كل من حكموا مصرعبرالعصورالمختلفة أولوا إهتماماً بالغاً بالإحتفال بالمولد النبوي الشريف، وكانت مظاهر الإحتفال تتمثل في التكافل الإجتماعي و إعطاء الفقير حقه حتى يسعد هو الآخر و يشعر بجلال المناسبة.
الفاطميين:
كان الفاطميّون يحتفلون بالمولد النبوي عن طريق إعداد صواني الحلوى و إرسالها الى الجوامع لتوزيعها على الفقراء، كما كانت تقام الاحتفالات بالبلاط الملكي عن طريق دعوة الشيوخ و الأمراء للاستماع لآيات الذكر الحكيم و المدائح النبوية، وبلغ إهتمام الخلفاء الفاطميين بالإحتفالات والمواسم الدينية أنهم أنشأوا ديواناً خاصاً بتدبير الإحتفالات بالأعياد والموالد وما يقدم فيها من حلوى وشراب للخاصة والعامة وكانت تعرف بـ “دار الفطرة”، كان موضعها داخل القصر الشرقى أولاً ثم نقلت إلى موضع قريب من المشهد الحسينى الآن، يقول ابن عبد الظاهر: "دار الفطرة بالقاهرة وهى قبالة مشهد الحسين وهى الفندق الذى بناه الأمير سيف الدين بهادر الآن ... وأول من رتب هذه الفطرة الإمام العزيز بالله وهو أول من سنها" ثم يصف ما كان يرتب بها من الدقيق والمكسرات والحلوى لعملها فى الأعياد فيقول:
"والجملة الثانية فصلت فيها الأصناف وشرحها: دقيق ألف حملة، سكر سبعمائة قنطار، قلب فستق ستة قناطير، قلب لوز ثمانية قناطير، قلب بندق أربعة قناطير، تمر أربعمائة أردب، زبيب ثلاثمائة قنطار..".
أما المقريزى فيقول عن إحتفال الفاطميين بمولد النبى: "فإذا كان اليوم الثانى عشر من ربيع الأول تقدم بأن يعمل فى دار الفطرة عشرون قنطاراً من السكر اليابس حلواء يابسة من طرائفها وتعبى فى ثلثمائة صينية من النحاس وهو مولد النبى صلى الله عليه وسلم فتفرق تلك الصوانى فى أرباب الرسوم من أرباب الرتب وكل صينية فى قوارة من أول النهار إلى ظهره ".
وكانت الحلوى تقدم فى أطباق تعرف بالطيافير فيقول: "يفرق طيافير الفطرة على الأمراء وأرباب الرسومات وعلى طبقات الناس حتى يعم الكبير والصغير والضعيف والقوى..... ثم يصف الطيافير فيقول: "الأعلى منها طيفور فيه مائة حبه خشكانج وزنها مائة رطل وخمسة عشر قطعة حلاوة زنتها مائة رطل سكر سليمانى وغيره عشرة ارطال قلوبات سته أرطال بسندود عشرون حبة كعك وزبيب وتمر، قنطار جملة الطيفور ثلاثة قناطير وثلث إلى ما دون ذلك على قدر الطبقات إلى عشر حبات"
إستمر الإحتفال بالمولد النبوى الشريف طوال العصور التالية حتى كان فى العصر المملوكى “إحتفالاً يفوق الوصف من حيث الجمال والفخامة”.
موعد الإحتفالات:
وتبدأ الإحتفالات منذ اليوم الأول من الشهر حتى الليلة الكبرى وهى ليلة 12 ربيع الأول يقيم السلطان إحتفالاً كبيراً بالحوش السلطانى بالقلعة، وفى عصر “الأشرف قايتباى” أمر بصناعة خيمة كبرى بالحوش السلطانى أنفق عليها 30 ألف دينار وكانت تنصب للإحتفال بالمولد النبوى فقط، وصفها إبن إياس بأنها كانت من "جملة عجايب الدنيا"، يجلس فيها السلطان والقضاة الأربعة والأمراء ويستمر الإحتفال طوال اليوم بتلاوة الذكر والوعظ وغير ذلك، ثم تمد أسمطة الحلوى للجميع بعد المغرب لا فرق فيها بين كبير وصغير وينعم السلطان على الأمراء والقضاة والمقرئين "بخمسمائة درهم فضة". لكن زالت هذه الخيمة وبيعت بالقطعة بعد زوال دولة سلاطين المماليك.
المماليك:
وفى عصر المماليك أيضاً إنتشرت ظاهرة غريبة خلال إحتفال المصريين بالمولد النبوى؛ وهى إحياء الناس ليلة مولد النبى بغرض جمع ما لهم من أموال ونقوط كانوا قد دفعوها لغيرهم من قبل فى أفراح ومناسبات أخرى، لاحظ هذه الظاهرة ودونها بن الحاج أبو عبد الله محمد العبدرى الفاسى المتوفى سنة 737هـ، فيقول عن يوم مولد النبى فى مصر: "ومنهم من يفعل المولد لا لمجرد التعظيم ولكن له فضة عند الناس متفرقة كان قد أعطاها فى بعض الأفراح والمواسم ويريد أن يستردها ويستحى أن يطلبها بداءة فيعمل المولد حتى يكون ذلك سبباً لأخذ ما إجتمع له عند الناس.".
العثمانيون:
وسار العثمانيون على نهج أسلافهم فكانوا ينفقوا الكثير من الأموال إحتفالاً بهذه المناسبة و توزيع اللحوم على الفقراء من المسلمين بالاضافة الى إقامة الإحتفالات الضخمة بالمساجد و حلقات الذكر و مدح الرسول عليه الصلاة و السلام فضلاً عن سرد حكايات من سيرته العطرة .
أما الآن فاقتصرت مظاهر الإحتفال على حلوى المولد و عرائس المولد التي أصبحت تصنع من البلاستيك و تستورد من الصين بدلاً من العروسة والحصان الشهيرين اللذان كانا يصنعان من السكر.