الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

ذا ديبلومات: بكين تتخلى عن دبلوماسية "الذئب المحارب"

 الصين
الصين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 اشتهرت الصين في السنوات الأخيرة بـ "دبلوماسية الذئب المحارب"، وهو تكتيك دبلوماسي حازم انتهجته بكين ضد منتقديها أو من يُنظر إليهم على أنهم ينتهكون مصالحها.
وتم استخدام هذه الدبلوماسية على نطاق واسع في  في السنوات القليلة الماضية، سيما منذ ظهور جائحة "كوفيد-19". مع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية ـوفقا لدورية "ذا ديبلومات" الأمريكية المتخصصة في الشؤون الآسيويةـ قوضت صورة الصين العالمية وزادت من تفاقم علاقاتها مع بعض الدول، من أوروبا إلى آسيا، ما دفع بكين إلى العمل نحو تغيير هذه الدبلوماسية لتأمين مصالحها بشكل أفضل.
وأشارت الدورية الأمريكية إلى أن الصين استشعرت أهمية تغيير هذه الدبلوماسية، وهو ما تجلى في تأكيد الرئيس الصيني "شي جين بينج" في مايو 2021 لكبار المسؤولين خلال اجتماع للحزب الشيوعي الصيني الحاكم، أهمية إظهار صورة إيجابية للصين من أجل توسيع دائرة أصدقاء الصين باستمرار. 
وقال بينج "من الضروري تكوين صداقات، وكسب الأغلبية، وتوسيع دائرة الأصدقاء باستمرار خاصة عندما يتعلق الأمر بالرأي العام الدولي. إن الصين يجب أن تكون منفتحة وواثقة، ولكن أيضا متواضعة في اتصالاتها مع العالم".
واعتبرت الدورية الأمريكية أن خطاب الرئيس الصيني شكل إشارة أولى حول تحول السياسة الصينية بعيدا عن دبلوماسية الذئب المحارب، حيث كان "بينج" نفسه وإدارته على دراية متزايدة برد الفعل العنيف الذي أحدثه موقف دبلوماسييها شديد الحزم، حيث واجهت بكين تدهورا مستمرا في علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا، علاوة على تلقيها استياء متصاعدا من دول حول العالم.
وتمثلت الخطوة الرمزية الأخرى التي اتخذها الرئيس الصيني لتغيير مسار الدبلوماسية الصينية تدريجيا في تعيين سفير جديد لدى الولايات المتحدة "تشين جانج" نائب وزير الخارجية السابق الذي كان مسؤولا في السابق عن شؤون أمريكا اللاتينية وأوروبا، وهو الاختيار الذي وصفه البعض بالمفاجيء في ظل افتقاره للخبرة الدبلوماسية فيما يتعلق بالشؤون الأمريكية مقارنة بسلفه.
ورأت "ذا ديبلومات" أن هناك سببين وراء هذا التعيين المفاجيء، يتمثل الأول في ثقة الرئيس الصيني به حيث إن "جانج" كان مسؤولا عن جدول "بينج" الدبلوماسي ورافقه وغيره من كبار المسؤولين الصينيين في رحلات دبلوماسية متعددة. أما السبب الثاني يتمثل في تعليق بينج آمالا على الاستفادة من تجربة "جانج" كمتحدث رسمي ومدير إدارة الإعلام بوزارة الخارجية للمشاركة في تحقيق هدف تشكيل صورة إيجابية عن الصين في الولايات المتحدة.
واعتبرت الدورية الأمريكية أنه رغم محاولة بعض وسائل الإعلام تصوير "تشين جانج" على أنه "دبلوماسي محارب ذئب" قبل أن يتولى منصبه في واشنطن، إلا أنه ليس كذلك، حيث إن نهجه الدبلوماسي أكثر اعتدالا، ويتناغم مع موقف الرئيس الصيني بشأن خلق صورة جيدة للصين. كما أن جانج نفسه نفى بشكل مباشر فكرة دبلوماسية المحارب الذئب عدة مرات منذ تنصيبه، وأكد للصحفيين أن الوصف الوظيفي لكل دبلوماسي صيني جديد مستمد من "الدبلوماسية السلمية" وليست "دبلوماسية المحارب الذئب" كما يشاع. 
وبالتالي، وبالنظر إلى تصريحات الرئيس الصيني وتعييناته، وتعليقات السفير الصيني الجديد لدى واشنطن، فإنه بحلول عام 2021 بدت النية الصينية واضحة، وهي التخلص التدريجي من دبلوماسية الذئب المحارب.
وتماشيا مع هذا النهج والتغيير، قام "وو هونجبو" الممثل الخاص للحكومة الصينية للشؤون الأوروبية –خلال مايو الماضي- برحلة لمدة ثلاثة أسابيع إلى أوروبا بهدف تخفيف التوترات بين الصين والاتحاد الأوروبي والتي تفاقمت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
ومقارنة بموقفه الحازم بشأن بعض القضايا خلال رحلته السابقة إلى أوروبا في نوفمبر 2021، اتخذ هونجبو نهجا مختلفا خلال هذه الرحلة، حيث أقر في كل محطة له بما وصفته الدورية بـ "أخطاء" الصين،
في إشارة إلى "دبلوماسية الذئب المحارب"، وهو ما علق عليه مسؤول أوروبي حضر الاجتماعات مع هونجبو قائلا: "إن الصينيين يريدون تغيير لهجتهم لوقف ومعالجة الضرر. إنهم يفهمون أنهم ذهبوا بعيدا جدا في هذا الأمر".
وفي يوليو الجاري، وأثناء حضوره اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في إندونيسيا، التقى وزير الخارجية الصيني "وانغ يي" مع وزيري خارجية ألمانيا وفرنسا على التوالي. وعلى الرغم من القلق بشأن انحياز الصين إلى روسيا، وموقفها من الأزمة الأوكرانية، والخلافات السابقة، تحدث الجانبان عن دفع التعاون الثنائي بدلا من التطرق إلى الخلافات. ويبدو من تغيير موقف هونجبو في جولتيه الأوروبيتين وتصريحات وزير الخارجية الصيني الأخيرة مع نظيريه الألماني والفرنسي، أن الصين تغير من نهجها الدبلوماسي لكسب ثقة أوروبا من أجل تجديد العلاقات.
وتجدر هنا الإشارة إلى أن الصين غيرت نهجها الدبلوماسي تجاه الجيران في المحيطين الهندي والهادئ أيضا. ففي مارس 2022، أجرى الرئيس الصيني شي جين بينج محادثة هاتفية مع رئيس كوريا الجنوبية المنتخب يون سوك يول (الذي تعهد في وقت سابق باتخاذ موقف موالي للولايات المتحدة وصارم تجاه الصين)، حيث قال بينج "إن الصين وكوريا الجنوبية جارتان متقاربتان دائمتان، لا يمكنهما الابتعاد عن بعضهما بعضا، وشريكتان لا تنفصلان، وإن الصين تولي دائما أهمية لعلاقاتها مع كوريا الجنوبية".
وجاءت هذه المحادثة الهاتفية في وقت تواجه فيه العلاقات بين الصين وكوريا الجنوبية تحديات مستمرة، سيما بعد الخلاف حول نشر بطاريات دفاع صاروخي أمريكية من طراز "ثاد" في كوريا الجنوبية في عام 2017، ووصلت صورة الصين في كوريا الجنوبية إلى مستوى قياسي منخفض، حيث إن ثمانية من كل 10 كوريين جنوبيين لديهم نظرة سلبية تجاه الصين. وهدفت المحادثة الهاتفية إلى إظهار "حسن نية" الصين بغرض إصلاح العلاقات بين البلدين بعد تضررها بشدة نتيجة سياسة "دبلوماسية المحارب الذئب". 
وبطبيعة الحال، لم تكن كوريا الجنوبية المثال الوحيد على هذا النهج. ففي يناير الماضي، تم تعيين "شياو تشيان" السفير الصيني السابق في إندونيسيا الذي اشتهر بأسلوب تواصل أكثر احترافا ونبرة معتدلة، كسفير جديد للصين في أستراليا، حيث تحدث منذ تقلده مهام منصبه عن استعادة العلاقات الجيدة بين البلدين، وتعديل النهج الدبلوماسي السابق.
كما أن وزير الخارجية الصيني "وانج يي" حث نظيرته الأسترالية "بيني وونج" حينما التقى بها على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في إندونيسيا في يوليو الجاري، على معاملة الصين كشريك وليس خصما وتجميع "طاقة إيجابية" لتحسين العلاقات بين البلدين. 
وترى "ذا ديبلومات" أن كلمات وزير الخارجية الصيني جاءت معتدلة بشكل علني مقارنة بالتعليقات والسياسات التي قدمتها الحكومة الصينية في العامين الماضيين، وهو ما يعد خطوة واضحة نحو تغيير "دبلوماسية الذئب المحارب".
بلا شك، مايزال هناك بعض الدبلوماسيين "المحاربين الذئاب" في الحكومة الصينية الحالية، مثل المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية "تشاو لي جيان"، ومع ذلك، فمن الواضح أن استخدام الصين لدبلوماسية "الذئب المحارب" تجاه الدول الأخرى تتراجع تدريجيا ويتم استبدالها بتفاعلات دبلوماسية أكثر إيجابية. 
وعلى الرغم من أن دبلوماسية الذئب المحارب آخذة في التضاؤل، إلا أن الدبلوماسيين الصينيين سيواصلون نقل رسائل قوية حول قضايا مثل تايوان وشينجيانج وهونج كونج وبحر الصين الجنوبي لحماية "المصالح الأساسية" للصين.
وأخيرا، ومع انعقاد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في بكين في وقت لاحق هذا العام، تشير أغلب التوقعات إلى أن الرئيس الصيني، الذي يضمن بنسبة كبيرة فترة ولاية ثالثة كرئيس للحزب الشيوعي الحاكم، سيقوم بتغييرات كبيرة بين كبار الدبلوماسيين العاملين، لتتماشي هذه التغييرات مع النهج الدبلوماسي الجديد المتمثل في خلق صورة إيجابية أكثر حول الصين. لذا، يمكننا أن نتوقع تراجع ملحوظ للغاية في دبلوماسية "الذئب المحارب" عقب هذا المؤتمر مع وجود قيادات دبلوماسية جديدة.