الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس سهيل سعود يكتب.. الصوم والعدالة

القس سهيل سعود
القس سهيل سعود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يرسم لنا الكتاب المقدس، بعض التوجّهات والنصائح العملية، لإبقاء الصوم في إطاره الصحيح، للحفاظ على معناه الحقيقي في حياة المؤمنين والكنيسة ألا وهو، عدم الاكتفاء فقط بالامتناع عن الطعام ، وإنما ممارسة العدالة والحق والرحمة.
يورد النبي إشعياء في الإصحاح 58 من تساؤل شعب صام وامتنع عن الطعام وحافظ على طقوس التقوى والعبادة، لكن بالرغم من ذلك شعروا بأن الله لم يستجب لصلواتهم ويسد احتياجاتهم بل تركهم يعانون الضيق والاضطراب، فأصيبوا باحباط روحي كبير. ظن ذلك الشعب أنه بمجرد أن يصلّوا ويصوموا، فإن الله سوف يباركهم، بغض النظر عن مواقفهم في الحياة.

 وفي شدة إحباطهم تذمروا إلى الله وعاتبوه قائلين: "لماذا صمنا ولم تنظر؟ ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ؟" (أش58: 7). أي لماذا يا رب لم تأخذ صومنا بعين الاعتبار، ولم تلاحظ بأننا قمنا بأمر استثنائي في صومنا؟  بعد هذا التساؤل والمعاتبة، يخبرهم الله عن سبب تجاهله لصومهم، ويضع لنا الإطار الصحيح للصوم الذي ينظر إليه ويلاحظه ويعتبره صومًا مقبولا أمامه.
قال الله للنبي إشعياء: "ناد بصوتٍ عالٍ، لا تمسك، إرفع صوتك كبوق واخبر شعبي بتعديهم وبيت يعقوب بخطاياهم". (أش 1:58). فالله يرجع السبب الأساسي في عدم استجابته لصلوات الشعب ، بالرغم من صومهم وحفاظهم على طقوس التقوى والعبادة، الى طريقة عيشهم المليئة بالتعدي والخطايا. واذا ما تمعَّنا بكلمات الاصحاح 58، نرى أن خطايا ذلك الشعب تمثلت في موقفين رئيسيين: الأول، موقفهم الروحي الخاطىء أمام الله. والثاني، موقفهم السلبي الخاطىء من الآخرين المتألمين والمسحوقين، الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول حقيقة معنى صومهم. 
بالنسبة للموقف الروحي الخاطىء أمام الله أثناء الصوم، يخبرنا الكتاب المقدس إن الصوم في معناه الحقيقي، هو وقت للتوبة، وقت إنكار مسرَّات وأفراح الذات وطلب مسرة الله، لكن لم يكن يتحقق ذلك في صوم ذلك الشعب. يقول اشعياء: "ها إنكم في يوم صومكم توجدون مسرَّة"(3). أي بدلاً من أن تطلبوا ما يسرّ ويبهج  قلب الله  في يوم صومكم، أنتم تسعون وراء ما يسرّكم ويبهج قلبكم .فأين هو موقف التوبة والتواضع وطلب مسرة الله الذي يجب أن يسود عليكم اثناء الصوم ؟ الأمر الاخر الخطأ في حياة ذلك الشعب، هو  تشديده الكثير على مظاهر الصوم دون المضمون. في العدد (5) يقول الله: أمثل هذا يكون صوم أختاره، يومًا يذلل الانسان فيه نفسه، يحني كالأسلة رأسه، ويفرش تحته مسحًاً ورمادًا. هل تسمّي هذا صومًا ويومًا مقبولاً للرب". ان مشكلة ذلك الشعب أنه تمسّك كثيرا بمظاهر الصوم وأهمل حقيقة معناه. فكانوا يحنون رؤوسهم تعبيرا عن حزنهم على خطاياهم، ويفرشون تحتهم المسح (وهو نوع من القماش الخشن غير المريح للإشارة إلى التقشف واماتة الذات)، ويجلسون على الرماد اشارة إلى الفناء والزوال.
يخبرنا الكتاب المقدس، أنه ليست الغاية الأساسية من الصوم  مجرد الامتناع عن الطعام، وانما كما قال أحد اللاهوتيين: "الحصول على مساحة أكبر لحضور الله في الحياة". فالمعنى الحقيقي للصوم، لا يكتمل بدون الموقف الصحيح من الآخرين المتألمين والمحتاجين، وهذه كانت مشكلة الشعب الصائم على زمن النبي إشعياء. قال النبي اشعياء للشعب: "لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم الى العلاء" (4). الهدف من الصوم هو تسميع صوتنا إلى العلاء، من خلال موقفنا الروحي الصحيح الذي نأخذه أمام الله ، وأيضا موقفنا الاجتماعي الصحيح أمام الناس، لا سيما المساكين والمتألمين. يقول اشعياء لذلك الشعب : "ها إنكم للخصومة والنزاع تصومون ولتضربوا بلكمة الشر." (4) ففي فترة الصوم نمتنع عن التفكير في الطعام، كيما نعطي مساحة أكبر للتفكير في علاقتنا بالله، وعلاقتنا بالاخرين كيما نعاملهم بعدل ورحمة. لكن أيضا لم يكن يحدث ذلك في حياة الشعب الصائم زمن اشعياء النبي. ففي فترة صومهم كان الشعب يعيش حياة خصام ونزاع وشر. فإذا ما كنا نعيش في وقت الصوم متنازعين ومتخاصمين وصانعي الشر فيكف يَسمع الله لصوتنا؟ أما في العدد (3) يقول اشعياء: "ها إنكم في يوم صومكم توجدون مسرة وبكل أشغالكم تسخّرون." لقد قضت شريعة الصوم في يوم الكفارة، بالتوقف كليًا عن العمل "كل عمل لا تعملوا، الغريب والوطني"(لاويين 29:16)، ليكون يوم صلاة وصوم. إلا أنه ما كان يفعله أولئك الصائمون آنذاك، أنهم كانوا هم يتوقفون عن العمل، ويسخّرون الأجراء الغرباء بأعمال شاقة، مخالفين بذلك وصية الشريعة. فكيف يقبل الله صومنا ويسمع صوتنا  ونحن نتخذ  هذه المواقف المشينة؟ إن أحد أهداف الصوم الرئيسية، العمل على تخفيف آلام الناس المتألمين وليس زيادتها. فالصوم الذي لا يعمل على تخفيف الآم المتألمين لا يقبله الله. 
يخبرنا النبي إشعياء عن المواقف الصحيحة التي يجب أن نتخذها إلى جانب صومنا وتوبتنا وعلاقتنا الروحية مع الله، فيقول: "أليس هذا صومًا اختاره : حلّ قيود الشر، فك عقد النير وإطلاق المسحوقين أحرارًا وقطع كل نير. أليس أن تكسر للجائع خبزك. وأن تدخل المساكين إلى بيتك، وإذا رأيت عريانًا أن تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك". (اش 58: 6-7). فالصوم الحقيقي يجب أن يترافق مع مواقف العدل والرحمة في علاقتنا مع الآخرين. الصوم الحقيقي يجب أن يترافق مع: رفض الشر، المناداة والعمل على تحرير المسحوقين، تقديم الخبز للجائعين، إكساء العريانين، وإيواء المساكين. فإذا لم يرتبط صومنا بمواقف العدالة والرحمة، فان صومنا وصلاتنا يفقد معناهما.