حينما أعلنت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي عن تكريم الفنانة "لبلبة" في دورته المرتقبة الـ 44 شعرت بسعادة غامرة، فهذه الفنانة الحقيقية ذات المشوار الفني الضخم حقًّا تعتبر ظاهرة فنية مستعصية على الزمن. إنها الفنانة المصرية الأرمنية "نونيا" الفتاة الشقية التي لا تزال تطل عبر الشاشة الفضية بروح فتاة طفولية مشاكسة لم تفقد أبدا جاذبيتها أمام الكاميرا أو أمام نجوم الصف الأول طوال مشوارها الفني الممتد لأكثر من 70 عامًا ورصيد ضخم 68 أغنية و88 فيلما.
تكريم لبلبة ليس الأول من نوعه فقد كرمت من قبل في مهرجانات عديدة وهذا التكريم بجائزة الهرم الذهبي عن إنجاز العمر يأتي تتويجا لهذه المسيرة المميزة باستحقاق كبير.
حالفني الحظ بلقاء الفنانة القديرة "نونيا" أول مرة في مهرجان الإسكندرية السينمائي عام 2006 وكانت أول فنانة أجري معها حوارا صحفيا لإحدى المطبوعات السعودية، كنت متخوفة أن ترفض باعتبار أنها لم تسمع عني من قبل ولكن قبلت ورحبت ووجدتها حاضرة في ردهة فندق شيراتون المنتزة بأناقتها المعتادة في الموعد بابتسامة مشرقة محفزة شجعتني على خوض الحوار لم تبخل بالحديث أو تتعامل بعجرفة كعدد من الفنانات الشابات ذوات الرصيد المحدود جدا من الأعمال الفنية!
الجانب الانساني الجميل لدى فنانتنا العزيزة طاغ لأنه طبيعي لا يمكن أن يتصنعه أحد، لا يمكن أن أنسى خلال اللقاء حديثها عن الفنان حسن يوسف وكيف تحدثت عنه وهي تكن له كل الحب بعد مرور سنوات طويلة على انفصالهما، حتى أن عيناها امتلأت بالدموع وقد أدمعت من فرط شعوري بقيمة هذه الفنانة النبيلة التي تكن هذه المشاعر الرقيقة دون تجريح، كما نرى ونسمح الآن حول قصص الزواج والطلاق بين الفنانين وما نشهده من مهازل لا ترقى أبدا بقيمة الفن والفنانين المصريين، إن من ينظر لتجربة ومسيرة الفنانة "نونيا" يمكن أن يتعلم معنى أن يكون فنانا، وكيف يتفادى مشاكل الشهرة وإغراءاتها ويحافظ على مكانته ساطعة في قلوب الجماهير.
عاصرت "لبلبة" عبد الحليم حافظ وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وتعاونت مع كبار المخرجين في تاريخ السينما المصرية وقدمت ثنائي ناجح مع عادل إمام ومحمد صبحي ولم تتوقف عند موجة سينمائية بل قدمت نفسها مع كل جيل بما يناسب زمانه.
في حوارنا أكدت أنها تعلمت أن تغير جلدها الفني وتحرص على ذلك قبل أن تقبل الأدوار التي تعرض عليها فهي لا تحب أن يمل الجمهور منها.. وفي رأيي أنها تعاملت مع موهبتها الفنية ببراعة تامة استطاعت أن تشاكس جمهور السينما والتلفزيون وتفقده معايير الحكم عليها فتجعله يقبل عليها كمن يقبل على فاكهته المحببة فهي نجمة ضد الخفوت.
أما في وداع المخرج الكبير يوسف شاهين كانت أول الحاضرين في وداعه لمثواه الأخير في الإسكندرية وفي ندوة تكريمه قالت عنه لم يقدم يوسف شاهين ممثلين فقط بل أسس مدرسة فنية تتسع لكل فنان ذو رؤية وهدف، وكانت قد قدمت معه فيلم "الاخر" قالت عن شاهين:"علمني كيف أتحكم في دموعي وعندما جمعني مشهد مع حنان ترك وفيه البنت تخبر أمها بهية بأنها قابلت حب حياتها، طلب مني أن تكون الدموع على مراحل الأولى اللمعة ثم بداية ظهور الدموع ثم نزول الدمع، حاليًا عندما يعرض علي فيلم أتساءل أولا اذا كان سيعجبه أم لا؟!".
الوجه المحبب للكاميرا وللجمهور العربي "لبلبة".. فنانة عايشت العصر الذهبي للسينما المصرية واستمرت رغم كل ما مرت به السينما من عثرات، وقفت أمام نجوم من جميع الأجيال وخاطبت أيضا كل الأجيال فمن منا لا ترتبط طفولته بأغنية من أغانيها؟!!؛ لذا حفرت لنفسها مكانة خاصة جدا في قلوبنا..هي فنانة لا تحرص على الظهور الإعلامي بل ستجد وقتها مكرس لحضور الفعاليات الفنية التي تثري كيانها سواء معارض تشكيلية أو مهرجانات دولية ولاسيما مهرجان كان الذي تحرص على حضوره والاستفادة منه، ندوات ثقافية وقلما نجد فنانين يحرصون على حضور هذه الفعاليات دون رغبة في الظهور.. تكريم مستحق لفنانتنا الرائعة ودورة موفقة لمهرجان القاهرة بقيادة الفنان الكبير حسين فهمي والمخرج أمير رمسيس.
آراء حرة
"لبلبة" فاكهة السينما المصرية
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق