ولكنها توقف قصتها في لحظة حاسمة، لذلك يؤجل شهريار قتلها إلى الليلة التالية، وهكذا تستمر شهرزاد برواية القصص لمدة 1001 ليلة.
وخلال شهر رمضان الكريم، تقدم "البوابة نيوز" للقارئ 30 حكاية من تلك الحكايات
تروي شهرزاد:


يقول الصعلوك الثاني: من ذلك الوقت صرتُ قردًا ابن مائة سنة، فلما رأيت نفسي في هذه الصورة القبيحة بكيتُ على روحي، وصبرت على جور الزمان، وعلمت أن الزمان ليس لأحد، وقد انحدرتُ من أعلى الجبل إلى أسفل، وقد سافرتُ مدةَ شهرٍ ثم ذهبت إلى شاطئ البحر المالح، فوقفت ساعةً، وإذا أنا بمركب في وسط البحر قد طاب ريحها وهي قاصدة البر، فاختفيت خلف صخرة على جانب البحر، وسرت إلى أن أتيت وسط المركب، فقال واحد منهم: أَخرِجوا هذا المشئومَ من المركب. وقال واحد منهم: نقتله. وقال آخَر: اقتله بهذا السيف. فأمسكت طرف السيف وبكيت وسالت دموعي، فحنَّ عليَّ الريس، وقال لهم: يا تجار، إن هذا القرد استجار بي وقد أجرتُه، وهو في جواري، فلا أحد يتعرَّض له، ولا يشوِّش عليه.
إن الريس صار يُحسِن إليَّ، ومهما تكلَّمَ به أفهمه وأقضي حوائجه كلها، وأخدمه في المركب، وقد طاب لها الريح مدة خمسين يومًا، فرسينا على مدينة عظيمة، وفيها عالم كثير لا يحصي عددهم إلا الله تعالى، فساعة وصولنا أوقفنا مركبنا، فجاءتنا مماليك من طرف ملك المدينة، فنزلوا المركب وهنَّئُوا التجار بالسلامة، وقالوا: إن ملكنا يهنِّئكم بالسلامة، وقد أرسل إليكم هذا الدرج الورق، وقال: كل واحد يكتب فيه سطرًا. فقمتُ وأنا في صورة القرد، وخطفت الدرج من أيديهم، فخافوا أني أقطعه وأرميه في الماء، فنهروني وأرادوا قتلي، فأشرتُ لهم أني أكتب، فقال لهم الريس: دعوه يكتب، فإن لخبَط الكتابة طردناه عنَّا، وإن أحسنها اتخذتُه ولدًا، فإني ما رأيت قردًا أفهم منه.
ثم أخذتُ القلم، واستمدَدْتُ الحبرَ، وكتبتُ سطرًا بقلم الرقاع، ورقمتُ هذا الشعر:
لَقَدْ كَتَبَ الدَّهْرُ فَضْلَ الْكِرَامِ وَفَضْلُكَ لِلْآنَ لَا يُحْسَبُ
فَلَا أَيْتَمَ اللهُ مِنْكَ الْوَرَى لِأَنَّكَ لِلْفَضْلِ نِعْمَ الْأَبُ
وكتبت بالقلم الريحاني هذا الشعر:
لَهُ قَلَمٌ عَمَّ الْأَقَالِيمَ نَفْعُهُ وَعَمَّ جَمِيعَ الْعَالَمِينَ مَنَافِعُ
وَخَمْسَةُ أَنْهَارٍ أَنَامِلُكَ الَّتِي تَسِيلُ عَلَى الْأَقْطَارِ خَمْسٌ أَصَابِعُ
وكتبت بقلم الثلث هذين البيتين:
وَمَا مِنْ كَاتِبٍ إِلَّا سَيَفْنَى وَيُبْقِي الدَّهْرُ مَا كَتَبَتْ يَدَاهُ
فَلَا تَكْتُبْ بِخَطِّكَ غَيْرَ شَيْءٍ يَسُرُّكَ فِي الْقِيَامَةِ أَنْ تَرَاهُ
وكتبت تحته بقلم المشق هذين البيتين:
إِذَا فَتَحْتَ دَوَاةَ الْعِزِّ وَالنِّعَمِ فَاجْعَلْ مِدَادَكَ مِنْ جُودٍ وَمِنْ كَرَمِ
وَاكْتُبْ بِحِبْرٍ إِذَا مَا كُنْتَ مُعْتَذِرًا بِذَاكَ شَرَّفْتَ فَضْلًا نِسْبَةَ الْقَلَمِ
ثم ناولتهم ذلك الدرج الورق، فطلعوا به إلى الملك، فلما تأمَّلَ الملكُ ما في ذلك الدرج لم يعجبه خطُّ أحدٍ إلا خطي، فقال لأصحابه: توجَّهوا إلى صاحب هذا الخط، وألبسوه هذه الحلة، وركِّبوه بغلة، وهاتوه بالنوبة، وأحضروه بين يديَّ. فلما سمعوا كلامَ الملك تبسَّموا، فغضب منهم، ثم قال: كيف آمركم بأمرٍ فتضحكون عليَّ؟! فقالوا: أيها الملك، ما نضحك على كلامك، بل الذي كتب هذا الخط قردٌ، وليس هو آدميًّا، وهو مع ريس المركب. فتعجَّبَ الملك من كلامهم، واهتزَّ من الطرب، وقال: أريد أن أشتري هذا القرد. ثم بعث رسلًا إلى المركب، ومعهم البغلة والحُلَّة، وقال: لا بد أن تُلبِسوه هذه الحلة، وتُركبوه البغلةَ، وتأتوا به. فساروا إلى المركب، وأخذوني من الريس، وألبسوني الحلة؛ فاندهش الخلائق، وصاروا يتفرجون عليَّ، فلما طلعوا بي إلى الملك ورأيته، قبَّلْتُ الأرض بين يدَيْه ثلاثَ مرات، فأمرني بالجلوس فجلست على ركبتيَّ، فتعجَّبَ الحاضرون من أدبي، وكان الملك أكثرهم تعجُّبًا، ثم إن الملك أمَرَ الخلقَ بالانصراف فانصرفوا، ولم يَبْقَ إلا الملك والطواشي ومملوك صغير وأنا، ثم أمر الملك بطعام فقدَّموا سفرةَ طعامٍ فيها ما تشتهي الأنفس وتلذُّ الأعين، فأشار إليَّ الملك أن آكل، فقمتُ وقبَّلْتُ الأرضَ بين يدَيْه سبع مرات، وجلست آكل معه، وقد ارتفعت السفرة، وذهبتُ فغسلتُ يديَّ، وأخذت الدواة والقلم والقرطاس، وكتبت هذين البيتين:
مَنَاحِرُ الضَّانِ تِرْيَاقٌ مِنَ الْعِلَلِ وَأَصْحُنُ الْحَلْوَى فِيهَا مُنْتَهَى أَمَلِي
يَا لَهْفَ قَلْبِي عَلَى مَدِّ السِّمَاطِ إِذَا مَاجَتْ كُنَافَتُهُ بِالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ
وكتبت أيضًا هذين البيتين:
إِلَيْكِ اشْتِيَاقٌ يَا كُنَافَةَ زَائِدٍ وَلَيْسَ غِنًى لِي عَنْكِ كَلَّا وَلَا صَبْرُ
فَلَا زِلْتِ أَكْلِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا زَالَ مُنْهَلًا بِجَرْعَائِكِ القَطْرُ
ثم قمتُ وجلست بعيدًا، فنظر الملك إلى ما كتبته وقرأه فتعجَّب، وقال: هل يكون عند قرد هذه الفصاحة وهذا الخط؟ واللهِ إن هذا من أعجب العجب! ثم قدم للملك شطرنج، فقال الملك: أتلعب؟ قلتُ برأسي: نعم. فتقدَّمت وصففت الشطرنج، ولعبت معه مرتين فغلبته، فحار عقل الملك، وقال: لو كان هذا آدميًّا لَفاق أهل زمانه. ثم قال لخادمه: اذهب إلى سيدتك، وقل لها: كلِّمي الملك، حتى تجيء فتتفرج على هذا القرد العجيب.

وهنا.. أدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.