رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

هشاشة الغرب سبب العدوان على أوكرانيا!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

 سياسة أوروبا الغربية أهدرت الفرصة التاريخية قبل عام لمنع الهجوم الروسى قبل بدايته وفشلت فى تجنيب نفسها كل التداعيات التى تتحملها القارة العجوز حاليًا

 

 

 الحرب تدمر أوكرانيا وشعبها، لكن ذلك لا يخلو من عواقب على أوروبا. لأول مرة منذ عام ١٩٨٠، يمثل التضخم مشكلة خطيرة هناك ونحن نعيش أسوأ مما كنا عليه قبل ٢٠ عامًا. ومع ذلك، فإن الجزء الأكثر صعوبة هو أن التوقعات لا تدعو الى التفاؤل بأى شيء. حيث يموت ما لا يقل عن مئة شخص كل يوم من كلا الجانبين. فالمشكلة هى أن الصراع سوف يستمر.
دخل الروس سوريا عام ٢٠١٧، ولا يزالون هناك حتى اليوم، ورغم أن عناوين الأخبار تخلو من الحديث عن القتال ورغم هدوء الوضع إلى حد ما، إذ إن روسيا لا تستطيع شن حرب على جبهتين.
ومع ذلك، فإن البعد المأساوى للحرب هو أن هجوم بوتين منطقى. وأنه كان متوقعا ولكن يمكن منعه. إنها حقيقة بسيطة يمكن فهمها.
ونجحت أوكرانيا حتى الآن فى الدفاع عن نفسها بسبب تفعيل آليات المساعدة العسكرية، وبدأ هذا بزيارة رؤساء الوزراء الثلاثة، مورافيتسكى وفيالا ويانشا إلى كييف فى ١٥ مارس ٢٠٢٢. كانت هذه الرحلة أكثر من مجرد تعبير عن التضامن مع الشعب الأوكرانى. لقد كان علامة على التغيير فى ميزان القوى، لأن أوروبا الشرقية أظهرت للغرب كيفية التعامل مع الوضع الحرج.
منذ هذا الوقت، كان قلب أوروبا الذى يضم بروكسل وبرلين وباريس محفزًا لتقديم المساعدة العسكرية. لذلك، كانت هناك نقطة تحول سمحت لأوكرانيا (بمساعدة الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى) ليس فقط بتحييد الاختراق العسكرى الروسى، ولكن أيضًا بتنفيذ بعض الهجمات المضادة فى خريف عام ٢٠٢٢.
هنا يأتى المغزى الأساسى: لو أن المفوضية الأوروبية قد أبلغت بوتين بوضوح وبشكل لا لبس فيه، فى يناير ٢٠٢٢، بأنها ستدعم أوكرانيا عسكريًا فى حالة حدوث عدوان، لما تجرأ بوتين على خوض الحرب.
وهكذا أهدرت سياسة أوروبا الغربية الفرصة التاريخية قبل عام للقضاء على العدوان الروسى فى مهده، وبذلك تجنيب نفسها كل العواقب التى تتحملها القارة العجوز الآن. ليست هذه هى المرة الأولى فى التاريخ الحديث التى يحدث فيها هذا. حدث رد فعل مماثل فى عام ١٩٣٨، عندما تم توقيع اتفاقية ميونيخ. لقد أعلن نفس الفئة من الطبقة السياسية أنها ضامنة للسلام. لكنها كانت فى الواقع مقدمة للحرب.
لقد أظهر محور بروكسل - برلين - باريس، الذى يحكم القارة العجوز بحكم الأمر الواقع، فى حالة أوكرانيا عدم قدرته على حماية المصالح الحيوية للمواطنين. فقد كانت هناك إشارات خارجية إلى أن المسئولين مهتمون بشكل واضح بمصالحهم الخاصة، وليس مصالح المجتمع. إن ٧٥٪ من القرارات التى اتخذها البرلمان الأوروبى هى بشكل ملحوظ نتيجة عمل جماعات الضغط وراء الكواليس التى تمثلها فى جزء كبير منها، الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات، التى تغمرها بالفعل أيديولوجية «اليقظة». إنها مزيج من النزعة الاستهلاكية الليبرالية. نحن نحيى ثورة ١٩٦٨ أساسًا، ولهذا السبب يبدو أن القارة العجوز قد وصلت إلى نقطة اللاعودة. ومن أجل فهم الأسباب والعوامل التى أدت إلى رسم قطعة الشطرنج بشكل واضح، يجب على المرء أن يعود بالزمن إلى الوراء؛ حيث سعى فلاديمير بوتين إلى الاقتراب من الناتو والاتحاد الأوروبى فى عام ٢٠٠١، لكن نواياه لم تؤخذ على محمل الجد. لقد فعل ذلك لأن روسيا كانت آنذاك تفشل فى مواجهة أوروبا وحلف شمال الأطلسى.
كانت أوروبا مليئة بالحيوية فى ذلك الوقت وتجاهلت قوتها بغطرسة. ولكن اليوم، الوضع اختلف: ظلت روسيا ضعيفة كما كانت من قبل، لكن أوروبا فقدت قوتها، لذلك تمت استعادة التوازن. وتعتبر الفترة بين العام الذى أعرب فيه بوتين عن رغبته فى الانضمام إلى الهيئات عبر الأطلسى والاتحاد الأوروبي(٢٠٠١) والغزو الروسى على الأراضى الأوكرانية (٢٠١٤-٢٠٢٢) مؤشرًموضوعيً على تراجع القوة الأوروبية. منذ احتلال شبه جزيرة القرم، غاصت القارة بشكل متزايد فى الدمار الذى لحق بها.
بعد الاحتلال الروسى لشبه جزيرة القرم، انشغلت السياسة الغربية فى التعامل مع مجموعات المثليين وثنائيى الجنس والمتحولين جنسيًا، وقمع بولندا والمجر، والتعامل مع عواقب وصول ملايين المهاجرين الذين تسببت فى موجات المد نفسها.
أجرى ديمترى إيفستافيف، أستاذ العلوم السياسية وأحد الأشخاص الذين يشكلون الرأى العام فى روسيا، حديثًا مقابلة مع صحيفة دينيك اليومية التشيكية. وتحدث دون تردد: «بينما كنتم تضحكون علينا وتحتقرونا، نشأت روسيا جديدة، روسيا غير سوفيتية بالكامل، روسيا التى ليس لديها أى شيء مشترك مع صورة الماضي». وتابع بشكل ينذر بالسوء أكثر: «لقد ولدت روسيا التى تظهر بوضوح أنها لا ترى أوروبا كشريك. لدينا ثلاثة شركاء فقط: الولايات المتحدة والصين والهند. بالنسبة لنا، أنتم غنائم الحرب التى نشاركها مع الأمريكيين. أوروبا لم تفهم هذا بعد، لكنها ستفهم «.
فى الوقت الحاضر، من المستحيل بالطبع التنبؤ بالمستقبل، ولكن هناك أمر واحد مؤكد: العالم الذى انقلب بشدة رأسًا على عقب قد انتهى هنا. ٢٤ فبراير ٢٠٢٢ هو تذكير بأن التاريخ لم يقل كلمته الأخيرة: أن مفاهيم مثل الدم والأرض والأمة والجيش والدولة لم تنهر.
إنه تذكير بأن بعض المشكلات التى تم تضخيمها فى المجتمعات الغنية حول القش البلاستيكى ومحطات الطاقة الحرارية والإنسانية المزيفة حول المهاجرين وما شابه تتلاشى عندما تبدأ القنابل فى السقوط. نحن نرى الأشياء بشكل أكثر وضوحًا الآن.
نلاحظ بشكل خاص ما يلى: لقد وجدنا الماركسية الثقافية الجديدة التى شجعها الغرب تحالفت مع أيديولوجية الكرملين فى سعيها لتدمير البنية الثقافية لأوروبا وشعوبها ليشكلا معا حليفًا غير محتمل.
وها هو الفاتيكان يشهد سقوط الغرب (٢٠١٣-) دون أن ينبس ببنت شفة للدفاع عنه. على العكس من ذلك، شجعها الكرسى الرسولى عن غير قصد بسياسته المتناقضة بشأن الهجرة غير الشرعية، كما لم ترسل الفاتيكان كلمة احتجاج واحدة عندما يتعلق الأمر باضطهاد المسيحية على أعلى المستويات السياسية فى بروكسل. يكفى أن نقارن بين التزام جان بول الثانى بالتزام فرنسوا الأول الحالى لنرى الفرق.

 

معلومات عن الكاتب 

 سيباستيان ماركو تورك، أستاذ جامعى حاصل على الدكتوراه فى الآداب من جامعة باريس- السوربون، متخصص فى الأدب الفرنسى، ويقدم بانتظام برامج سياسية وجيوسياسية على التلفزيون السلوفينى.. يطرح هنا رؤية مثيرة للاهتمام خاصة بمثقف قريب من أوكرانيا ويتعرض للصدمة أحيانا مما يعتبره ضعفا أوروبيا، كان له تأثيره على وضع القارة العجوز.