الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

كوكب الشرق رغم أنف التشدد.. السلفيون يرفضونها.. و"الجماعة الإرهابية" تحاول الالتفاف على تاريخها وأغانيها

أم كلثوم
أم كلثوم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

رغم شيوع الموقف السلفى المتشدد فى رفضه للموسيقى والغناء، فإن محبة المصريين والعرب لكوكب الشرق السيدة أم كلثوم كانت أكثر صلابة وقوة أمام تمدد الرجعية، التى عادة ما تصف الموسيقى بشكل عام بأنها من "عمل الشيطان"، وأن الغناء من "لهو الحديث"، وهو موقف ينظر بامتعاض ورفض شديد لعدد من شيوخ المدرسة الصوفية الذين يعلنون سماعهم للأناشيد والأغاني المصحوبة بالموسيقى.
هذه النظرة السلفية المبنية على أحكام فقهية مردود عليها باستفاضة، قديما وحديثا، تبنته جماعة الإخوان الإرهابية متحولا معها إلى موقف عدائى لارتباطه بالأيديولوجية السياسية، فتصبح أم كلثوم عدوة، ويزداد تجاهها حقد وكراهية الجماعة خاصة بعد ثورة يوليو عام ١٩٥٢، إذ وظفت أم كلثوم أغانيها فى دعم الثورة ودعم مشاريعها الإصلاحية، والمجهود الحربى بحفلاتها، والقومية العربية، فى الوقت نفسه الذى تعيد فيه الجماعة تشكيل تنظيمها المسلح لقلب نظام الحكم، ومحاولة اغتيال رئيس الجمهورية فى حادث المنشية ١٩٥٤، ومعارضة اتفاقية الجلاء، وإشاعة الأكاذيب حول عبدالناصر، والتهليل لأى موقف عدائى تجاه الوطن، ثم الترتيب لإحداث فوضى واغتيال شخصيات عامة على يد تنظيم ٦٥ وزعمائه: عبدالفتاح إسماعيل وسيد قطب ويوسف هواش؛ الذين أدينوا بالإعدام. 

عبدالحميد كشك

نموذج إخوانى قديم ومستمر
من المنطقى أن يكون النموذج المساند والداعم للثورة مكروها ومنبوذا، وعبَّر الشيخ عبدالحميد كشك عن الروح السلفية الإخوانية فى الكراهية، فأطلق سخريته المتكررة منها لدرجة وصفها بـ"العجوز الشمطاء"، كما سخر من كلمات أغانيها.
شعبيتها الجارفة ومحبتها فى قلوب مستمعيها، دائما ما تثير العداء فى قلوب رافضيها، وفى كل مرحلة لا نعجز عن اكتشاف شخصيات تابعة للجماعة أو قريبة منها أو منتمية للسلفية تكرر هجومها على سيدة الغناء ونعتها بأسوأ الأوصاف، ففى مطلع العام ٢٠٢٠ وصف البرلمانى الكويتى السابق عبدالله النفيسى الداعم لجماعة الإخوان، أم كلثوم بأنها "مغنية حولت المنطقة العربية إلى غرزة حشيش" كاشفا عن مدى الغيظ الذى شعر به لدى رؤيته لجنازتها المليونية، متجاهلا سؤالا لمحاوره عن أنها كانت تغنى فى أجواء كلها رقي.

القرضاوي

نظرة أكثر خطورة 
هذا الموقف مستمر ومتجدد فى صورته السلفية، لكنه من التخدير وعدم الدقة إطلاقه على الموقف الكلى الغالب على الجماعة الإرهابية فى نظرتها لكوكب الشرق، دون التركيز على موقف أكثر خطورة نلاحظه عند الإخوان الجدد، أو المتحور الجديد من وباء الجماعة، الذى يعقد مؤتمرات فى أروقة البرلمانات الأوروبية لإبراز وجه حداثى رافض للعنف ومتسامح مع الآخر وأفكاره المخالفة لقيم المجتمعات العربية، ليطرح نفسه بديلا سياسيا من جديد.
مثل هذا المتحور بالطبع لن يستعيد خطاب الشيخ كشك وشيوخ السلفية ويعيد تدويره، حينئذ سيكون محكوما بالفشل، بل سيلتف على أم كلثوم، ومن السهل أن تعثر على أنصار هذا المتحور فى الأكاديمية المصرية يكتبون أبحاثا فى دراسة ظاهرة أم كلثوم وأغانيها، بل ويشاركون مقاطع من أغانيها وصورها على صفحاتهم بفيسبوك، ترى كيف سيدعم هذا المتحور رؤيته الإخوانية بإعلانه عن حبه لأم كلثوم؟ هذه هى الخدعة الحالية.
فى طليعة المواقف المتنصلة من عداء أم كلثوم، نجد القيادى الإخوانى عبدالمنعم أبوالفتوح الذى يغسل سمعة تنظيم ٦٥ من عدائه لأم كلثوم، فيتساءل فى براءة: "وما الفائدة التى يمكن أن يحصلوها من قتل أم كلثوم التى كانت تحظى بشعبية هائلة ومحبة بين الشعب المصري؟" ويجعلها واحدة من الأكاذيب؛ بحسب حوار له مع حسام تمام فى كتاب "عبدالمنعم أبوالفتوح: شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية فى مصر".
من بعده يوسف القرضاوى، فى لقاء صحفى عام ١٩٩٨، يعلن أنه يحب سماع أم كلثوم فى أغانى "نهج البردة" و"سلوا قلبى". ومؤخراً أحد الإعلاميين الإخوان، فى مقال له عام ٢٠١٩، يهاجم عبدالناصر كعادة الجماعة فى حقدها، لكنه يشيد بموقفه من أم كلثوم قائلاً: أيّ نظام فى الدنيا يمكنه أن يخسر، أو يُفرّط فى فنانة مثلها، يلتف حول صوتها عموم العرب، ويكشف عن نجمة فى حجم الآنسة أم كلثوم".
لمثل هذه الخطوات التأسيسية، ينطلق المتحور الإخوانى للالتفاف عليها فى إطار سعيه الجاد لاستعادة السلطة، واكتساب رونق ثقافي، وإيهام الآخر أنه منفتح على الفنون، لكن من يتفحص خطوات ذلك المتحور يكتشف أنه يعمل ضد الفن، وأنه يمضى فى تحقيق الهدف الأعلى للجماعة وهو السيطرة على الفن والثقافة للهيمنة على وعى الجماهير ليسهل اقتياده.

الرجعية والالتفات للماضوية
والسؤال: كيف يمكن للجماعة أن تمارس خطة التفاف على أم كلثوم لخدمة مشروعها؟ أولا يجب الإقرار بأن الإخوان الجدد لا يحبون الموسيقى على إطلاقها أو أم كلثوم على إطلاقها، دون الإعلان عن ذلك.
مثال واحد يوضح الهدف الخبيث المشار إليه، فالمراقب لبعض المتحدثين والدارسين بحماس لأغانى أم كلثوم وخاصة فى الجامعات والأندية الثقافية يلاحظ أن تقديرهم ينصب على قصائدها الفصحى المغناة، لكونها تقدم القصيدة العمودية وهى الشكل الكلاسيكى للشعر العربي، وبلغة فصيحة، وكلاهما يتم النفخ فيهما بطريقة مبالغة لتكريس فكرة الجماعة المتمثلة فى ديمومة الالتفات للماضى بوصفه نموذجًا مثاليًا تسعى الجماعة لاستعادته تحت مسمى "الخلافة".
القصيدة العمودية بنت العصر القديم، لذا التركيز عليها بوصفها شكلا واحدا مفضلا للقصيدة، يدعم نظرة رجعية للجماعة فى إشاعة الماضوية، والنظر باستمرار للخلف، وهو ما تمارسه الجماعة على كل المستويات، تبرز فترات تاريخية بطريقة مثالية تستهدف العودة إليها، والأدب وخاصة الشعر فتعلى من قيمة القصيدة الكلاسيكية لأنها بنت العصر المثالى الذى تجبر الجمهور للعودة إليه، فهى تفعل ذلك على كل المستويات، الأدب والفقه والتاريخ وكل تفاصيل الحياة، لذا تحب الجماعة أن تقتحم عالم أم كلثوم لدراسته والتشجيع عليه لكنها ليست أم كلثوم على إطلاقها، بل أم كلثوم المحاصرة بمنظور إخواني، يركز على قصائدها المغناة سواء أكانت رومانسية أو دينية.
وبالنسبة لأهمية المستوى الفصيح من اللغة العربية عند الجماعة، فالتركيز عليه بمنظورها أيضا يدعم رؤيتها المتشنجة تجاه اللغة، حيث إشاعة نوع من الخوف غير المبرر تجاه الفصحى، متجاهلة أن المنظور اللغوى الدقيق يرى أن العامية تفيد اللغة وتخلق نوعًا من الثراء والتنوع والتجدد للمستوى الفصيح.
لذا نجد أن الالتفاف على أم كلثوم يكسب الجماعة الإرهابية أمام الآخر رونقا ثقافيا، ويزيل عنها تهم الجمود، فى حين أن خطتها فى التعامل مع فن أم كلثوم هو حصرها فى لون واحد، مع تشويهه، يهدف فى المقام الأول تعزيز الجمود وخلق نظرة ماضوية وهمية عند الجمهور، وعزل الجمهور عن بعض أغانيها وتقسيمها، ما يساعده على تدمير الفن وضرب أم كلثوم التى تظل مثالا للجمال ضد قبح الجماعة، وتجديدا فى الغناء ورقيا ضد رجعية التنظيمات الكارهة لها.