الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وطن في لحظة فاصلة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا أملك ترف الكتابة للكتابة، ولا أملك قدرة تسويد الصفحات لمجرد البقاء وسط زمرة الكتاب، كلما أمسكت القلم تقف أمامي سطور كتبها الشاعر الرائع عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحية "الحسين شهيداً"، حين أورد حواراً بين أبطال مسرحيته، يدور حول معنى "الكلمة"، وفيه يجد الكاتب نفسه أمام مسؤوليته التي تزداد ثقلاً في مناخات السيولة التي تغشانا الآن.
يقول الحوار - الذي يدور بين الوليد وبين الحسين رضي الله عنه - الوليد: نحن لا نطلب إلا كلمة، فلتقل بايعت واذهب بسلام إلى جموع الفقراء.. فلتقلها واذهب يا ابن رسول الله حقناً للدماء، فلتقلها، ما أيسرها، إن هي إلا كلمة.
الحسين: كبرت كلمة.. وهل البيعة إلا كلمة؟!، وما دين المرء سوى كلمة؟!، وما شرف الله سوى كلمة؟!.
ابن مروان بغلظة: فقل الكلمة واذهب عنا
الحسين: أتعرف ما معنى الكلمة؟!، مفتاح الجنة في كلمة، ودخول النار على كلمة، وقضاء الله هو كلمة، الكلمة لو تعرف حرمة زاد مزخور، الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور، وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري، الكلمة فرقان بين نبيّ وبغيّ، بالكلمة تنكشف الغمة، الكلمة نور، ودليل تتبعه الأمة، عيسى ما كان سوى كلمة، أضاء الدنيا بالكلمات وعلّمها للصيادين فساروا يهدون العالم، الكلمة زلزلة الظالم، الكلمة حصن الحرية، إن الكلمة مسؤولية، إن الرجل هو كلمة، شرف الله هو الكلمة.
انتهى الاقتباس بنصه وبقي الواقع يلطمنا، ما هذا الصخب الذي تلبّسنا؟!، ما هذا الإسهاب الذي جعل من كلماتنا لغواً؟، وطن يحترق ونحن عنه لاهون، بل ومنشغلون بصراعات ساذجة، ما زلنا ندير أزماتنا بسياقات عتيقة لم تقربها الثورة - بل قل لم تقربها "الثورتان" - وكأننا كنا في غفوة امتدت لسنوات ثلاث، أفقنا منها لنعاود سيرتنا الأولى، بينما الوطن يتعرض لهجمات شرسة من ائتلاف أعداء من بعض بنيه المتنمرين، فقدوا كل ما يربطهم به، فراحوا يتحالفون مع قوى الشر من كل حدب وصوب، وراحوا ينفثون سمومهم ويترجمون أحلامهم إلى كوابيس وأعمال إرهابية إجرامية تستهدف شبابنا وتحصد أرواح البسطاء وتقصف أحلامهم، وهم يؤدون ضريبة الوطن في صفوف الجيش والشرطة، يروّعونهم في ضربات غادرة على امتداد الوطن، يدمون قلوبنا على فلذات أكبادنا ويحسبون هذا جهاداً وإرضاء لله، أي عبث هذا؟!، وأي فكر هذا؟!.
الأمر لم يعد قابلاً للمناورة أو لتأجيل المواجهة الحاسمة، فنحن لسنا إزاء صراع سياسي، بل إننا أمام مصير وطن يستصرخنا أن ننتصر له في حسم وعزم وحزم، ولن يرحمنا التاريخ إذا بقينا على حالنا.
أما آن أوان تفعيل العدالة الانتقالية - التي تفرضها اللحظة الراهنة - خاصة بعد أن أعلنّا جماعة الإخوان جماعة إرهابية؟!، متى نُفعّل أدواتها، ومنها سرعة الفصل في قضايا الإرهاب وتأكيد الردع القانوني؟!، الذراع الطولى لضبط المجتمع وكبح جماح الإرهابيين ومن يناصرهم ويمولهم، وقبلهم من يخطط لهم بالداخل والخارج، وإن كنت أعتقد أنها لم تعد تجدي - وقد تجاوزناها وصارت الحاجة ملحة لإعلان حالة الطوارئ قبل أن نصل لإعلان الأحكام العرفية - أما آن أوان الاعتراف بحاجتنا إلى حكومة ثورية استثنائية تدرك خطورة اللحظة وتملك جرأة القرارات الحاسمة؟!.
علينا أن ندرك أن جنون الإرهابيين سيزداد مع كل لحظة نقترب فيها من استكمال استحقاقات خارطة المستقبل - انتخابات الرئاسة وانتخابات البرلمان - فماذا نحن فاعلون؟!. 
أيها السادة المسؤولون، إما أن تملكوا شجاعة المواجهة أو شجاعة الاعتراف بفشلكم، نحن إزاء وطن يحترق ولا يحتمل ترف المناورة.
جدران قلبي توجعني.