الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

في ذكرى رحيله.. كيف وصف طه حسين جرائم الجماعة الإرهابية؟

طه حسين
طه حسين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عايش عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين عددا من الوقائع الحاسمة والمهمة في تاريخ مصر، ومنها حادثة المنشية التي وقعت عام 1954 حينما استهدفت جماعة الإخوان الإرهابية الزعيم جمال عبدالناصر(وكان رئيسا للوزراء آنذاك) أثناء إلقاء خطاب بمناسبة الانسحاب العسكري البريطاني من مصر.
عميد الأدب، الذي تحل ذكرى رحيله اليوم الجمعة، غادر عالمنا في الثامن والعشرين من أكتوبر عام 1973، وكان شاهدا على العديد من المواقف والأزمات التي مرت بها مصر، خاصة مؤامرة اغتيال "عبدالناصر"، والتي كان من شأنها تعطيل مسيرة إصلاحية كبيرة بدأت مع ثورة يوليو، لأن فصيلا متطرفا فشل في السيطرة على تنظيم الضباط الأحرار وأيضا الاستحواذ على قراراته، وحاول الحد من مسيرة يوليو بمؤامرة خطط لها، وأشاع في سبيلها الكثير من الإشاعات والأخبار الكاذبة لتضليل العامة، لكنها انتهت بالفشل الكبير، وانقلب السحر على الساحر كما يقولون.

أكاذيب الماضي تتردد اليوم

ركزت جماعة الإخوان إبان أزمة الحكم 1954 على بسط نفوذها وتأكيد وجودها وقوتها، وحينما أحست بالمعارضة الشديدة من قبل عبدالناصر ورفاقه زادت من التحريض ضده، وشحن أعضاء وشباب الجماعة، بداية من أن ناصر أخلف وعده لهم بتطبيق الشريعة حال انتصار "حركة يوليو" مرورا بتفتيت رقعة الأرض الزراعية، وتمكين الإنجليز من العودة إلى مصر في أي وقت، ومقابلة مسئولين إسرائيليين في خليج العقبة على متن سفينة من أجل الاتفاق لبيع فلسطين لهم، وكلها مزاعم تشبه حاليا نفس الأكاذيب التي ترددها الجماعة الإرهابية منذ عزلهم وكسر شوكتهم في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013.
التحريض ضد مفاوضات الجلاء
يشرح علي عشماوي، قائد التنظيم الخاص والمنشق عن الجماعة لاحقا، في كتابه "التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين" كيفية استغلال الجماعة لمفاوضات الجلاء من أجل إحراج ناصر، قائلا: "الواقع أن اختلاف الإخوان في هذا الأمر (يقصد الجلاء) كان نابعًا من إحساسهم بخروج عبدالناصر ومن معه على قيادتهم، وقد تم اختيار هذا الموضوع ليكون سببا للصدام لما له من ثقل وطني في حس الناس، مما يعطي للإخوان تأييدًا شعبيًا في صدامهم مع رجال الثورة".
وأضاف "عشماوي": "بدأت المنشورات توزع على الإخوان في الشُعب وفي أماكن تجمعهم تشرح الخلاف من وجهة نظر الإخوان، فقد كانوا يرون أن احتفاظ الإنجليز بقاعدة قناة السويس هو بيع للقضية وأن الإخوان يفضلون الكفاح المسلح".
في مذكرات عشماوي، يلاحظ القارئ الشائعات التي أطلقتها الجماعة بعد مظاهرات عابدين فبراير 1954، منها أن الحكومة تنوي اغتيال المرشد العام، فوضعت الجماعة حراسة له، ومنها أن كمال السنانيري، أحد أهم قيادات التنظيم الخاص، زعم أن الضباط الأحرار كانوا تشكيلا تابعا للإخوان داخل القوات المسلحة، اتفقوا على اتباع المرشد وقيادة الإخوان في المرحلة الانتقالية حتى يتم الإعلان الرسمي عن تطبيق شرع الله، لكنهم بعد أن استتب الأمر خرجوا على القيادة، وأن الإخوان مقبلون على معركة مصيرية معهم، وأن النصر من عند الله.
إجهاض مؤامرة
شهد العام 1954 أحداثا متصاعدة، بدأت في يناير بقرار حل جماعة الإخوان بعد سنتين كاملتين من استثناء الجماعة من حل الأحزاب، استنادًا إلى تقاعس الجماعة في دعم الثورة، وعدم تأييد قانون الإصلاح الزراعي، ومحاولة فرض الوصاية على الحركة، والتسرب إلى ضباط الجيش وتشكيل وحدات تحت إشراف المرشد مباشرة، تشكيل جهاز سري خاص بعد حل الجهاز السري الذي كان يشرف عليه عبدالرحمن السندي، والاتصالات المستمرة بين أعضاء الجماعة والسفارة البريطانية.

تحدث عشماوي تفصيليا عن خطة الصدام ومؤامرة الإخوان لتنفيذ انقلاب دموي يطيح بمجلس القيادة يتمثل في: 

أولا، تأمين الجيش عن طريق بعض الإخوان الذين كانوا في الخدمة ولا يعلم بهم عبدالناصر، وكان على هؤلاء واجب تحييد الجيش فقط والتأكد من عدم تحرك وحدات أخرى لقمع الحركة الشعبية المخططة. 

ثانيا، القبض على بعض الشخصيات المهمة والتي لها ثقل عند الصدام، وإذا لم يتمكن من القبض عليهم هناك خطة بديلة لاغتيالهم. 

ثالثا، قيام جميع الإخوان على مستوى الجمهورية بالاستيلاء على أقسام البوليس والمباني المهمة كلٌ في حدوده مستعينا بأقل عدد من الإخوان المدربين. 

رابعا، تقوم المجموعات الوافدة إلى القاهرة بالانضمام إلى إخوان القاهرة في عملية الاستيلاء على المباني الحكومية ذات التأثير مثل مبنى الإذاعة، أقسام البوليس، قطع الطرق المؤدية من ثكنات الجيش إلى داخل القاهرة، قطع الطرق الداخلة إلى القاهرة من جهة الإسماعيلية. خامسًا، حصار الطلبة بعد مظاهرات مسلحة للقصر الجمهوري والاستيلاء عليه.
وفى 26 أكتوبر أطلق أحد أفراد الجهاز الخاص للإخوان الرصاص على عبد الناصر في حادث المنشية بالإسكندرية، فارتبكت الجماعة خاصة الأعضاء الذين لا يعلمون بهذه الحادثة، وتعطلت خطة انقلاب الجماعة، تلاها تحركات عاجلة من الحكومة حيث صدرت تعليمات باعتقال أعضاء الجماعة.
وبحسب عشماوي، فإن الحادث تصرف فردي قامت به مجموعة ذهبت بها الحماسة إلى آخر المدى ولم تعد قادرة على الانتظار أو التحكم مع الشحن المستمر ووجود السلاح بين أيديهم، لكن الكاتب عبدالله إمام يوثق اعترافات هاني دوير أنه تلقى تعليمات من التنظيم السري بقتل جمال عبد الناصر، وأنه كلف محمود عبد اللطيف بهذه المهمة وأعطاه طبنجة الحادث.

طه حسين يتحدث عن "فتى مصر"
عقب الحادث الذي حاول فيه "الإخوان" اغتيال "ناصر" وهز المصريين، كتب الدكتور طه حسين مقالا بعنوان "فتنة" أشاد فيه بثبات ناصر، كما ندد فيه بفعل المجرمين الخوارج.

وقال طه حسين في مقاله: "كانت مصر أكرم على الله من أن يرد ابتهاجها إلى ابتئاس وسرورها إلى حزن ومن أن يحيل أعيادها البيض إلى أيام حداد سود".
وحول جهل الجماعة الإرهابية بما ترتكبه في حق الوطن، أضاف: "الراشدون من أبناء مصر يرقبون وطنهم معلقون بين الخوف والرجاء، والعالم الخارجي الحديث يرقب مصر من قرب، منه من يشجعها ويتمنى لها النجاح ومنه من يضيق بها ويتمنى لها الإخفاق ويتربص بها الدوائر ويبث في سبيلها المصاعب والعقبات، وفريق من أبنائها المجتمعين لا يحفلون بشيء من هذا كله، ولا يرقبون في وطنهم ولا في أنفسهم ولا في أبنائهم وأحفادهم إلا ولا ذمة ولا يقدرون حقا ولا واجبا، ولا يرعون ما أمر الله أن يرعى، ولا يصلون ما أمر الله أن يوصل، وإنما يركبون رءوسهم ويمضون على وجوهم هائمين، لا يعرفون ما يأتون وما يدعون، ولا يفكرون فيما يقدمون عليه من الأمر، ولا فيما قد يورطون فيه وطنهم من الأهوال الجسام".
وتابع: "الحمد لله على أن هذا الكيد الذي كيد قد رد في نحور كائديه فلم تلق مصر منه شرا وإنما كان امتحانا مرا ثقيلا ممضا خرجت منه ظافرة مطمئنة إلى أن الله يرعاها".
وعن فشل المحاولة وازدياد ثقة المصريين في قوة الوطن، قال: "كان رئيس الوزراء مؤمنا بوطنه حين ثبت لهذا الكيد وحين قال ما قال بعد أن صرف الله عنه الشر بتلك اللحظات القصار فرد الأمل إلى الذين كانوا من حوله وأشاع الثقة في الذين كانوا بعيدين عنه، وأشعر مصر بأنها أقوى من عبث الجهال وحمق المحمقين".
وتطرق طه حسين إلى عدد من الأهوال كان من الممكن أن تحدث لو نجحت الجماعة الإرهابية في تحقيق ما دبرته، حيث يقول: "وإني لا أفكر في الأعقاب التي كان يمكن أن تلم بهذا الوطن لو تم للمجرمين ما دبروا فلا أكاد أثبت للتفكير فيها، فقد كان أيسر هذه الأعقاب الحرب الداخلية بين المواطنين، كان أيسر هذه الأعقاب أن يثأر الكرام من المصريين لفتى مصر وأن يصبح بأس المصريين بينهم شديدا، وأن يسفك بعضهم دماء بعض وأن ينتهك بعضهم حرمات بعض، وأن يعلق النظام والقانون والأمن فترة لم يكن أحد يدرى أكانت جديرة أن تقصر أكانت جديرة أن تطول، وأن يضيع هذا الاستقلال الذي ذاقت مصر في سبيله مرارة الجهاد الشاق الثقيل الطويل، وأن يفرض الأجنبي النظام والأمن على الوطن فرضا وأن ترجع مصر أدراجها وتعود كما كانت منذ حين وطنا ذليلا يدبر أمره غير أبنائه من الأجانب لأنه لم يحسن أن يحتمل الاستقلال والحرية أياما معدودات، ولأن بعض أبنائه ساق الموت إلى من ساق إليهم الحياة".