الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أرقام مرعبة عن المستريحين في أسوان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أحسنت النيابة العامة صنعا عندما اختزلت قضية المستريحين بأسوان في أرقام، الأرقام التي جاءت بعد تحقيقات مكثفة أراها مرعبة، وأراها أيضا أنها تنتقل من حكاية النصابين والضحايا كحوادث متفرقة إلى بروزها كظاهرة اجتماعية واقتصادية تحتاج أكثر من وقفة وأكثر من دراسة وأكثر تشريع.
الظاهرة المرعبة التي كشفتها النيابة اننا لسنا امام نصاب واحد او خمسة حسبما وصل خيالنا عندما بدأنا متابعة المصيبة ولكننا أمام ثمانٍية وعشرون قضية  تضم تلك القضايا سبعةٌ وثلاثون متهمًا.
أما عن عدد البلاغات.. خذ عندك عزيزي القاريء النيابة العامة تلقت منذ أوائل الشهر الجاري حتى يوم 20 من الشهر الجاري بلاغات من ثلاثة آلاف وتسعمائة واثنين وعشرين مجنيًّا عليه، كل هذه القضايا وهؤلاء المتهمون وهؤلاء الضحايا تركزت منطقتهم الجغرافية في دائرتين فقط  هما مركز أدفو وكوم أمبو بأسوان.. فكيف تكون الأرقام لو فتحنا القوس لآخره ورصدنا النصابين والضحايا في عموم بلادنا لا شك أننا سنحصل على أرقام تسبقها ستة أصفار وهذا يعني الملايين، هذا المؤشر يجعلنا نتحسس موضع خطوتنا في الطريق العام.
و لأن القاريء مازال مهتما بالرقم الإجمالي للأموال التي تدفقت من بين أيدي الضحايا الذين لا نراهم أبرياء فهم أيضا متهمون بالطمع غير المشروع فقد حسمت النيابة العامة الرقم في القضايا المتداولة حيث أكدت أن حاصل الأموال التي تلقاها المتهمون من المجني عليهم يقدر بأربعمائة وخمسة وخمسين مليونًا وتسعمائة وواحد وثلاثين ألفًا وسبعمائة وخمسة وأربعين جنيهًا (٤٥٥،٩٣١،٧٤٥).. وبالرغم من أنني لا أجيد الحساب إلا أنني أعرف أن هذا المبلغ يمكنه فتح أكثر من تسعة مصانع منتجة كثيفة العمالة قادرة على تحقيق الأرباح المشروعة وقادرة على معالجة البطالة وفتح البيوت بالعرق الحلال.. فما الذي حدث للمصريين وغرامهم بالربح السريع.
455 مليون جنية طاروا في الهواء وكان من الممكن لهم ان يمكثوا في الأرض بين جدران عنابر مصنع او حدود أرض زراعية.. 455 مليون جنيه خرجوا من جيوب الناس إلى جيوب الاحتيال وفقدنا تسعة مشاريع إذا اعتبرنا أن المشروع المتكامل راسماله خمسون مليون جنيها.
وإذا كنا بشكل عام نشكو من بطء إجراءات التقاضي فقد رد بيان النيابة العامة على تلك الشكوى بشكل غير مباشر حيث أشار إلى أن النيابة العامة استمعت إلى شهادة 829 من المجني عليهم.. يا الله..  الاستماع إلى ما يقرب من ألف مواطن ليس نزهة ولكنه مهلكة ولذلك يمكنني القول أن معظم مشاكلنا هي من صناعة أيادينا.. طبعا لم يقتصر العناء عند الاستماع لمن اسميناهم ضحايا ولكن الاستماع للجناة مهلكة أخرى.. الجناة كما قال بيان النيابة وقلنا في المقال عددهم 37 متهما.. تم القبض على 17 منهم تم التحقيق معهم وحبسهم بينما مازال هناك 20 متهما هاربين أمرت النيابة بضبطهم وإحضارهم.
نحن أمام سيرك كبير وكأن بلادنا قد انتهت من ردم معوقاتها حتى يبرز لنا قضايا النهب المنظم في صورة توظيف الأموال حيث النصاب والطماع وبينهما الجهل المستدام.
بالطبع القارىء الذي أطلق العنان لخياله بهدف معرفة الأرقام التي تم ضبطها فقد اختصرت النيابة العامة الطريق لخياله وأوضحت انها عاينت مزرعةً يملكها أحد المتهمين، وأمرت ببيع أربعمائة وسبع وأربعين رأسَ ماشية ضُبطتْ بها بالمزاد العلنيِّ تحت إشراف النيابة العامة بمعرفة لجنة من أعضاء وزارتي الزارعة والتموين وإدارة الطب البيطري بأعلى سعر، حيث تم توريدُ ثمَن بيعها المقدّر بخمسة ملايين جنيه (٥،٠٠٠،٠٠٠) إلى خزينة المحكمة على ذمة القضية، كما وُرِّد إلى خزينة المحكمة مبالغُ أخرى تم ضبطُها تقدر بمليون وثلاثمائة واثنين وثمانين ألفًا وثمانمائة جنيه (١،٣٨٢،٨٠٠)، فضلًا عن إيداع ست عشرة (١٦) قطعة ذهبية مضبوطة مع أحد المتهمين بخزينة المحكمة،
ويبقى لنا أن نعرف قيمة التهمة التي وجهتها النيابة للمتهمين لننتظر قيمة العقوبة فقد أوضحت النيابة ان المتهمين قاموا بدعوة الجمهور عَلنًا لتلقيهم أموالًا متمثلة في مبالغ مالية وسيارات ورؤوس ماشية؛ للاستثمار فيها مقابل الربح وتوظيفها واستثمارها على خلاف الأوضاع المقررة قانونًا، مع كونهم غير مرخص لهم بمزاولة نشاط الشركات المقيدة بالهيئة العامة لسوق المال، فضلًا عن امتناعهم عن رد تلك الأموال. 
رحم الله الكاتب الكبير فرج فودة الذي حذر مبكرا من هذه الظاهرة عندما بدأت موضة السعد والريان.. الكاتب أصدر كتابا كاملا اسماه" الملعوب" يفضح سيناريو التوظيف بشكل بسيط وسلس، ولو كنت انا صاحب قرار في هذه البلد لأمرت بإعادة طبع هذا الكتاب وتوزيعه مجانا حتى لا نقرأ العام القادم عن مستريحين جدد.