الخميس 13 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الإخوان والثورة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليست جماعة الإخوان جماعة ثورية، ولكنها جماعة انقلابية، هي تدرك أنها لا تستطيع أن تقود ثورة، ولكنها تجيد تدبير المؤامرات، والمؤامرات دائما هي عنوان الانقلابات، والقارئ لأفكار الإخوان التي بثها فيهم حسن البنا ستقابله رسالة حسن البنا في المؤتمر الخامس والتي وضع لها عنوانا هو "الإخوان والثورة"  قال فيها (أما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها ولا يعتمدون عليها ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها) لذلك كانت علاقة الإخوان عبر التاريخ بالأنظمة تستمر فترة جيدة إلى أن يفكر الإخوان في الانقلاب على الحاكم ساعتها يكون الصدام، فعلوا هذا مع الملك فاروق، ومع جمال عبد الناصر، ثم مع السادات ومبارك، وفي كل مرة يرتكب الإخوان نفس الأخطاء، ثم يجأرون بالبكاء في محاولة منهم لتحويل انقلابهم على الحاكم إلى كربلاء جديدة، ولم يحدث في أي فترة من الفترات أن حاول الإخوان مراجعة تاريخهم، أو الاعتراف بخطئهم، إذ إنهم يتصورون وفقا لما عشش في نفوسهم أنهم الفئة الوحيدة في العالم التي حازت النقاء العقائدي والكمال الإنساني.
وعندما ظهرت في الأفق منذ سنوات بعيدة مراجعات الجماعة الإسلامية، التي أحدثت وقتها حالة جدل كبيرة، كان البعض ينصح جماعة الإخوان بولوج طريق المراجعات حتى ولو اقتصر الأمر على مراجعة التاريخ، إذ إن التاريخ بأحداثه وتدفقاته يصنع في بعض الأحيان أفكارا ويغير في أحيان أخرى أيديولوجيات، إلا أن جماعة الإخوان إذ طُلب منها ذلك صنعت لنفسها أذنا من طين وأذنا من عجين، وكأن الأمر لا يعنيها، بل كانت وجوه قادة الجماعة تمتعض وكأن المراجعة من المحرمات التي ينبغي للمسلم أن يتجنبها أو الحرمات التي لا يجوز له الاقتراب منها، وكل الذي حدث من الإخوان وقتها أن قال المرشد الأسبق الحاج مصطفى مشهور (إن جماعة الإخوان جماعة ربانية لا يقترب الخطأ من حياضها!! وأنني لا أتصور المراجعة لجماعة مرجعيتها هي القرآن والسنة، وأن من يطالبون بالمراجعة لا يفهمون أن الخطأ لا يتطرق إلى الجماعة لأن يد الله مع الجماعة) ومن بعده رد المرشد التالي له المستشار مأمون الهضيبي رحمه الله مستنكرا مطالبات المراجعة قائلا: (ماذا نراجع؟ نراجع القرآن أم نراجع الحديث الشريف؟)، وإذا قمنا بغض الطرف عن تلك الأقوال التي تجعل من جماعة الإخوان جماعة المسلمين وليست جماعة من المسلمين بل وتجعلها كأنها هي الإسلام ذاته وتضع فهمها للقرآن والحديث في مرتبة الصواب المطلق الذي لم يقل به أو حتى يدعيه جيل الصحابة وأجيال التابعين وتابعي التابعين وفقهاء الأمة المعتبرين على مر عصورها، إلا أننا لا يمكن أن نغض الطرف عن الخلط الذي تقوم به الجماعة دائما بين الأفكار التي تعتمد على فهم المسلم المجتهد للقرآن والحديث وفقا لقريحته وبين الممارسة الحقيقية للأفكار على أرض الواقع والتي تخضع للصواب والخطأ... كما أننا أيضا لا يمكن أن نغض الطرف عن أن من أخطر النتائج التي تواجهنا إزاء جماعة تدعي القداسة هو أنها ستعتبر خلافاتها السياسية مع الآخرين هي خلاف بين الإسلام والكفر الذي يعادي الإسلام الذي هو بعينه في تقديرهم "جماعة الإخوان" وهو الأمر الذي حدث بالفعل عندما ثار الشعب على جماعة الإخوان وطريقة حكمها، ساعتئذ وقع في ضمير الشباب الإخواني مسلوب العقل أن هناك مؤامرة دبرها أعوان الكفر ضد الإسلام!!.
مما لا شك فيه أن الإنسان يحتاج دائما إلى وقفات يتأمل فيها تاريخه أو بالأحرى ماضيه ومواقفه وقراراته.. يحتاج على وجه الخصوص أن يراجع طريقة ممارسته لأفكاره هل أصاب فيها أو أخطأ، والإنسان أو الجماعة التي تنأى بنفسها عن المراجعة بزعم أنها ربانية غالبا أو حتما تقع في نفس الخطأ أكثر من مرة وتلدغ من نفس الجحر مرات ومرات وتصطدم بالحائط نفسه في كل مرة، وأظن أن الأزمة التي أدخلتنا فيها تلك الجماعة، وأدخلت نفسها فيها، لن تنتهي دون أن تنقسم تلك الجماعة وتتحارب فيما بينها، إذ سيتحول البعض منهم إلى مجموعة متطرفة في التكفير شديدة الانغلاق، لا تعرف إلا الدماء والقتل باسم الدين، ولكن لا بد أن تخرج أيضا جماعة تسعى إلى مراجعة التجربة التي مرت بها الجماعة وستقودها هذه المراجعة إلى مراجعة تاريخ الجماعة ككل، ومراجعة التاريخ سيقودها حتما لمراجعة الأفكار، ساعتها أن حدث هذا ستعرف جماعة الإخوان لأول مرة طريق الثورات، ولكنها ستكون ثورة داخلية تنسف القديم، ولكنها هل ستصنع جديدا؟ هذا ما سيجيب عنه التاريخ.