الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

هل وصلت «النهضة» إلى خط النهاية فى تونس ؟

راشد الغنوشي
راشد الغنوشي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

شهدت المنطقة العربية على مدار السنوات الإحدى عشرة الأخيرة، تحولات جذرية فى علاقة السلطة والمجتمع بتيار الإسلام السياسي، ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين، التى تعد المنبع الرئيس لفكر هذا التيار فى العالم بأسره.
وتعرضت الجماعة لانهيارات خطيرة فى بنائها التنظيمي، المعتمد على الأيديولوجيا التى روجت لها واتخذتها طريقا، كما انهار وجودها الشعبى الذى طالما اعتبرته طوال ثمانية عقود درعها وسيفها ـ سواء فى مصر التى تعد بلد المنشأ أو غيرها من الدول حتى تلك التى تمكنت من الوصول إلى السلطة فيها، مثل: تونس.
ويمثل نموذج الإخوان فى تونس، الذى تجسده حركة النهضة، تجسيدا واضحا لحالة تراجع الفكر المتطرف الذى تمثله الجماعة، وانهيار نفوذها الأيديولوجي، بعد أن قرر الشعب التونسى لفظ الأحزاب اليمينة وفى صدارتها حزب النهضة.
دور الإخوان فى تأزم الحياة السياسية والاجتماعية
فى عام ٢٠١٦ قرر قائد حركة النهضة راشد الغنوشي، إعادة تسميتها كحزب سياسى يحمل اسم: «الديمقراطيين المسلمين»، فى محاولة لاستقطاب أكبر عدد من المؤيدين وتعزيز صورة الحركة أمام الغرب.
إلا أن الحركة لم تستطع التخلى عن الفكرة الأساسية لدى جماعة الإخوان المسلمين، التى تعتمد على تأزيم الحياة السياسية والاجتماعية، لتصل إلى الحكم، على أنقاض المجتمع وأفكاره، وهو ما نجحت فيه إلى حد ما داخل تونس، خاصة بعد أن وصلت إلى إحدى جناحى السلطة فى البلاد، وهو البرلمان.
وصول الجماعة إلى مجلس النواب فى تونس، ثم الحكومة، أودى بالدولة إلى حالة جمود وانسداد سياسي، حيث سعت حركة النهضة لتحقيق أهدافها، والاستئثار بالقرار السياسى والاقتصادي، بحثًا عن المزيد من ترسيخ النفوذ، وإقصاء باقى أطراف العملية السياسية، وفرض الهيمنة على السلطات الأخرى، وبالأخص السلطة التنفيذية.
واستغلت الجماعة وجودها المتنفذ فى السلطة، لوضع دستور يحقق أهدافها، عبر مواد جامدة لا تعبر إلا عن أحادية الفكر الإخوانى ورغبته فى السيطرة، بل وخاضت معارك سياسية ضارية ضد الشعب وممثليه، مما أصاب الدولة التونسية بالشلل وأوقعها فى هوة سحيقة من الأزمات السياسية والاقتصادية، التى ألبت الجميع ضد الحركة وحزبها.
وتمثل المادة الخامسة من دستور ٢٠١٤، الذى أيدته الحركة، بنصها على أن تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها فى ظل نظام ديمقراطي، أن تعمل على تحقيق «أهداف الإسلام الخالص فى الحفاظ على الحياة والشرف والمال والدين والحرية»، رمزًا واضحًا على الأيديولوجيا الإقصائية التى أرادت الحركة ترسيخها فى صلب قانون الدولة.
مستقبل الجماعة وكلمة النهاية
كان للقرارات التى اتخذها الرئيس التونسى قيس سعيد، دوى هائل فى عقل حركة النهضة، أعادت تشكيل مستقبلها، وجردتها من أدواتها التى كبلت بها مفاصل الدولة التونسية، وذلك بعد أن عطل الرئيس دستور الجماعة، وحل البرلمان الذى تسيطر عليه، بل وتم فتح تحقيقات قضائية فى مخالفات قانونية متنوعة ارتكبها قادة الجماعة، وعلى رأسهم زعيمها راشد الغنوشي.
وفى ٢٥ يوليو ٢٠٢٢، شارك ٣٠٪ من الشعب التونسي، فى التصويت على الدستور الجديد للبلاد، ووافق ٩٤.٤٪ من المصوتين على هذا الدستور الذى يمنح سلطات مفتوحة للرئيس قيس سعيد، فى دليل واضح على رفض الشعب للإخوان، وانتهاء وجودهم فى تونس كنموذج جديد على نهاية العصر الفكرى والأيديولوجى للجماعة.
استقالة أعضاء بحركة النهضة، دليل آخر على اقتناع البناء التنظيمى للحركة بانتهاء عصرها، وتفككها، إذ أدت الخلافات بين أطراف الجماعة، وصقورها، إلى استقالة عدد من قادتها أمثال: حمادى الجبالى الأمين العام لحركة النهضة منذ تأسيسها، واستقالة بعض الأعضاء المحافظين.
وإذا كانت الاستقالة دليلا على الاقتناع بالتفكك الداخلى للجماعة، فإن توجه المستقيلين للتحالف مع كيانات أخرى، مثل: السلفيين المحافظين، لتشكيل ائتلاف أطلق عليه «الكرامة»، يؤكد أن قادة الجماعة لم يعد لديهم ثقة فى إمكانية عودتها من جديد، لذا قرروا القفز من سفينتها التى توشك على الغرق.
وبالنظر إلى الدور الذى اعتادت جماعة الإخوان، ومن ورائها فروعها، مثل: حركة النهضة، على أدائه لتصدير أفكارها إلى محيطها الإقليمي، سنجد أن تونس قدمت خدمة جليلة للشرق الأوسط والعالم، بإقصاء حركة النهضة وضرب نفوذها.
وتأتى إحالة راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، إلى المحاكمة، بشأن قضية تسفير الشباب التونسيين إلى مناطق التوتر فى سوريا وليبيا، لتمثل إشارة واضحة على دور الإخوان فى دعم التوترات بالدول الأخرى، وأيضا على أهمية الخدمة التى قدمتها تونس بالإطاحة بالحركة.
قضية التسفير التى فجرتها النائبة البرلمانية فاطمة المسدي، كشفت عن خطورة الفكر الأيديولوجى للإخوان، لما يتمتعون به من قدرة على غسل أدمغة الشباب سياسيًا ودينيًا، مستخدمين مصطلحات فى غير محلها، مثل: الحاكمية، والتكفير، والجهاد وغيرها.
ويواجه راشد الغنوشي، اتهامات بتمويل الإرهاب عبر جمعية «نماء تونس»، التى كشفت هيئة الدفاع عن المفكرين الراحلين ـ جرى اغتيالهما إرهابيًا ـ شكرى بلعيد ومحمد البراهمي، أن الجمعية المذكورة تأسست فى ٢٠١١، بهدف تشجيع الاستثمارات الأجنبية، وتورطت فى جرائم تسفير الشباب التونسى للقتال بمناطق النزاع والحروب.
وشهدت تونس موجة اعتقالات ضد عدد من قادة حركة النهضة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين فى تونس، على ذمة القضية نفسها، ومن بينهم: فتحى البلدى وعبد الكريم العبيدى وفتحى بوصيدة والنائب السابق رضا الجوادى والشيخ البشير بلحسن والحبيب اللوز النائب السابق والقيادى فى حركة النهضة ورئيس «جمعية الدعوة والإصلاح»، إلى جانب محمد فريخة، تم استجواب الكثير منهم وإطلاق سراحهم على ذمة القضايا، إلا أن قاضى التحقيق فى ملف التسفير أمر مؤخرًا بسجن القيادى الإخوانى على العريض رئيس الوزراء الأسبق ونائب رئيس حركة النهضة.
وهكذا يمكن القول: إن انتهاء نفوذ حركة النهضة الإخوانية التونسية، كآخر معقل للجماعة فى المنطقة العربية، تمثل تعبيرًا عن أزمة أوﺳﻊ لأيديولوجيا الإسلام السياسي، وهزيمة واضحة ﻟلتفسيرات المتطرفة للدين، خاصة بعد أن ظهرت إلى السطح التوترات والخلافات بين القادة التقليديين للحركة، والأجيال الجديدة من المنتمين إليها، وانشقاق الكثيرين.