الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

49 عامًا على نصر أكتوبر| قصة استرداد الجبل في 4 ساعات بـ 26 فردًا.. معجزة «آبار المياه» وإنقاذ الجيش الثالث من العطش.. وحكاية الدبابة المزيفة التي خدعت قوات العدو

قصة استرداد الجبل
قصة استرداد الجبل فى 4 ساعات بـ26 فردًا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 ستظل حرب أكتوبر المجيدة، تثرى بأحداثها حياتنا بكثير من الوقائع والحكايات عن بطولات أبناء القوات المسلحة، وسيبقى نصر أكتوبر المجيد ملحمة عظيمة فى تاريخ الشعب المصرى، ورمزا خالدا نتباهى به جيلا بعد جيل، ليمثل النصر العظيم تجسيدا عمليا لكفاءة وعبقرية المصريين وقدرتهم على مواجهة المستحيل.

وبطلنا الذى تروى «البوابة نيوز» حكايته احتفالا بذكرى الانتصارات المجيدة، هو أحد القادة العظام الذين قدموا لنا المثل والقدوة ليكونوا نبراسا نهتدى به، وهو بطل معركة «جبل المر» اللواء أركان حرب محمد الفاتح كريم أبو عمر، والذى أطلق اسمه «الفاتح» على جبل المر تكريما له ولبطولاته العظيمة.

واللواء الفاتح ولد فى ١٩٣٢ بقرية الشيخ تمى بمركز أبو قرقاص فى محافظة المنيا، وتخرج فى الكلية الحربية عام ١٩٥٢، وعين قائدًا للواء الثانى للمشاة بالفرقة ١٩ للجيش الثالث الميدانى أثناء حرب أكتوبر، يعدُّ من القلائل الذين خلدت أسماؤهم فى مواقع عسكرية كانوا أبطالها والذى  أُطلق اسمه الفاتح  على جبل المرّ وسط سيناء، والذى كان قائدًا للواء الثانى المشاة الميكانيكى فى الفرقة ١٩ مشاة، من الجيش الثالث الميدانى، خلال حرب أكتوبر ١٩٧٣، وكان قائد تحرير «جبل المر»، الواقع على بعد ١٢ كيلومترًا شرق قناة السويس، واستولى عليه الإسرائيليون فى حرب ٦٧، وهذا الجبل أُطلق عليه بعد ذلك «جبل الفاتح»، نسبة للواء «الفاتح» الذى نجح فى اقتحامه وتحريره من يد العدو الإسرائيلى خلال حرب أكتوبر المجيدة، وحصل «الفاتح» على إثر هذه المعركة، على العديد من الأوسمة والنياشين، أهمها وسام نجمة الشرف العسكرية، فهو القائد الذى سبق جنوده إلى موقع القتال.

وشغل «الفاتح» العديد من المناصب، حتى عين قائدًا للمنطقة الجنوبية العسكرية وحصل على جميع الفرق والدورات حتى زمالة كلية الحرب العليا بأكاديمية ناصر العسكرية، وتوفى عام ٢٠١٣، وأقيمت له جنازة عسكرية، حضرها الرئيس عبد الفتاح السيسى، وقتما كان يشغل منصب وزير الدفاع والإنتاج الحربى، وكبار رجال القوات المسلحة.

معركة جبل المر

ويروى نبيل مهنى عمر مهنى أبو عمر، من عائلة اللواء الراحل محمد الفاتح كريم، ومدير مدرسة الشيخ تمى الإعدادية بقرية الشيخ تمى مسقط رأس اللواء الفاتح، تفاصيل عن حياة اللواء الفاتح، ويقول إنه كان محبوبا بين أهله وأبناء بلده، ووالده كان عمدة القرية، وكان دائما يتردد على قرية الشيخ تمى ويجلس مع أبناء أعمامه وأهله يتبادل معه الود والحب ويطمئن على أحوال البلد.

ويواصل «أبو عمر": "كان يجلس معنا ويحكى لنا عن بطولات حرب أكتوبر،  ويروى لنا حكايات ملحمة جبل المر الذى سمى بجبل الفاتح على اسمه بعد تحريره، كما حكى لنا أنه أمر من معه بعدم التراجع، فإما الموت أو النصر، وكان حازما فى تعامله مع جنوده، بخلاف طبيعته فى الحياه المدنية، فقد كان أخا ووالدا للجميع، وكان حبه لمصر وعشقه لها أساس حياته، بل كل حياته».

ويتابع: «فى وقت قيادته للمنطقة الجنوبية تم تجنيدى، وهو أصر بشدة على تجنيدى، ولم أقابله طول فترة تجنيدى إلا فى البلد، ومن عادتنا أن يقبل الولد يد والده وعمه وينحنى له، فحضر للبلد، فقمت بالتحية العسكرية، ثم قبلت يده، فقال لى يا بنى إحنا فى البلد مش فى الجيش».

ملحمة الصمود والتحدي

وعن معركة تحرير جبل المر يقول نبيل أبوعمر: «روى لنا اللواء الفاتح  قصص البطولات والمعجزات التى حدثت فى هذه الملحمة البطولية، وأتذكر أنه قال لنا إنه أثناء حرب أكتوبر كان  يتولى  قيادة اللواء الثانى (مشاة مدرَّع)، وكان  برتبة عقيد، وكانت لهم  مهمة محددة وهى السيطرة وتحرير جبل المرّ الذى يقع وسط سيناء، وكان هذا الجبل عبارة عن قلعة حصينة، احتلَّه العدو وتمركز فيها ليصبَّ منها نيرانه على مدينة السويس خلال حرب ٦٧ وحرب الاستنزاف، والجبل تبلغ مساحته ٨.٥ كيلو مترات، وارتفاعه ١١٧ مترًا، وتحيط به الكثبان الرملية من كل جانب، ما يجعل صعود المركبات إليه أمرًا شبه مستحيل، ولكن هذا المستحيل لم يصمد أمام الجندى المصرى، ففى أربع ساعات فقط من صدور الأوامر باقتحام الجبل كان العلَم المصرى يرفرف فوقه ليتحوَّل اسمه من جبل المرّ إلى جبل الفاتح.

ويضيف «أبوعمر»: «ذكر لنا اللواء الفاتح أنه فى صباح يوم التاسع من أكتوبر جاءه ضابط من القيادة، ووضع فى يديه ورقة صغيرة تحمل أمرًا هامًا ومفاجئًا، لتنفيذ الهجوم فورًا وتحرير (جبل المُر)، وكانت إسرائيل من خلال هذا الموقع تستطيع توجيه قصف مدفعى وصاروخى للجيش المصرى سواء شرق قناة السويس أو غربها، ما أدى إلى تهجير رجال ونساء وأطفال مدينة السويس، وبدأت قوات اللواء الثانى مشاة فى التحرك لتنفيذ المهمة الموكلة إليه، وتحرير جبل المُر.

فتقدمت القوات إلى خط الهجوم، وكانت إحدى كتائبها فى اليمين والأخرى فى اليسار، وقيادة اللواء الثانى فى المقدمة، وعند بدء الهجوم وتحرك مجموعة الدبابات، انهالت صواريخ العدو الصهيونى من كل جانب على القوات المصرية، وهنا حدثت معجزة إلهية، فلم تصب كل هذه الصواريخ والقذائف الإسرائيلية مركبة واحدة، والمُدهش كانت تنغرس فى الرمال دون أن تنفجر، واضطرت القوات المصرية إلى التوقف والاحتماء بأحد التلال المرتفعة قليلًا عن سطح الأرض.

ويروى اللواء الراحل في حديث بثته وزارة الدفاع: «اضطررت لمراجعة الموقف لأنى أواجه عدوا يتفوق على عددا وعتادا، ويهاجمنى من أعلى الجبل، وخاصة أن الكتيبة الموجودة على اليمين قد تم حصارها من جميع الجهات، والكتيبة الموجودة فى اليسار نزلت من مركباتها بعد تحطم عدد كبير منها».

وهتف اللواء الفاتح فى المعركة يقول: «لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، يا رجال مصر، مصر تناديكم، ويا شباب الوطن، ويا شباب الإسلام، الله أكبر والعزة لله والنصر لنا، سيروا على بركة الله».

معجزة التحرير

ويكمل «أبوعمر»: «روى لنا اللواء الفاتح  أنه قد تم تحرير الجبل من العدو فى ٤ ساعات، ومع صباح يوم ١٠ أكتوبر أصبح  الجبل كله تحت القوات المصرية وأن العدو الصهيونى تركه هاربًا حتى دون أن يأخذ معداته وأسلحته، وقال لنا: «عندما حررنا الجبل من العدو كانت الطائرت تضربنا ليل نهار، وكلما حاولنا حفر خنادق فى محيط الجبل ضربتنا الطائرات، وطبعًا كانت مشكلة، فلم نستطع الحفر أثناء النهار؛ لأن الطائرات الصهيونية كانت تضربنا باستمرار، فكنا نحفر أثناء الليل، وعندما كانوا يجدون ضوءًا على الجبل فى الليل يقومون بالضرب مكان هذه الضوء، فطلبت من الجنود إحضار دبابة من دبابات العدو التى تركوها، وبالفعل وضعناها على مقدمة الجبل، فظن العدو أنهم عادوا واحتلوا الجبل مرةً أخرى، فكفوا عن ضربنا لعدة ساعات، استطعنا فيها إعادة الحفر».

وحكى اللواء الراحل أيضا عن المعجزة التى حدثت وقتها، ويقول: «حفر أحد الجنود وبعد متر ونصف المتر وجد بئرًا من الماء، فدلَّنا أحد الأعراب أن الجيش الصهيوني الذى كان متمركزًا فى الجبل  حاول اكتشاف بعض آبار الماء فى الجبل، ولكنه بعد أن حفرها اكتشف عدم وجود ماء  لأننا على جبل، فقام بردمها مرةً أخرى، فقمنا نحن بحفر كل الآبار التى قام بردمها، وكلها كان بها ماء، الذى حلَّ لنا مشكلة كبيرة كما حلَّ مشكلةً كبيرةً للجيش الثالث كله».

وبالفعل تمكنت قوة صغيرة عددها ٢٦ فردا، يقودها العقيد محمد الفاتح كريم من اقتحام الجبل بعد أربع ساعات فقط من بداية الهجوم.

وأكد نبيل  أبوعمر أن حرب أكتوبر من أقوى وأشرس وأعظم الحروب، التى مرت على مصر،  فحرب أكتوبر لها قيمة ومكانة عظيمة وكبيرة لدى الشعب المصرى، لأنها ردت له مكانته وأعادت إليه العزة والفخر والكرامة.