الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

16 عامًا على الرحيـل ومازالت نيران الصدام تحت الهشيم "المسكين" رحلة طويلة من المصادمات والأزمات .. وخدمة ومؤلفات دينية

الاب متي المسكين
الاب متي المسكين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ستة عشرٍ عامًا على رحيل صاحب صيت الرهبنة والآداب والفلسفة والعلوم اللاهوتية وحامل لقب «المسكين» بين الرهبان عبر العصور والزمان، حينما يذكر أسمه تتذكر خلافات شهيرة بينه وبين الأنبا شنودة بابا وبطريرك الكنيسة – الراحل - كان يديرها كلاهما بالجحة والكلمة والمؤلفات، لم يحد احدهما عن سياق المجادلة بالكلمة، ورغم رحيل البطريرك والراهب مازالت حدة الاختلاف تشتعل وتتنامى بصورة أخرى بين اتباعهما.
القمص متى المسكين الأب الروحى اسمًا اقترن بدير الأنبا مقار الكبير ببرية شهيت واحد من أشهر رهبان العصر الحديث انتهج الدراسات وعشق الكتابات والمؤلفات والتفسيرات وتجاوزت كتاباته مائة مجلد ومطبوعة، تزخم مكتبة الدير ومجلة مرقس بشبرا بأعمالة المعروفة، ومن محبة الكثيرين فيه ونظرًا للدراسات المستفيضة باتت تترجم مجلداته للغات عده وتدخل في اطار دراسات بجامعات دينية خارج مصر.
رحلة طويلة من مدينة المنصورة بدأها الطفل يوسف اسكندر المولود في سبتمبر عام الثورة 1919، وكان ابنًا لأسرة ميسورة الحال كان من طفولته يشعر بمشاعر روحية، زادت في نهاية فترة حياته قبل دخوله الدير؛ وعرف بأنه نبغه في الدراسة والتعليم ودرس الصيدلة التي تخرج منها 1943 من جامعة فؤاد الأول القاهرة – القاهرة الآن، بعد تخرجه تعيَّن بالتكليف العسكري في المستشفيات الحكومية، ثم بعدها انخرط في العمل الحر، فقام بإدارة "أجزخانة" في الإسكندرية، ثم فتح أجزخانة خاصة في دمنهور ونجح في عمله.

باع مال لديه من املاك ليبدء رحلة زاخمه من الخدمة والمؤلفات الدينية والعطاء ولم تخّلو من الصدامات والمشاحنات والتنقل والترحال، فإذ به توجَّه إلى الرهبنة بدير الأنبا صموئيل العامر بجبل القلمون بمحافظة المنيا، واختار هذا الدير تحديدا لانه اكثر الأديرة بعدا عن العمران ويوفر روح العزلة وايضا احد أفقر الأديرة آنذاك، وقضى في الدير ثلاثة سنوات، حيث ترهَّب فيه على يد القمص مينا الصموئيلي رئيس الديرفي 10 أغسطس 1948في دير الأنبا صموئيل، وبعدها نزل إلى دير السريان – بوادى النطرون -  إثر مرض أصاب عينيه في مارس 1951، وهناك نال درجة القسيسية على يد أنبا ثاؤفيلس الذى رسمه قسًا رغمًا عنه باسم "القس متى المسكين" ولقب بذلك الاسم نظرا لوجود راهب آخر في الدير باسم متى - فاختار الاسقف له اسم القديس متى المسكين من القرن الثامن.
وفى حياة الوحدة والصلاة خرج للتوحد في مغارة تبعد عن الدير 40 دقيقة مشيًا على الأقدام، وتقابل مع الأب المتوحد عبد المسيح الحبشي  وقضى في فترة التوحد ثلاثة سنوات، وفي 1954 م طلب منه  الذهاب إلى الإسكندرية ليخدم بعد انتدابه لدرجة إيغومانوس "قمص" كوكيل للبطريركية للبطريرك الأنبا يوساب الثاني، رفض مرتان وقبل في الثالثة.

عروس المتوسط..  قام هناك  بتنظيم الخدمة وضبط المالية وطرق إجراء الخدمات الطقسية، ولكن رفض البعض أسلوبه وقراراته، فحاول ترك الخدمة مرّتان، ولكن فى نهاية المطاف تم إعفاءه من الوكالة بواسطة البابا يوساب الثاني سنة 1955 م، فعاد إلى المغارة بوادي النطرون والتف حوله الرهبان الجدد وطالبي الرهبنة.
يوليو 1956 عاد المسكين إلى ديره الأول "الأنبا صموئيل" ؛وفي العام التالي رشح القمص متى المسكين للكرسي البابوي، قبل أن يستبعد بسبب عدم انطباق شروط الترشح عليه الصادرة اختيار البابا، وبعدها عزم على انشاء بيت للمكرسين من الشباب الراغبين الخدمة دون رهبنة وخصص مقره المؤقت فى حدائق القبة، ثم انتقل ومعه 12 راهبًا في أوائل عام 1959 إلى حلوان.
يبدو ان الشيطان كان حاضرًا فى الوشاية.. الأمر الذى وصل حد التجريد من الرهبنة 1960 مما دعاه لذهاب إلى ليتوجه القمص متى المسكين إلى صحراء وادي الريان هو ومن معه من الرهبان وحفروا كهوفًا عاشوا بها لمدة تسع سنوات؛ وظل الحال لحين إرسال البابا كيرلس السادس طلب لقاء المسكين عام 69 لاجراء مصالحة معه وذلك بحضور القمص صليب سوريال والأنبا ميخائيل مطران أسيوط بعد تكشف أمر الوشايه، ودعاه للانتقال هو والرهبان صحبته لدير الأنبا مقار وكان يشرف عليه أنذاك الراحل الأنبا ميخائيل مطران أسيوط، والذي عاونه الراهب متى المسكين في مسئولية إعادة إعمار الدير وإعادة تخطيطه، وإدارة شؤون الدير.

وتنامي الدير وذاع اسمه وخدماته بين المسيحيين، وظل يخدم هناك وتتلمذ على يده الكثيرين منهم نظير جيد – البابا شنودة الثالث، قبل اختلافهما فكريا فى اوائل الستينات، وفي عام 1971 رُشح القمص متى المسكين ضمن 9 رهبان آخرين للكرسي البابوي، والتى جاء خلالها البابا شنودة بطريرك للكنيسة ؛ وأثناء سنوات الخلاف بين البابا شنودة والرئيس أنور السادات، كان هناك وساطة لوئد الازمة من جانب الأب متى ولكن فسرها البعض بأمور أخرى مما زاد حد الاختلافات.

فى سنوات خدمة البابا شنودة، كان الدير بعيدًا عن الكنيسة الرسمية ويخضع للقمص متى المسكين وتوجهاته وأفكاره الإصلاحية، حتى إنهم لم يرتدوا "القلنسوة الرهبانية" (غطاء رأس) التى كان يرتديها الرهبان فى كافة الأديرة، وفى عام 96 زار البابا شنودة الدير فى لقاء محبة مع الأب المسكين ورهبان الدير واستقبلوه بالاجراس والتراتيل والألحان.
ووصية قالها المسكين لأحد تلاميذه من الرهبان حينما اموت ادفنوني في الصحراء ولاتبيحوا لاحد مقبرتي، ولكن حينما جاء الوقت وتنيح فجر الخميس 8 يونيو 2006  هرول الكثيرين وبكي الكثيرين وسقط بين الالام الفراق وصية المسكين ودفن فى صحراء الدير يزوره  كل محب وقاصد زيارة المكان المقدس لنوال بركة القديسين.
ورغم رحيل البطريرك والمسكين مازال دائرة بين فريقين مؤيد البطريرك والراهب بينما تجاوزت الاختلافات المناقشات ووصلت إلى حد الاتهامات بالهرطقات والتجاوزات، ويبقي البسطاء حائرين والدارسين للاهوت والإبائيات من أكاديميات اللاهوت فى الغرب تدرس كتب الراهب المسكين.