الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عبدالرحيم على يكتب: عادل إمام.. ضمير وطن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عندما عُرِضتْ مسرحية «مدرسة المشاغبين» عام ١٩٧٣ كان عمرى عشرة أعوام، وعلى الرغم من ذلك فقد كانت أحد أهم الأعمال التى شكَّلت شخصيتى، وظللتُ لسنواتٍ طويلة، بسبب هذا الشغف، وأنا أحلم بلقاء «بهجت الأباصيرى»، والذى تحقق بعد أكثر من عشرين عامًا.
التقيتُ الزعيمَ للمرة الأولى فى العرض الخاص لفيلم «طيور الظلام» الذى عُرض بسينما التحرير بالدقي عام ١٩٩٥.
الدعوة وجَّهتْها لى العلاقات العامة بوزارة الداخلية، آنذاك؛ حيث كنت مسئولًا عن ملف الإرهاب فى جريدة «الأهالى» ومندوبها بوزارة الداخلية.
ذهبنا بصحبة الوزير حسن الألفي وزير الداخلية، آنذاك، واللواء رؤوف المناوى، الذى كان صديقًا مقربًا لوحيد حامد، مؤلف العمل، وللزعيم عادل إمام.
كانت تلك هى المرة الأولى التى أصافح فيها الزعيم وألتقيه وجهًا لوجه، وكان الانطباع الأول أنه ابن بلد، على الرغم من قِصَر المدة التى وقفنا نتحدث معه فيها أنا وبعض الزملاء.. بالطبع لم يميزنى عادل إمام من بين زملائى الكثر الذين التفوا حوله، ولم يتعرف حتى فى هذا اللقاء على اسمي.
جاء اللقاء الثاني بعدها بسنواتٍ طويلة عندما وجه لي الصديق عمرو حكيم فى يناير ٢٠١٤ دعوة للعشاء بمنزله بكورنيش العجوزة، كان الرجل دمث الخلق، ويطبخ لضيوفه بنفسه أشهى الأطباق، وكانت مصر كلها تقريبًا حاضرة فى هذا العشاء بما فى ذلك رئيس الوزراء آنذاك الدكتور حازم الببلاوى.
بعد دقائق قليلة من وجودى سمعت صوتًا ينادى عليَّ من الجهة الأخرى لصالون الشقة، كان المكان مزدحمًا وكان الصوت مألوفًا، وكان ينادى على بلا تكلف وباسمى مجردًا كأنه أحد أصدقائى المقربين.. التفتُ ناحية الصوت فوجدتُ الزعيم عادل إمام يشير إلي مُرحبًا، وقبل أن يزول اندهاشى من أثر المفاجأة بادرنى بالقول: «أنت الوحيد اللى بتنافسني فى البيت دلوقتي لما يبجي موعد عرض برنامج (الصندوق الأسود) كلهم يسيبوني ويتفرجوا عليك كأنهم بيتفرجوا على عمل ليا»، لم أُخفِ سعادتى الممزوجة بالخجل من كلام الزعيم، ودخلنا فى حواراتٍ كثيرة، أهمها سؤاله بالطبع عن مصدر التسجيلات، وقد «زغتُ» منه بلُطف، وتفهَّم هو موقفى ومضَينا؛ ذهب هو باتجاه الببلاوى يصافحه، وذهبت نحو صاحبة السعادة الفنانة إسعاد يونس التى كانت تنادي عليَّ لمصافحتها والحديث معها.
وفى أول فبراير من العام نفسه، ولم يكن قد مضى على لقائى به شهر تقريبًا، أُثيرت فى الصحف المصرية قضية مشروعية إذاعة التسريبات، وطالَب البعض بمنعها، ووصل الأمر بآخرين إلى كتابة عريضة وقع عليها مائة من الكتاب والصحفيين والمثقفين يطالبون الرئيس عدلى منصور بغلق البرنامج ومنع إذاعته، وهنا تصدَّى الزعيم لهذه الادعاءات بتصريح طالبَنى فيه بضرورة الاستمرار فى فَضْح كل من خان هذا البلد، مشيرًا إلى أنه يتابع حلقات البرنامج، ويرى أنه أثار قضية يتابعها البسطاء، ويكشف من خلالها مَن أراد السوء بمصر، وكل من استغل كل الأحداث السابقة للحصول على مكاسب شخصية. 

وأكد أن التسريبات ما دامت حقيقية، وهذا ما نراه جميعًا، فلا ضرر من عرضها، أما الضرر الحقيقى فهو ترك أصحاب التسريبات دون محاسبة.. شكرته آنذاك وكررتُ شكرى له عندما ساندنى بعد ذلك بأربع سنوات عقب الهجوم الذى شنته بعض الأقلام والصحف المدفوعة من الإخوان وحلفائهم فى أوروبا بعد زيارتى للبرلمان الفرنسى فى مايو ٢٠١٨ وفضحي من خلال محاضرة طويلة لكل من يدعم الإخوان فى أوروبا والمزايا التى يحصلون عليها من حلفائهم مقابل تقديم ذلك الدعم.
عادل إمام عندى ليس ممثلًا مصريًا عاديًا، وليس مجرد فنان وقف أمام الكاميرا فأضحكنا وأبكانا، وحفر فى روحنا حالة من الشجن.. إنه ضحكة مصر وضميرها عندما ماتت ضمائر البعض، وسولت لهم أنفسهم أنهم يستطيعون إرهاب هذا البلد بفنانيه ومثقفيه، بتاريخه وعبقريته.
فمن «المشبوه» إلى «الحريف» و«اللعب مع الكبار» و«الإرهاب والكباب» و«الإرهابى» و«طيور الظلام» و«النوم فى العسل» و«السفارة فى العمارة» و«عمارة يعقوبيان» و«حسن ومرقص».. سطر الزعيم عادل إمام مسيرة وطن، وحفر لنفسه فى روحنا مكانًا لا يمكن لممثل غيره أن يتبوأه.. دُمتَ مبتسمًا وجميلًا يا أستاذ.