الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

عيد الأمهات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عذرًا يا ( وطنى الكبير ) .. عذرا ( مصر ) غاليتى ..  فاليوم لم أستطع إلا أن أكون ( الأم ) التى أراد لها الله ولا راد لقضائه، أن تفقد الابن الوحيد .. والابن هو ( الوطن الصغير ) وحديثى اليوم سوف يكون عن والى
( وطنى الصغير ) .. عن والى ابنى:
** فى هذا اليوم يذهب الأبناء إلى أمهاتهم .. يجلس كل منهم أمام أمه .. يشرب من ينابيع حنانها.. يغوص فى بحور طيبتها.. يتلفع بدثارات الأمان مع لمسات أناملها لخصلات شعره سواء أكان داكن السواد .. أو شائبًا ثلجى اللون.
يقبلها وتقبله متشممة رائحة ابنها التى هى لديها أجمل من أغلى العطور..
وفى هذا اليوم قد يذهب الأبناء إلى حيث ترقد الأمهات .. يحملون باقات الزهور .. يضعونها فوق ضريح الأم التى رحلت بعد أن أكملت رسالتها .. أو قبل أن تكملها .. يقرأون آيات يعظم فيها الله عز وجل من قدر الأمهات والأباء .. وتجعل من طاعتهما ما يلى طاعة العبد لربه .. هذا هو المعتاد..
أما غير المعتاد .. والقاسى قسوة ألم سكب زيت مغلى فوق اللحم العارى .. القاسى قسوة الرقاد فوق زجاج مهشم .. قسوة التمرغ فوق جمرات متقدة .. هو أن تذهب الأمهات إلى حيث يرقد الأبناء .. يذهبن حاملات الزهور يضعهن فوق قبور تضم الأحباء الصغار ..
** فى هذا اليوم .. أذهب أنا الأم محتضنة باقة من زهور ( التيوليب ) .. هذه الزهرة النادرة الرائعة الجمال برشاقتها وشموخها ..
زهرة تتناسب وجمال محيا الحبيب.. تتناغم وجمال روحه وجمال عقله هذا الغائب الحاضر دائمًا .. تتسق ورشاقة قده وملوكية طلعته .. وعظمة غلاوته .. وندرة تكراره ...
أحمل لك يا ( خالد ) التيوليب الذى كنت تعشقه.. وزجاجة عطرك المفضل ( 1881) .. أجلس ملتصقة بالشاهد الرخامى الذى يحمل اسمك الخالد.. تعلوه كلمات الله ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية وادخلى فى عبادى وادخلى جنتى ) .. وأضع زهور التيوليب داخل الفازة.. وأرش الشاهد والأرض حوله بالعطر الراقى الهادئ كما رقيك وهدوءك يا حبيب العمر ورفيق الأيام والساعات والدقائق والثوانى ..
وأجلس وأفتح كتاب الله الكريم لأقرأ لك ..
والتصق أكثر بالشاهد الرخامى وألف ذراعي حوله بقدر ما أستطيع ... ألقى برأسي الثقيل المتعب عليه..
أتأمل صامتة ما يحدث .. أشعر كأن كل شيء فى المكان من إعدادك أنت لتهدينى هذا الإحساس بالهدوء والسكينة ..
كل شئ جميل .. طراوة ملمس الرخام تحت خدي تعطيني شعور بالراحة المفتقدة منذ غيابك .. رائحة العطر الراقى الهادئ تتسلل لروحي كأنها يد حنون تطبطب عليّ .. أرفع رأسي أنظر إلى الأفرع المتدلية من (تعريشة نبات الظل) حاملة زهور مختلفة الألوان .. الأبيض والأحمر والوردى والبنفسجى .. وحولى .. صبار فريد تخرج منه على غير المعتاد زهرة قرمزية اللون كأنها قرنفلة صغيرة ..
وصوت عصافير أسمعها ( تزقزق ) ولا أراها .. ونسمات هواء طرية هادئة .. كأنني فى الجنة ..
هذا الجمال المتكامل من صنعك أنت .. هديتك لأمك فى يومها ( عيد الأمهات ) ..
هدوء المكان .. نظافته .. بساطته .. أناقته ..الرائحة العطرة .. كل هذا كأنه من صنعك فأنت تعرف ماذا أحب فتهديه لي ..
أتأمل وأتساءل كيف يكون كل هذا الجمال هنا ؟ رغم أن هنا اسمه ( المقابر ) .. وكل هذا القبح هناك فى الخارج رغم أنها اسمها الحياة !! ..
جمال وهدوء هنا لا يقارن بقبح وضجيج هناك .. لو أني قد خيرت لاختارت هنا سكنًا دائمًا لي .. وحتى تأتى ساعة اللقاء ..
وأجلس مبحرة أستعيد الماضى .. وأتذكر كيف كانت دائمًا جلستك على الأريكة بجانبي ملقيًا رأسك فوق صدري لافًا ذراعك حول وسطي وأنا أتخلل بأناملي خصلات شعرك الأسود الناعم الطويل حتى كتفيك .. وأمر بشفتي فوقه أتشمم رائحتك الملائكية الطاهرة .. وبحنو أناملى أرفع وجهك نحوى وأوزع قبلاتي ناعمة خفيفة فوق جبينك ووجنتيك ..
والآن أجلس أتأمل الحاضر .. أتأمل نفسي وأنا أجلس محتضنة ( الشاهد ) الرخامى .. ملقية برأسي المثقل فوقه .. أجول بشفتي فوق حروف اسمك المحفور فوق الرخام يا ( خالد ) .. أقبله حرفًا حرفًا حتى أصل لآخر حرف فأعود من جديد للحرف الأول وأبدأ من جديد .. ثم وبهمس لا يسمعه غيرنا أبدأ أحكى معك حكاية العمر .. أحكى لك قصة حبي وعشقي وهيامي وذوباني .. أحكى لك عنك فلذة كبدي وأروع حكايات العمر ..
أحكى لك أنك دائمًا كنت الأحب والأغلى والأعز والأهم .. أحكى لك عني أنا أمك التى حملت فى طفلي وأنا مازالت طفلة أيضًا .. لكني كنت أفعل معك كما تفعل الأمهات الكبار.. أترقب رفرفة نبضاتك الصغيرة داخلى كنبض عصفور .. أتأمل حركاتك وقت أن زادت وأصبحت فى بعض الأحيان شقية الركلات .. أراقب نمو حجم
( بطني ) وأربت عليه بكفي بحنو وهدوء كما لو أني أطمئنك فى داخلي .. وتمر الساعات وأنا أحكى وأحكى ..
وينطلق صوت أذان العصر .. فأنهض .. وأدخل إلى مسجدك الصغير الأنيق .. وأنطلق بصوت عاليًا بالتكبير كأني أدعوك للصلاة معي فى محراب مسجدك الطاهر ..
ثم وبعد دفقات الدعاء لك .. وأمطار الدموع عليك .. أخرج .. وأجلس ثانية .. وأسند رأسي على الشاهد .. وألف ذراعي حوله .. أحتضن الشاهد .. وأحتضنك يا حبيب العمر ..
ثم أحكى من جديد عن رحلة العمر الجميل وقت أن كان لي عمر جميل .. أحكى عن كل سنة وكل شهر وكل يوم وكل ساعة وكل دقيقة وكل ثانية وكل لحظة كنا معا ...
أحكى لك .. وأبكى بين يديك .. وأغضب من نفسي .. فأنا لا أريد أن أحزنك ببكائي .. أنا لا أريد إلا أن أسعدك بقدر ما أسعدتني .. وأنت قد غمرتنى سعادة ..
** حبيبي أنت ..
** حبيبى أنا ..
** حبيب أمك ..
أشكرك لأنك اخترتنى دون سواى أن تكون ابنًا لى هنا ..
وأرجوك أن تكون ابنى أيضًا هناك عندما آتيك ...
وكل عام وأنت ابنى هنا وهناك ..