الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأخبار

رسائل ونقود بالضريح..في ذكرى مولده.. الإمام الشافعي الشاعر والقاضي والفقيه.. ابن عم النبي امتلك نصف علم أهل الأرض.. نعته السيدة نفيسة قائلةً: "كان يُحسن الوضوء"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يحتفل العالم الإسلامي، اليوم الأربعاء، بميلاد أحد أعلام الأمة البارزين، وهو أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (150-204هـ / 767-820م) هو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه، وهو أيضًا إمام في علم التفسير وعلم الحديث، وعمل قاضيًا فعُرف بالعدل والذكاء.

إضافةً إلى العلوم الدينية، كان الشافعي فصيحًا شاعرًا، وراميًا ماهرًا، ورحّالًا مسافرًا، أكثرَ العلماءُ من الثناء عليه، حتى قال فيه الإمام أحمد: «كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس»، وقيل أنه هو إمامُ قريش الذي ذكره النبي محمد بقوله: «عالم قريش يملأ الأرض علمًا».

ولد الشافعي بغزة عام 150 هـ، وانتقلت به أمُّه إلى مكة وعمره سنتان، فحفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، وحفظ الموطأ وهو ابن عشر سنين، ثم أخذ يطلب العلم في مكة حتى أُذن له بالفتيا وهو فتىً دون عشرين سنة، هاجر الشافعي إلى المدينة المنورة طلبًا للعلم عند الإمام مالك بن أنس، ثم ارتحل إلى اليمن وعمل فيها، ثم ارتحل إلى بغداد سنة 184 هـ، فطلب العلم فيها عند القاضي محمد بن الحسن الشيباني، وأخذ يدرس المذهب الحنفي، وبذلك اجتمع له فقه الحجاز «المذهب المالكي» وفقه العراق «المذهب الحنفي».

 

ابن عم النبي محمد

هو «أبو عبد الله، محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ».

يجتمع مع الرسولِ محمدٍ في عبد مناف بن قصي، وقيل: «وهو ابن عم النبي محمد، وهو ممن تحرم عليه الصدقةُ من ذوي القربى الذين لهم سهم مفروض في الخُمس، وهم بنو هاشم وبنو المطلب».

 

حفظ الحديث بالسمع

كان الشافعي يستمع إلى المحدِّثين، فيحفظ الحديث بالسمع، ثم يكتبه على الخزف أو الجلود، وكان يذهب إلى الديوان يستوهب الظهور ليكتب عليها، والظهور هي الأوراق التي كُتب في باطنها وتُرك ظهرها أبيض، وذلك يدل على أنه أحب العلم منذ نعومة أظفاره.

 

عودته إلى مكة والإذن له بالإفتاء

لما عاد الشافعي إلى مكة تابعَ طلبَ العلم فيها على من كان فيها من الفقهاء والمحدثين، فبلغ مبلغًا عظيمًا، حتى أذن له مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة بالفتيا، فقد روي عن مسلم بن خالد الزنجي أنه قال للشافعي: «افت يا أبا عبد الله، فقد والله آن لك أن تفتي»، وهو ابن خمس عشرة سنة، وقيل: وهو ابن ثماني عشرة سنة، وقيل: وهو ابن دون عشرين سنة.

 

بشرى الإمام مالك له

ذهب الشافعي إلى الإمام مالك، فلما رآه الإمامُ مالكٌ قال له: محمد بن إدريس الشافعي، يا محمدٌ اتق الله، واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن من الشأن، إن الله قد ألقى على قلبك نورًا، فلا تطفئه بالمعصية.

 

رحلته إلى اليمن

لما مات الإمام مالك، وأحس الشافعي أنه نال من العلم أشطرًا، وكان إلى ذلك الوقت فقيرًا، اتجهت نفسه إلى عمل يكتسب منه ما يدفع حاجته، ويمنع خصاصته، وصادف في ذلك الوقت أن قدم إلى مكة المكرمة والي اليمن، فكلمه بعض القرشيين في أن يصحبه الشافعي، فأخذه ذلك الوالي معه. ويقول الشافعي في ذلك: «ولم يكن عند أمي ما تعطيني ما أتحمل به، فرهنت دارًا فتحملت معه، فلما قدمنا عملت له على عمل»، وفي هذا العمل تبدو مواهب الشافعي، فيشيع ذكرُه عادلًا ممتازًا، ويتحدث الناس باسمه في بطاح مكة.

 

رحلته إلى بغداد

لما نزل الشافعي باليمن، ومن أعمالها نجران، كان بها والٍ ظالم، فكان الشافعي يأخذ على يديه، أي ينصحه وينهاه، ويمنع مظالمه أن تصل إلى من تحت ولايته، وربما نال الشافعي ذلك الوالي بالنقد، فأخذ ذلك الوالي يكيد له بالدس والسعاية والوشاية، وفي ذلك الزمانِ الذي كان فيه الحكمُ للعباسيين، كان العباسيون يُعادون خصومَهم العلويين، لأنهم يُدلون بمثل نسبهم، ولهم من رحم الرسول محمد ما ليس لهم.

اتهم والي نجران الشافعي بأنه مع العلوية، فأرسل إلى الخليفة هارون الرشيد: «إن تسعة من العلوية تحرَّكوا»، ثم قال في كتابه: «إني أخاف أن يخرجوا، وإن ها هنا رجلًا من ولد شافع المطلبي لا أمر لي معه ولا نهي»، وقيل إنه قال في الشافعي: «يعمل بلسانه ما لا يقدر عليه المقاتل بسيفه»، فأرسل الرشيد أن يَحضرَ أولئك النفرُ التسعةُ من العلوية ومعهم الشافعي. ويقال إنه قتل التسعة، ونجا الشافعي؛ بقوة حجته، وشهادة القاضي محمد بن الحسن الشيباني.

 

عودته إلى مكة

أقام الشافعي في بغداد تلميذًا لابن حسن، ومناظرًا له ولأصحابه على أنه فقيه مدني من أصحاب مالك، ثم انتقل بعد ذلك إلى مكة، ومعه من كتب العراقيين حِملُ بعير، ولم يذكر أكثرُ الرواة مدة إقامته في بغداد في هذه القدمة، ولا بد أنه أقام مدة معقولة تكفي للتخرج على أهل الرأي ومدارستِهم، ولعلها كانت نحو سنتين.

عاد الشافعي إلى مكة، وأخذ يُلقي دروسه في الحرم المكي، والتقى به أكبر العلماء في موسم الحج، واستمعوا إليه، وفي هذا الوقت التقى به أحمد بن حنبل، وقد أخذت شخصية الشافعي تظهر بفقه جديد، لا هو فقهُ أهلِ المدينةِ وحدَهم، ولا فقهَ أهلِ العراقِ وحدَهم، بل هو مزيج منهما وخلاصةُ عقل الشافعي الذي أنضجه علم الكتاب والسنة، وعلمُ العربية وأخبار الناس والقياس والرأي، ولذلك كان من يلتقي به من العلماء يرى فيه عالمًا هو نسيجٌ وحدَه.

 

«الرسالة» أول ما صُنف في أصول الفقه

قدم الشافعي بغداد للمرة الثانية في سنة 195 هـ، وقد قدم وله طريقةٌ في الفقه لم يسبق بها، وجاء وهو لا ينظر إلى الفروع يفصِّل أحكامَها وإلى المسائل الجزئية يفتي فيها فقط، بل جاء وهو يحمل قواعد كلية، أصَّل أصولها، وضبط بها المسائل الجزئية، فقد جاء إذن بالفقه علمًا كليًا لا فروعًا جزئيةً، وقواعدَ عامةً لا فتاوىً وأقضيةً خاصةً، فرأت فيه بغداد ذلك، فانسال عليه العلماء والمتفقهون، وطلبه المحدثون وأهل الرأي جميعًا.

وفي هذه القدمة ذُكر أنه ألف لأول مرة من كتاب الرسالة الذي وضع به الأساس لعلم أصول الفقه. وقيل أن الشافعي قد صنف كتاب الرسالة وهو ببغداد، ولما رجع إلى مصر أعاد تصنيف كتاب الرسالة.

 

رحلته إلى مصر

لم يَطِبْ للشافعي المقامُ ببغداد، وكان لا بد من الرحيل منها، ولم يجد مهاجَرًا ولا سَعةً إلا في مصر، ذلك أن واليَها عباسيٌ هاشميٌ قرشيٌ، وقدم الشافعي مصر سنة 199 هـ، ومات فيها سنة 204 هـ.

 

سبب غضب المالكيين منه

عندما أراد الشافعي السفر إلى مصر قال هذه الأبيات:

لقد أصبحتْ نفسي تتوق إلى مصرِ ومن دونها قطعُ المهامةِ والقفرِ

فواللـه ما أدري، أللفوزُ والغنى أُساق إليها أم أُساق إلى القبرِ

قيل: فوالله لقد سيق إليهما جميعًا، كما وجد الشافعي أن اصحاب المذهب المالكي يتعصبون بشدة للامام مالك ويقدمونه في الفقه على حديث رسول الله، قال الامام البيهقي «إن الشافعي إنما وضع الكتب على مالك «أي في الرد على مالك» لأنه بلغه أن ببلاد الأندلس قلنسوة كانت لمالك يُستسقى بها، وكان يقال لهم: «قال رسول الله». فيقولون: «قال مالك». فقال الشافعي: «إن مالكًا بَشَرٌ يخطئ». فدعاه ذلك إلى تصنيف الكتاب في اختلافه معه.

ثم ألف الإمام الشافعي كتابًا يرد به على الإمام مالك وفقهه، فغضب منه المالكيون المصريون بسبب الكتاب وأخذوا يحاربون الشافعي، وتعرض للشتم القبيح المنكَر من عوامهم، والدعاء عليه من علمائهم.

 

علاقته بآل البيت

استقبلت السيدة نفيسة الإمام الشافعي عند مجيئه إلي مصر أحسنت إليه وسارت بينهما علاقة علم قوية حيث كانت تعطيه الأحاديث بأسانيدها، وكان له أربعه رواة أساسيين، هم الربيع الجيزي والربيع المرادي والإمام البويطي والإمام المزني، فكان إذا مرض أرسل لها الربيع الجيزي أو الربيع المرادي ليقول لها: إن ابن عمكِ مريض ويسألكِ الدعاء.

ويقول الشافعي: فبمجرد أن تدعو لي نفيسة وقبل وصول رسولي أكون شُفيت من المرض، ظل علي هذا الحال إلي أن جاءه المرض الأخير الذي أدي إلي وفاته وهو الباسور والنزيف الشديد، فأرسل لها في هذه المرة الربيع المرادي طالبًا الدعاء له، فقالت: متعه الله بالنظر إلي وجهه الكريم، ثم انتقل بعد ثلاثة أيام، وصلي عليه الألاف من المريدين الجنازة أمام بيت السيدة نفيسة وصلت عليه السيدة نفسية أيضًا وقالت رحم الله الشافعي فإنه كان يحسن الوضوء.

 

نقود ورسائل بالضريح

ودُفن الإمام الشافعي  بضريح شيده السلطان الكامل الأيوبي عام 1211 م، ولم يبق منه الآن إلا الضريح الخشبي المحفور ذو الرسوم الرائعة، ويعد هذا الضريح المغطى بقبة خشبية مزدوجة من أعظم مباني العصور الوسطى وأجملها زخرفة، ويعتقد زوار الضريح وجود كرامات للإمام الشافعي، لتلبية طلبات المحتاجين ورفع الظلم عن المظلومين وتحقيق العدالة، وهي الظاهرة التي رصدها عدد من علماء الاجتماع والسوسيولوجيا في عدد من المؤلفات والدراسات.

وبالرغم من وجود صندوق للنذور والتبرعات ملاصق للضريح الخشبي المحيط بالتركيبة الخشبية التي تحوي رفات الإمام الشافعي، إلا أن العشرات من الزوار فضلوا فعل الأمر بالطريقة التقليدية، وإلقاء التبرعات والزهور وقطع من الأقمشة المعقود بها رسائل مطالبهم وشكواهم للإمام داخل الضريح، عبر النوافذ الصغيرة المنتشرة حول الحاجز الخشبي المؤدي للضريح.

 

شكوت إلي وكيعٍ سوء حفظي

كان الإمام الشافعي يستطيع الحفظ بطريقة عظيمة فيقرأ الصفحة ومن ثم يضع يده ويقرأها دون النظر إليها. ولكن بعد أن رأي كعب المرأة لم يستطع أن يحفظ كما اعتاد حتي بعد أكثر من مرة فذهب إلي شيخه "وكيع" فأخبره بما حدث معه فقال له: راجع نفسك لابد أن لديك معصية، فتذكر الشافعي ما حدث معه وأنشد تلك الأبيات:

شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظي *** فأرشدني إلي ترك المعاصي

وأخبرني بأن العلم نور *** ونور الله لا يُهدي لعاصي