الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

إيلي حاتم يكتب: أزمة مرفأ بيروت لماذا يرفض حزب الله فرضية العمل الإجرامي؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 لماذا تمتنع الحكومة اللبنانية حتى الآن عن إطلاع هيئات الدفاع على تقرير القمر الصناعى الروسى؟ 

 

تفجيرات تولوز المماثلة أثبتت أن مادة نيترات الصوديوم تحتاج إلى مفجر مساعد ولا تنفجر ذاتيًا أو بالحرارة

فى وقت متأخر من بعد الظهيرة - منتصف نهار 4 أغسطس 2020، دوى انفجاران ضخمان فى بيروت، مما تسبب فى تدفق هواء مرعب، وزلزال قوى شعر به على بعد عشرات الكيلومترات من هذه المدينة. وقع هذان الانفجاران متتاليين فى ميناء العاصمة اللبنانية، وشهد عدد من سكانها، بمن فيهم سكان الجبل المجاور، أنهم سمعوا صوت طائرات مقاتلة، قبل هذه التفجيرات وأودت الكارثة بحياة أكثر من 200 شخص وأصيب ما يقرب من 7000 شخص، وأصابت الأضرار التى لحقت بالممتلكات دائرة نصف قطرها 20 كيلومترًا من الميناء.

 

يأتى سبب هذه المأساة من انفجارين بلغ وزنهما ٧٥٠ طنًا من نترات الأمونيوم، ترسبت فى أحد المخازن فى الميناء. كان الرئيس الأمريكى أنذاك، دونالد ترامب، بعد إبلاغه بتلك الواقعة، مقتنعًا بالمعلومات التى تلقاها، وتأكد أن هناك عاملا إجراميا وراء الانفجار؛ ثم قال فى تصريح للصحافة: «قابلت جنرالاتنا ويبدو أنه لم يكن حادثًا صناعيًا.. يبدو أنهم يعتقدون، فى ضوء الانفجار، أنه كان هجومًا، كان نوعًا من القنبلة، نعم... هجوم وليس حادثًا.. سأقول هجومًا رهيبًا». من جانبه، أثار الرئيس اللبنانى ميشيل عون، فى ٧ أغسطس ٢٠٢٠، فرضيتين هما أصل هذه الانفجارات: «صواريخ» أو «إهمال». 

عمل إجرامى أم حادث عرضى؟ 

فى الحقيقة، فى عام ٢٠١٣، رست سفينة شحن ترفع علم مولدوفا من جورجيا إلى موزمبيق (رسميًا)، تحتوى على ٢٧٥٠ طنًا من نترات الأمونيوم، فى ميناء بيروت بطريقة مفاجئة وغير متوقعة. 

مشاكل فنية عديدة تعرضت لها السفينة وأجبرتها على التوقف فى الميناء. وتخلى إيجور جريتشوشكين مالك سفينة الشحن - التى كانت تسمى «روسوس» ويحمل عدة جنسيات منها الجنسيتان الروسية والقبرصية- عن السفينة بعدما أبلغه القبطان بحالتها المتهالكة غير اللائقة للملاحة وطاقمها كذلك. 

ووفقًا لإيجور بروكوتشيف، قبطان سفينة روسوس، اتصل به إيجور جريتشوشكين مسبقًا وطلب منه أخذ معدات ومستلزمات البناء من السفينة ليتم تسليمها إلى الأردن، ولكن يبدو أنه لم يكن لديه ما يكفى من المال لدفع رسوم مرور قناة السويس. 

حتى الآن، لا توجد معلومات تؤكد ما إذا كان إيجور جريتشوكين هو مالك أو مستأجر سفينة ريسوس. 

ولم تتمكن سلطات الموانئ اللبنانية من الحصول على الرسوم المستحقة من مالك سفينة الشحن، التى منعها وضعها غير الملائم من استئناف مسارها وأُجبر أفراد الطاقم على البقاء على متنها، دون موارد مالية، مما دفع السلطات اللبنانية إلى توصيل الطعام إليهم.

 وبعد عام، فى عام ٢٠١٤، غادر الطاقم السفينة الغارقة، وفى هذا السياق، تم تفريغ محتوياتها، التى استولت عليه المحاكم اللبنانية بسبب عدم دفع رسوم الميناء، ووضعت فى مخزن رقم ١٢ بميناء بيروت، المخصص للبضائع المضبوطة. 

 

جوانب من الغموض تحوم حول القضية

 الولايات المتحدة (التى أرسلت على الفور أعضاء من مكتب التحقيقات الفيدرالى إلى ميناء بيروت بعد ساعات قليلة من الانفجارات، مثل الفرنسيين والبريطانيين الذين أرسلوا أيضا أعضاء من أجهزتهم) رفضت تقديم صور الأقمار الصناعية لوقت الانفجارات، وردت فرنسا بأن أقمارها الصناعية لم تكن تعمل فى منطقة الميناء وقت وقوع هذه المأساة. 

فى البداية، لم تكن روسيا فى نزاع مع العالم الغربى، وأدعت أن صور قمرها الصناعى ليست ذات أهمية كبيرة فى هذا الصدد ولم تعط موسكو هذه الصور إلى السلطات اللبنانية حتى أواخر عام ٢٠٢١ عندما بدأت علاقاتها مع الولايات المتحدة وحلفائها فى التصعيد.. لكن حتى يومنا هذا لم يتم الكشف عن محتوى هذه الصور. 

وتخلى المحققان اللبنانيان عن نظرية الاعتداء أو الفعل الإجرامى من أصل هذه التفجيرات، دون استبعاد تام، بما فى ذلك القاضيان اللذان كلفا على التوالى بهذه القضية، فادى صوان ثم طارق بيطار حيث أبعد فادى بعد ذلك عن القضية بسبب طعون رفعها ضده شخصان متهمان بالإهمال هما وزير المالية على حسن خليل ووزير الأشغال العامة غازى زعيتر.

 والمسألة الرئيسية فى هذه الواقعة هى تحديد المصدر الرئيسى للتفجيرين؛ ومن المسلم به أنه لا يمكن استبعاد إهمال السلطات العامة لتركها هذه الكمية الهائلة من نترات الأمونيوم داخل ميناء العاصمة؛ لكن تزامن انفجارها خلال فترة عاصفة بشكل خاص على المستوى السياسى، وتحديدا بعد أزمة مالية واقتصادية اندلعت فى عام ٢٠١٩، إنه بالفعل أمر محير. تم تخزين هذه المواد منذ عام ٢٠١٣ ولم تنفجر إلا بالتزامن مع تدهور الوضع السياسى فى بلد الأرز. 

 

التشابه مع انفجار قذائف AZF فى فرنسا

وتشبه هذه الحالة إلى حد ما انفجار ٤٠٠ طن من نترات الأمونيوم فى مصنع الأسمدة AZF (AZote Fertilisants) فى منطقة تولوز بفرنسا فى عام ٢٠٠١، الإجراء الطويل المتعلق بهذه القضية، الذى اختتم بشكل نهائى بحكم محكمة النقض الصادر فى ١٧ ديسمبر ٢٠١٩، بالإضافة إلى جميع التحقيقات والتقييمات التى أمر بها أثناء التحقيق فى هذه القضية كما هو الحال فى لبنان، ترك خلفه العديد من قضاة التحقيق فى هذه الواقعة، وكل هذا ترك الرأى العام فى حيرة من أمره وتم رفض نظرية العمل الإجرامى أخيرًا.. حتى اليوم، لا يزال هناك جدل حول أسباب هذا الانفجار: هل كان هجومًا أم حادثًا تقنيًا أم حادثًا صناعيًا؟

 وحكم القاضى الفرنسى بمسؤولية مدير المجمع الكيميائى الذى تم تخزين هذه المنتجات فيه، سيرج بيشلين، وكذلك شركة جراند بارواس Grande Paroisse،  حُكم على سيرج بيشلين نهائيًا بالسجن لمدة ١٥ شهرًا مع وقف التنفيذ بتهمة القتل غير العمد بالإضافة إلى غرامة قدرها ٤٥٠٠٠ ألف يورو وشركة جراند بارواس بغرامة قدرها ٢٢٥٠٠٠ ألف يورو واعتبرت المحكمة أنهم مذنبون بسبب «الإهمال» و«الأخطاء الجسيمة التى جعلت الكارثة ممكنة الوقوع». 

ويتبين لنا أن استحضار هذه القضية مثير للاهتمام من أجل المقارنة مع تلك المتعلقة بانفجارات ميناء بيروت والإجراءات التى حضرناها.. إجراءات كثيرة اتخذت فى فرنسا خلال هذه القضية القضائية، لتحديد كيفية انفجار هذه المادة، نترات الأمونيوم. ويتعلق الجدل الرئيسى بتفاعل كيميائى محتمل ناتج عن احتمال إطلاق ٥٠٠ كيلوجرام من ثنائى كلورو أوزوسيانورات الصوديوم (DCCNa) الذى كان من شأنه أن يتسبب فى انفجارات وعلى الرغم من أن محكمة استئناف تولوز رفضت هذه النظرية فى عام ٢٠٠٧، فإنه من المثير للاهتمام ملاحظة التقارب بين مختلف آراء الخبراء المتعلقة بأن نترات الصوديوم تحتاج إلى محفز للتسبب فى انفجارها. 

 

السبب حريق؟ 

فى الواقع، يستخدم هذا المنتج بشكل خاص، بالتوازى مع صفات الأسمدة الزراعية، للأعمال الترابية فى المناطق الصخرية وبحسب الخبراء، من الضرورى لتفجير الصخور إحداث انفجار فى «الديناميت» وبالتالى، فإن الحريق لا يكفى للتسبب فى انفجار هذه المادة التى تظل مع ذلك خطيرة إذا كانت عرضة لأقل شرارة تفجير. لهذا السبب أصيبت قرية فى لوت إت جارون بالذعر فى مايو ٢٠٢١ عندما اشتعلت النيران فى مبنى مزرعة يضم ١٠ أطنان من نترات الأمونيوم؛ فلقد كان قلق رجال الإطفاء المنهمكين فى إخماد هذا الحريق هو منع أى نوع من الشرار أو التفجير لمنع انفجار هذه المادة. وحقيقة، الخبراء الأمريكيون ليسوا على دراية بهذا الدليل ولتصحيح تصريح الرئيس دونالد ترامب، ورد على الفور فى وسائل الإعلام الأمريكية أن هناك مصنعًا للألعاب النارية فى المخزن رقم ١٢ فى مرفأ بيروت. 

وأخبرتنا روزين جاوجى، الصديقة المقربة للرئيس دونالد ترامب وعضو حملته الانتخابية الرئاسية الأولى، أن سبب الانفجارات كان حريقًا فى المصنع، وفقًا للمعلومات؛ بعبارة أخرى، كانت الشرارات من الألعاب النارية قد تسببت فى انفجاره. من الغريب أنه لم ينتاب المحققون ولا السياسيون فى لبنان القلق بشأن الأصل الإجرامى المحتمل فى هذه القضية وكان التركيز الرئيسى على الأسباب الثانوية التى ساهمت بلا شك فى هذا الضرر. 

لقد اندلع جدل بين الفصائل السياسية المختلفة لإلقاء اللوم على كل هذا الإهمال؛ حتى حزب الله، الهدف الرئيسى لهذا الجدل، لم يثر الفرضية الإجرامية التى كان من الممكن أن تسبب انفجارات.. تم الكشف عن سبب صمته تدريجيًا. 

 

لماذا يصمت حزب الله؟ 

الحزب السياسى والعسكرى، الذى كان موضوع حملة داخلية كبيرة كان وراءها قوى إقليمية ودولية، فقد تدريجيًا كل شعبيته، التى كان قد حصل عليها فى عام ٢٠٠٠ عندما نُسب إليه انسحاب الجيش الإسرائيلى من جزء كبير من الأراضى اللبنانية.

 وكان التوقف المفاجئ لأموال البنك الدولى وصندوق النقد الدولى لصالح لبنان - بحجة أن الحكومات المتعاقبة لذلك البلد لا تمضى قدما فى الإصلاحات - قد أغرق لبنان فى أزمة مالية غير متوقعة. سرعان ما فقدت العملة الوطنية خمسة أضعاف قيمتها، مما تسبب فى أزمة اقتصادية. هذه الحلقة المفرغة دفعت الدولة إلى الإفلاس، وفشلت فى تسوية ديونها، خاصة فى البنك المركزى واستمرت الليرة اللبنانية فى الانخفاض إلى أكثر من ٣٠ أضعاف قيمتها مقابل العملات الأجنبية (من ١٥٠٠ ليرة لبنانية للدولار الواحد إلى نحو ٥٠.٠٠٠ ليرة لبنانية للدولار الواحد حتى الآن) وتتفاقم هذه الصعوبات بسبب الصراع الإقليمى الذى أثارته الولايات المتحدة وحلفاؤها لخلق نزاع بين المسلمين الشيعة والمسلمين السنة. 

ودفع لبنان الثمن.. لم تستطع الدول العربية، ومعظمها من السنة، أن تأتى لإنقاذ بلد يوجد فيه عدد كبير من السكان والقوة السياسية المدعومة ماليًا وعسكريًا، وخاصة من قبل إيران الشيعية. استسلم الرأى العام أخيرًا، متهمًا السلطات العامة بالمسؤولية عن تدهور الوضع فى البلاد، مشيرًا بأصابع الاتهام إلى حزب الله، الذى تمكن من التمثيل فى الحكومات المتعاقبة وكذلك فى البرلمان.

 لقد تزايد السخط الشعبى واندلع تمرد شعبى فى عام ٢٠١٩، متهمًا الطبقة السياسية اللبنانية بأكملها بأنها وراء هذا الوضع. نشأت محاولات لإثارة حرب أهلية بين الطوائف ولكن الوعى الجماعى للأغلبية اللبنانية منع العودة إلى الماضى.. فلقد شهدت البلاد حربًا دموية استمرت ربع قرن قتلت فيها الفصائل والطوائف الداخلية فى المجتمع بعضها البعض. 

اعتبر حزب الله كبطل حرر جزءا كبيرا من بلد الاحتلال الإسرائيلى فى عام ٢٠٠٠ ويواصل كفاحه من أجل تحرير بقية الأراضى الوطنية (مزارع شبعا وعشرات القرى اللبنانية).. كان المفروض على حزب الله أن يتهم مرتكبى الأصل الإجرامى لهذه الانفجارات يُنسب إليها باعتباره حركة تحرير وطنى. وكان من شأن ذلك أن يدخل لبنان فى حرب جديدة، مثل تلك التى وقعت فى عام ٢٠٠٦ عندما دمر الجيش الإسرائيلى البنية التحتية للبنان، بعد إعادة إعماره استمرت منذ عام ١٩٩٠ وكان من شأن مثل هذا الوضع أن يزيد من تأجيج الرأى العام الداخلى ضد هذا الحزب السياسى، الذى تعرض لانتقادات كثيرة منذ التمرد الشعبى فى عام ٢٠١٩. 

تفسر بيانات أخرى تم الكشف عنها فى عام ٢٠٢٢ أن هناك سببًا ثانيًا أدى إلى تجاهل الأصل الرئيسى للانفجارات وعدم استغلال فكرة الدافع الإجرامى حتى لا يدفع ذلك حزب الله، مثل الأحزاب السياسية اللبنانية الأخرى، لاستغلال هذا العامل وزيادة الأمور تعقيدا. 

كما يفيد اكتشاف حمولات الغاز فى البحر المتوسط عدة دول بما فى ذلك لبنان وإسرائيل ومصر وقبرص خاصة أن استغلال هذه الثروة فى المناطق الاقتصادية الخالصة يتوقف على تحديد هذا المدى، وفقا لرسم الحدود بين الدول. ورغم أن لبنان فى حالة حرب مع إسرائيل ولا يعترف بشرعية أو وجود هذا الكيان، فقد اضطر لبنان إلى تتبع حدوده البحرية معه حتى يتمكن من الاستفادة من استغلال الغاز فى منطقته الاقتصادية الخالصة؛ فالوضع الاقتصادى المأساوى الذى وجد نفسه فيه دفع بيروت إلى بدء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، عن طريق الولايات المتحدة، على خلفية تنازلات مختلفة، وتم إرسال أمريكى إسرائيلى، عاموس هوشستين، الذى خدم فى الجيش الإسرائيلى من عام ١٩٩٢ إلى عام ١٩٩٥، من قبل واشنطن لهذا الغرض. 

وعلى الرغم من القانون اللبنانى لعام ١٩٥٥ والمادة ٢٨٥ من قانون العقوبات اللبنانى التى تحظر أى علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع أحد رعايا بلد عدو، فقد استقبله مسؤولون وسياسيون لبنانيون، بمن فيهم رئيس الدولة، الرئيس ميشيل عون الذى يعتبر صديقًا مقربًا لحزب الله، فى قصر بعبدا الرئاسى، وفى نهاية الاتفاق، رحب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بالمبادرة التى «ستمكن لبنان من الخروج من أزمته الاقتصادية والمالية من خلال استغلال الغاز وبيعه». 

وشدد على الطابع غير المباشر للمفاوضات التى أدت إلى هذا الاتفاق، وأشار إلى المعاهدات الموقعة فى زمن الحرب بين الدول المتحاربة.

 وبالتالى، لا يمكن اعتبار هذا الاتفاق، القائم على أساس الأمر الواقع، اعترافا بـ«الكيان الصهيونى» أو إضفاء الشرعية عليه، واستشهد بمثل لبنانى فى هذا الموضوع، يدل على أن الحالة الكارثية والمحتاجة لبلاده أدت إلى التعامل مع الحقيقة المنجزة «نحن بحاجة إلى أكل العنب وليس قتل حارس مزرعة العنب». 

المسألة السياسية لهذه القضية

وتحت ضغط الرأى العام، اكتفى النظام القضائى اللبنانى، المحروم من الموارد فى بلد فى خضم أزمة اقتصادية، بإبراز إهمال السلطات العامة اللبنانية، التى تعرضت لأضرار، دون أن يجرؤ على فحص المصدر الرئيسى لهذه الانفجارات. 

وسرعان ما تم استجواب كبار المسؤولين فى اليوم التالى للانفجار وهم رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة منذ ٥ أغسطس ٢٠٢٠. وبالنسبة للبعض، بمن فيهم مدير الجمارك اللبنانية، بدرى ضاهر، فإن توقيفه والتحقيق معه من قبل المحكمة تم بطريقة غير نظامية، دون موافقة سلطته الأعلى. 

من ناحية أخرى، فإن قوات الأمم المتحدة، التى من المفترض أن تسيطر على جميع البضائع المتجهة إلى لبنان لتجنب إرسال أسلحة وذخائر إلى حزب الله، الذى أدرج فرعه العسكرى على قائمة الحركات الإرهابية من قبل الولايات المتحدة، لم تقلق. 

لقد سمح القضاة المكلفون بهذه القضية بالانجرار إلى الجدل السياسى، بعيدًا عن الترويج للحقيقة، وتجنب استغلال جميع الفرضيات ويعكس هذا التسييس فوضى بلد مفلس تتضاعف فيه التدخلات الأجنبية. 

وبعد اتهام حزب الله بتأثيره على ميناء بيروت وكذلك على عدة قطاعات من مؤسسات الدولة، وبالتالى كان سيستفيد من وجود هذه المواد، نترات الأمونيوم، من أجل اختطافها وبيعها أو توريدها إلى حلفائه، تم الكشف عن أن أقارب زعيم الميليشيا السابقة للقوات اللبنانية سمير جعجع، بما فى ذلك رجل يدعى إبراهيم صقر، يُزعم أنه يقوم بتخزين كميات من نترات الأمونيوم فى مزرعته، حيث أظهر تحليل محتويات تلك الكمية نسبة ٣٤.٧٪ من النيتروجين، نفس التركيب الموجود فى النترات التى كانت موجودة فى المرفأ. فى الواقع ولحسن الحظ، فإن ٢٠٠٠ طن من ٢٧٥٠ طنا من النترات المصادرة من سفينة روسوس التى تم التحفظ عليها فى ميناء بيروت قد اختفت.. واتهم معارضو القوات اللبنانية هذه الجماعة المعروفة بعدائها لسوريا و«النظام الحالى» بتحويل هذه المنتجات لبيعها للمعارضة السورية. 

وللأسف أصبح النقاش حول هذه الانفجارات مسيسًا مع تجاهل للحق الأساسى للضحايا وأسرهم فى معرفة الحقيقة وراء كل ماحدث. 

وتحول إلقاء القبض على مسؤولين رفيعى المستوى إلى احتجاز تعسفى حقيقى، لا سيما عندما تم إبعاد القاضى البديل الثانى لفادى صوان، طارق بيطار، من هذه القضية لمدة ١٣ شهرا؛ فلا يمكن استبداله إلا بما يعادل قرار من مجلس القضاء كما هو الحال فى فرنسا. 

ولسوء حظ لبنان، بلغ اثنان من أعضاء هذا المجلس سن التقاعد ولم يتسن بلوغ النصاب القانونى، مما أدى إلى فراغ قانونى ضاعفه انتهاء ولاية رئيس الجمهورية والإبقاء على حكومة مستقيلة مكلفة بتسيير الشؤون الجارية. 

وفى ظل هذا الوضع المعقد وفى غياب قاضى الحريات والاحتجاز، كان من المفترض أن يحسم المدعى العام، خاصة نيابة محكمة النقض اللبنانية، مصير المحتجزين. 

وفى هذا السياق، أحال أحدهم، مدير الجمارك، إلى محكمة النقض التى وصل إليها ملف التحقيق، طلب الإفراج، فى ١٧ نوفمبر ٢٠٢٢، ووجه هذا الطلب الخاص بالإفراج إلى النائب العام، غسان عويدات، الذى أبدى رأيه الإيجابى بهدف الإفراج عن مقدم الطلب فى ٢٩ نوفمبر.

 لكن هذه القضية استمرت حتى الأوضاع الأخيرة، قبل أيام قليلة: استنكر قاضى التحقيق، طارق بيطار، هذه القضية بسبب حوالى أربعين شكوى ضده، وقرر تولى هذه القضية على الرغم من فزعه، واستند فى قراره إلى حجة قانونية طويلة رفضتها محكمة النقض والنائب العام الذى أمر بالإفراج عن جميع المحتجزين.

 وفى الحقيقة، وبعد الحجة القائلة بأن القاضى بيطار لا يمكن حرمانه من هذه القضية، تظل الحقيقة هى أن التخلى عن هذا الملف لأكثر من عام دون اتخاذ هذا القرار فى غضون فترة زمنية معقولة يعتبر سوء سلوك مهنى. ورفضت محكمة النقض والمستشارية اللبنانية حجة القاضى بيطار.. حقيقة تثير سياسة لى الذراع والصراع بين القضاة، والانقسامات السياسية فى الشارع الللبنانى، مخاوف من اللجوء إلى العنف فى بلد يعيش حالة فوضى، مما يؤدى إلى المزيد من الوفيات والضحايا.

 

معلومات عن الكاتب 

إيلى حاتم.. محام فى نقابة المحامين فى باريس ومحام بالمحكمة الجنائية الدولية (لاهاي) ومستشار مدير عام الجمارك فى لبنان الذى وضع رهن الحبس الاحتياطى فى اليوم التالى لانفجار ميناء بيروت.. يمتلك علاقات وثيقة من دوائر السلطة فى موسكو التى قامت فى نهاية المطاف بتسليم صور الأقمار الصناعية إلى السلطات اللبنانية فيما يتعلق بتوقيت الانفجارين.. ويعبر عن أسفه لأن الأسباب الرئيسية لهذه الانفجارات لا يتم التطرق لها لاعتبارات سياسية وجغرافية، فى حين أنه لا يتم إبراز إلا جانب ثانوى واحد فى هذا الملف ألا وهو الإهمال.. هنا يكشف لنا إيلى حاتم العديد من الأسرار.