قال الدكتور مظهر شاهين، إن العلاقة بين الزوجين أساسها المودة والرحمة، والمشاركة فيما يجعل الحياة بينهما تسير على نحو من الاستقرار والتراضي والاحترام المتبادل بينهما، قال تعالى:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)،
وأضاف إذا كان من حق الزوجة علي زوجها أن يوفر لها منزلا مستقلا، وهذا هو الأصل والواجب شرعا ، إلا أني أقول:إن هذه المشاركة والتعاون تفرض علي كلا الطرفين أحيانا أن يتنازل عن جزء من حقوقه كي تستمر الحياة، وإذا كان من حق الزوجة علي زوجها أن يوفر لها مسكنا مستقلا إلا أن ذلك ليس بالضرورة أن يكون متاحا في كل الحالات ، بالتوافق بين الزوج والزوجة، فكل على حسب طاقته.
وتابع "شاهين" في تصريح له اليوم: قد تضيق الظروف المادية على الزوج فيضطر للانتقال الي منزل والديه ، أو يتزوجا فيه بالاتفاق والتراضي وليس بإجبار الزوجة، وهنا علي الزوجة أن تتحمل ذلك، طالما سيوفر لها جزءا كبيرا من الاستقلاليه الشخصية، ودون أن يتعرض لها أحد بسوء، بشرط ألا يعيش معهم في هذا البيت إخوة أو أقارب ذكور للزوج، لما ورد عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والدخول على النساء!»، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت» (رواه البخاري: [5232]، ومسلم: [2172]).
والحمو : أقارب الزوج والزوجة من الرجال عدا أبيها وإخوتها وأبناء الزوج لأنها محرمة عليهم علي أرجح الأقوال.
واكد أنه، في كتاب عون المعبود شرح سنن أبى داود: قال ابن فارس: الحمأ أبو الزوج وأبو امرأة الرجل، وقال في المحكم أيضا: وحمأ الرجل أبو زوجته أو أخوها أو عمها، فحصل من هذا أن الحمأ يكون من الجانبين كالصهر وهكذا نقله الخليل كذا في المصباح. انتهى، ويقول الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: اتفق أهل اللغة على أن الاحماء أقارب زوج المرأة كأبيه، وعمه، وأخيه، وابن أخيه، وابن عمه ونحوهم ، والأختان أقارب زوجة الرجل، والأصهار يقع على النوعين. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: الحمو الموت. فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره، والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي، والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت، وإنما المراد الأخ وابن الأخ، والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم وعادة الناس المساهلة فيه ويخلو بامرأة أخيه فهذا هو الموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي لما ذكرناه، فهذا الذى ذكرته هو صواب معنى الحديث. انتهى.
وقطعا هذا لا ينطبق علي الإخوة إذا كانوا أطفالا صغارا أو أيتاما، فلكل حالة حكمها.
واستطرد "شاهين"، إن خدمة الزوجة لأم الزوج إذا كانت مسنة وإن كانت غير واجبة شرعا وليس هناك نص يلزمها بذلك، إلا أنها قد تكون واجبة من باب الإنسانية، وحسن العشرة، لأنها في مقام والدتها، وخاصة إذا لم يكن من الممكن أن تعيش بمفردها، أو أن تخدم نفسها، أو لم يكن لها أولاد، أو مات زوجها ولم يتبق لها إلا ابنها، لأن الزوج مع أمه في هذه الحالة أمام أربعة خيارات:
- إما أن يرميها في الشارع،
أو أن يتركها وحيدة في بيت آخر وهي لا تستطيع خدمة نفسها فتهلك،
- أو أن يأتي لها بخادمة وقد يكون في وضع مادي لا يسمح له بذلك،
- أو أن يأتي بأمه إلي منزله لتكون أمام عينيه وتحت رعايته،
وأعرب عن اعتقاده أن الخيار الرابع هو الأنسب والأسلم والأقرب إلي مرضاة الله سبحانه وتعالي،
ولا ينبغي عن الزوجة أن تدفع زوجها إلي خيار آخر يغضبه، فهي في النهاية أمه، وبرُّها واجب عليه، ووصية الله له، بل ينبغي عليها أن تشجعه علي برِّ أمه، وأن تساعده في خدمتها رحمة وبِرَّاً وفضلا، وهنا تنال الزوجة ثوابا عظيما إذا ما اعتبرت ذلك لوجه الله تعالي ، بل وتنال محبة زوجها ، وعلي الزوج أن يحمل هذا الفضل لزوجته ويعينها عليه ولو بالكلام الطيب، فالحياة لا يمكن أن تبني علي المساومات والعزلة والأنانية والتنصل من الواجب بين الزوجين، ولا علي الحقوق والواجبات وفقط، بل تبني علي المحبة والمودة والعطاء والمشاركة بين كليهما.
واشار الى ان السيدة فاطمة رضي الله عنها كانت تخدم أم زوجها علي بن أبي طالب، وتساعدها في شؤون البيت، وقد كان علي رضي الله عنه يقسم العمل في البيت بين زوجته وبين أمه، فقد أخرج الطبراني بسنده عن علي قال: «قلت لأمي فاطمة بنت أسد بن هاشم اكفي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة وتكفيك خدمة الداخل الطحن والعجن».
- واختتم : أذكر أن والدتي أطال الله عمرها تزوجت من أبي و جدتي لأبي كانت سيدة مسنة وقعيدة، وقد لازمت خدمتها أمي أكثر من ٢٥ سنة لم تقل لها يوما "أف" كانت لها نعم الأم والأخت والابنة، وفي أعوامها الأخيرة فقدت جدتي بصرها ، وبمرور الوقت أصابها مرض الزهايمر فنسيت كل شئ ، بما في ذلك أسماء أعمامي وعماتي ( أبناءها وبناتها) إلا إذا حاولنا تذكيرها، غير أنها لم تنس اسم أبي من بين كل الرجال، واسم والدتي وأختي فقط من بين كل النساء، وحين عانت سكرات الموت كانت في حضن أمي ، ولقنتها أمي الشهادة ورأسها علي صدرها، لا أقول ذلك من باب الفخر، ولكن ليتعلم بنات اليوم كيف تكون الرحمة، فالإنسانية قبل كل شئ،
وتابع شاهين : لتعلم الزوجة أنها اذا كانت اليوم زوجة وأم، فمن الوارد غدا أن تكون حَمَاة، وقد تضطرُّها الظروف إلي أن تعيش مع ابنها وزوجته، وأن ما تزرعه اليوم ستحصد ثماره غدا،فتعاملي مع ام زوجك كما تحبين أن تعاملك زوجة ابنك.
يقول الله تعالي:
(وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ) فلتقدم لأم زوجها اليوم ما تتمناه لنفسها غدا، فالجزاء من جنس العمل،كما ورد في الحديث(يا ابن ادم اعمل ما شئت فكما تدين تدان)
وطالب الابناء بان يتقوا الله في الأمهات ولا بتحدثوا عنهن وكأنهن عالة علي أبناءهم، أو عبئا علي المجتمع، فالأم هي الأساس، وهي بركة هذه الحياة.