الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

حقوق الإنسان بين الغرب والعالم

الدكتور عبد المنعم
الدكتور عبد المنعم سعيد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 منذ أصبحت «العولمة» أحد خصائص العلاقات الدولية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وتحديدًا بعد انتهاء الحرب الباردة؛ فإن قضية «حقوق الإنسان» أصبحت جزءًا هامًا من بنيان التفاعلات الجارية فى النظام العالمى الذى بات منقسمًا بين الغرب (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والدول المتحالفة معهما مثل اليابان وأستراليا)، وبقية دول العالم أو كما بات يقال The West and the Rest. القضية جرى ذكرها على الوجه التالى: أنه طالما كان الغرب هو أكثر دول العالم تقدمًا، فإن خصائص تقدمه من رأسمالية وديمقراطية وحقوق إنسان لابد وأن تكون ذات طبيعة عالمية للحداثة والتقدم. صياغة القضية على هذا النحو أخذت الكثير من الأسس التى قام عليها النظام الدولى المعاصر بعد الحرب العالمية الثانية ومن بينها العهد الدولى لحقوق الإنسان وغيرها من المواثيق، ومنها دار السعى لكى تكون ذات صفات ملزمة للدول تستخدم أحيانا لكى تؤكد على أن مخالفتها تعكس حالة التخلف والاستبداد. وتفرع عن ذلك استخدام حقوق الانسان للضغط على دول العالم المختلفة خاصة عندما تدخل التفاعلات الدولية إلى مجالات اقتصادية أو أمنية أو استراتيجية مختلفة حتى ولو جرى ذلك مع حلفاء للغرب فى العديد من مناطق العالم. 
والحقيقة هى أنه لا يوجد خلاف من حيث المبدأ حول حقوق الإنسان حيث انضمت غالبية عواصم العالم إلى العهد الدولى لحقوق الإنسان والعديد من الاتفاقيات التى تنظمها وتراجعها هيئات دولية تابعة للأمم المتحدة. ومن المبدأ العام إلى التطبيق فإنه لا يوجد خلاف بين هذه العواصم، ومن بينها مصر ودول الشرق الأوسط أو حتى روسيا والصين وغيرها من الدول، على ضرورة احترام حقوق الإنسان. موضع الخلاف هو «إشكالية حقوق الإنسان» غير المختلف عليها حينما تنصب الولايات المتحدة ودول غربية أخرى نفسها مدعيًا وحكمًا وقاضيًا ومفسرًا ومدبرًا ومهددًا ومعاقبًا أحيانًا لإرضاء جماعات فى الساحة السياسية الأمريكية أو الأوروبية لأغراض انتخابية محضة، وكل ذلك إلى الدرجة التى تترك آثارًا سلبية على مصالح هامة. هذه الدول والهيئات الغربية وهى ترفع قضية حقوق الإنسان تتجاهل مبدأ دوليًا هامًا جرى إرساؤه فى العلاقات الدولية منذ عام ١٦٨٤ عندما جرى التوقيع على معاهدة «وستفاليا» حيث تم إرساء قاعدة «عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول»، وهو المبدأ الذى ظل مستقرًا حتى إنشاء الأمم المتحدة التى أقرته وجعلته واحدًا من أعمدة وجودها. هذا المبدأ استند إلى ثلاثة أمور: أولهما أن الدول مثل الإنسان تختلف الواحدة عن الأخرى فى درجات التطور والتغيير والتقدم الاقتصادى والاجتماعى والثقافى التى تفرض ضرورة أن يكون أهل مكة دائمًا أدرى بشعابها وكيفية التعامل مع مشاكلها وقضاياها. وثانيًا أن عواقب التدخل دائمًا سلبية لعدم الفهم واختلاف البنية السياسية والثقافية. وثالثا أنه إذا كان هناك ثمة خطأ ما يحدث فيما يتعلق بحقوق الإنسان، فإن الأكثر لياقة وفاعلية أن يترك الأمر للدولة ذاتها للتعامل معه. وإذا كان ذلك هو الأساس فإن التجربة الغربية المعاصرة تشهد أن إعادة تشكيل الدول والأمم تؤدى إلى جرائم أكثر وأفدح بكثير لحقوق الإنسان. وخلال العقدين الماضيين قامت الولايات المتحدة بغزو أفغانستان والعراق، وفى كلاهما أعلنت أهدافًا استراتيجية أو سياسية، وأعلنت أنها سوف تقوم بإعادة تشكيل الدولتين على الفضائل الديمقراطية والحقوقية الأمريكية. الآن نعرف حقيقة ما جرى، وما هى الحالة التى انتهت إليها الأحوال فى بغداد وكابول بعد أن قامت واشنطن موضوعيًا بتسليم كلاهما مرة لجماعة طالبان الإرهابية فى أفغانستان؛ ولإيران والإرهاب فى العراق. وبعد عام من الغزو الأمريكى للعراق، وفى أوائل ٢٠٠٤ تفجرت فضيحة انتهاكات سجن «أبو غريبـ« فى العراق بحق سجناء كانوا فى السجن. وتلك الأفعال قام بها أشخاص من الشرطة العسكرية الأمريكية بالإضافة لشركات سرية أخرى. وتعرض السجناء العراقيون إلى انتهاكات تضمنت إساءة معاملة واعتداءات نفسية وجسدية وجنسية، وأفادت تقارير عن حالات اغتصاب وقتل. 

ترامب


ما جرى فى هذه الأمثلة لا يعد تبريرًا لانتهاكات حقوق الإنسان فى دول أخرى، وإنما هى فى هذا المقام للتأكيد على أن دول العالم كما هو الحال مع الأفراد والجماعات والدول تحتاج إلى عملية للتطور السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى لوضع البيئة الملائمة، والقدرات اللازمة لهذه الدرجة من درجات التطور الإنسانى. أبلغ الأمثلة على ذلك يأتى من الولايات المتحدة ذاتها، فرغم المبادئ السامية لإعلان الاستقلال الأمريكى باعتماد قاعدة «العبودية» فى دستور الولايات المتحدة، ولم يمض وقت طويل على قيام الدولة حتى شرعت فى عهد الرئيس الثانى للدولة «جون آدامز» قانون «الغرباء والفتنة» الذى كبح الحريات العامة خوفًا من إنتشار عدوى فوضى الثورة الفرنسية إلى الدول الأمريكية الفتية وتهديد استقرارها. وحتى بعدما جرت الحرب الأهلية (١٨٦٠- ١٨٦٥) ونتج عنها التعديلات الدستورية ١٣ و١٤و١٥ التى حررت العبيد وأعطتهم حقوق التصويت والانتخاب، فإن ما أعطى باليمين للأمريكيين الأفارقة من حقوق للإنسان جرى سحبها عن طريق قوانين «جيم كراو» التى قامت على قاعدة «متساوون ولكن منفصلون» التى احتاجت قرنًا كاملًا حتى يأتى قانون الحقوق المدنية ليرفع الكثير من الظلم وليس كله. 

 

جون أدامز


ورغم المسيرة التاريخية الطويلة الأمريكية والغربية فى العموم على طريق الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن واقع التأثير يشهد بما بات عليه حال السياسة فى أغلب دول الغرب خاصة فى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى حيث جرى أولًا حالة كبيرة من الانقسام بين اليمين المحافظ واليسار الليبرالى؛ وثانيًا الوهن الشديد للتوافق الضرورى للتعامل مع القضايا الجوهرية للمجتمع والدولة والتى تستوجب احترام الدستور ونتائج الانتخابات العامة والحفاظ على المساواة بين الأعراق وتكوين موقف عادل من المهاجرين واللاجئين. المثال الناصع على ذلك كان الأحداث «المؤسفة» لاقتحام مبنى الكونجرس الأمريكى فى السادس من يناير ٢٠٢٠ حيث بات واضحًا أنه من الممكن حتى فى الولايات المتحدة أن تنمو جماعات يمينية وفاشية، وأنه من الممكن أن تكون حقيقة حرية التعبير هى حرية التحريض، وحقيقة حق الاجتماع والتظاهر هى تصريح بتدمير المنشآت العامة ومنع المؤسسات من القيام بعملها. تكررت هذه الحالة فى البرازيل بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية بفوز «دى سيلفيا» وهزيمة «بولسنارو» حيث قام أنصار هذا الأخير بالهجوم على المؤسسات السياسية العامة استنكارًا ورفضًا لنتيجة الانتخابات. 
والواقع أن الاستخدام الغربى لقضية حقوق الإنسان لم تتجاهل فقط التجربة التاريخية الخاصة لدول العالم المختلفة؛ وإنما أكثر من ذلك فإنها وضعت النظام الدولى كله موضع الخطر. وأثناء الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكى جو بايدن وعد جمهوره بأنه سوف يستأنف الجهد مرة أخرى فى نشر ثقافة وسياسة حقوق الإنسان فى العالم بعد أن تجاهلها وسخر منها الرئيس السابق دونالد ترامب. كما وعد أيضًا أن يشكل حلفًا «ديمقراطيًا» عالميًا يضم الدول ذات النظام «الديمقراطى» فى العالم، وكان المقصود به الدول الغربية فى عمومها الواقعة فى إطار حلف الأطلنطى أو الدول الموقعة لمعاهدات دفاعية مماثلة مع الولايات المتحدة. كلا الأمرين مرتبطان فالتحالفات العالمية عادة ما تحتاج إلى هدف موحد يقوم على تعريف وتحديد لـ«الآخر» الذى قام التحالف فى مواجهته؛ وفى وقت من الأوقات كان ذلك ممثلًا للرأسمالية فى مواجهة الاشتراكية، والآن فإن صياغته تقوم على الديمقراطية فى مواجهة الاستبداد. النتيجة السلبية لهذا الاستقطاب العالمى هو محاولة نزع الشرعية السياسية عن قيادات أكثر من نصف دول العالم بما فيها دول قادرة مثل روسيا والصين ومسلحة تسليحًا نوويًا وجدت أنه لابد من مراجعة النظام الدولى وهو ما قاد العالم كله إلى هاوية الحرب الأوكرانية. وضعت الحرب العالم على حافة مواجهة ضروس تهدد الأمن الأوروبى وتضع الدنيا كلها على حافة المجاعة وتراجع التنمية، وكلاهما لا يهدد الحقوق السياسية لمواطنى العالم فقط، وإنما أيضا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. 

 

معلومات عن الكاتب 

 
الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة المصرى اليوم والرئيس السابق لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام ولمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية.. له مؤلفات عديدة معنية بالنظام العالمى الجديد، والشئون العربية، والشراكة الأوروبية، والصراع العربى الإسرائيلى، والقضايا الأمنية فى الشرق الأوسط، والسياسة المصرية والحد من التسلح.. يقدم، فى هذا المقال، تشريحًا علميًا لمنظور الغرب فى ما يخص قضايا حقوق الإنسان.