الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اعمل نفسك عايش

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 جمعتني الصدفة ذات مرة بامرأة إيطالية خمسينية على عشاء. كانت كعادة الإيطاليات مفعهمة بالحياة والحرارة ولديها الكثير من القصص لتحكيها. لها ذات صوتهم الرنان الذي تتخلله الضحكات دون استئذان كل برهة قصيرة. تحب سماع قصصهم. ورغم انها كانت تحكي قصة ليست بالسعيدة، إلا أنها كانت تملك أدوات كوميدية جيدة لتعرض بها قصتها مما يجعلك مربوطًا في كرسيك لا تذهب لأي مكان. تراقبها وهي تحكي وتعبث في خصلات شعرها الرمادي القصيرة. ترشف بعض العصير ثم تتابع. تحدثت عن سنوات من الوجع ألمت بها بعد وفاة زوجها وظروف الفقر والقلق القاسية التي عانتها بشدة. لكنها قالت بحيوية شديدة: "مع كل هذا لم أنقطع عن دعوة جيراني لغداء الأحد في الحديثة الخلفية، حتى لو لم أكن أملك المال لشراء شواء، كنت أكتفي ببعض الجبن وأنواع فطائر رخيصة، وأحيانًا كنت أقبل أن تشاركني جارة في الإعداد لهذا الغداء. هذا الغداء كان الحدث الوحيد الذي يشبه أيامي السعيدة، كنت أتظاهر بأنني أحيا كما كنت وأن زوجي سيخرج من باب بيتي حاملًا بعض العنب المميز كعادته، هو لم يخرج أبدًا. وأنا لم أفقد الأمل أبدًا حتى تبدلت الأحوال واشتريت البيت الذي كنت مستأجرة له". إذن يمكن لكل منا في مرحلة الوجع أن "يعمل نفسه عايش" فليس مطلوبًا منك فقط مهارة "اعمل نفسك ميت" التي نستخدمها في مواقف كثيرة، فالمواقف المعاكسة تحتاج إذن لأن تطبق "اعمل نفسك عايش".
   يقول الكاتب الأميركي "إريم" تظهر الفلسفة والحِكم وكأنها مخصصة للأوقات الصعبة، فهناك الكثير من عظماء الفلاسفة والمفكرين على مر العصور أنجزوا وقدموا أعمالاً خالدة أثناء الجوائح والاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية. ومن أشهر ما قال سقراط في الأوقات الصعبة "تذكّر دومًا، ليس هناك حالة بشرية دائمة، وهكذا فلن تبالغ في الشعور بالسعادة عندما يحالفك الحظّ، ولن تبالغ في احتقار سوء الحظ وازدرائه" فعليك أن تواجه الحياة بمرونة إدارك تغيرها، فطالما هي ستتغير فالمشكلات كلها قد تملك حلًا تسعى إليه أو يسعى هو إليها، فلتغيير في حد ذاته خير كثير، وطالما كان التغيير هو الشيء الثابت الوحيد في الحياة، كي يلهمنا ألا نتوقف عن الحركة أبدًا حتى نحظى بثمار التغيير الخاصة بنا كلما اقتربنا من عجلة التغير في الحياة أكثر وأكثر بمضاعفة حركتنا وقدرتنا على التحرك.
  كنت في حضرة كاتب تخطى الستين من عمره، أخبرني أن الحياة لا تشبه الحياة التي نتوقعها إبدًا، لذا إن أردنا التوقف عن المعاناة علينا التوقف عن التوقع، وأنه وصل لهذه الحقيقة بعد عمر طويل من الأخذ والرد مع الحياة. كانت المفارقة الغريبة أن أسعد ما حدث له هو اختلاف ما يحدث عما يتوقع، إذ قال لي وهو يضحك: "عرفت بعد فترة إنه يا نهار أسود لو كان اللي اتوقعته اتحقق". إذن المعاناة تزداد كلما توقعنا أساليب زوالها. عليك أن تنظر الفرج دون أن تتوقع حدوثه، أو تخمن من أي باب سيدخل عليك، لأنه لن يطيعك أبدًا في معظم الأحوال. يجرنا هذا لفضيلة الرضا. ارضَ بالألم كما ترضَى بالفرح. كلاهما زائل والرضا بكليهما باقٍ. هذا الرضا هو الذي يجعل الحياة ترضى بك أيضًا وتهبك أفكارها الإيجابية قدر ما تستطيع أن تعرف وتدرك، وهذا ما ستشعر به مع الوقت، بل ويدهشك.
  الأمور ليست كما نتخيلها أو ننتظرها، لكننا أيضًا نريدها أن ترانا، وأن تتفاعل معنا على طريقتنا بعض الوقت حتى نشعر بتقدير ذاتنا. يحدث هذا حين تتغير نظرتنا لذواتنا وفق الخبرة التي نكتسبها من الحياة، تصبح أشكال السعادة مختلفة، وبالتبعية أشكال الألم. فما يؤلمك اليوم قد يؤلمك غدًا. تكتسب بعض أفكار حالة سائلة تنساب فيها من إحساس لآخر، وتغير الإحساس بالتالي. ثق بأن الحياة جميلة إذ خلقها جميل، ثم مارس العيش كأنك تجني الثمار طوال الوقت.. "اعمل نفسك عايش حتى لو مش عايش".