الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

أزمة أقباط أم أزمة وطن؟! [3]

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في إبحارنا مع قراءة الأحداث، نكتشف أن فترة السبعينيات من القرن الماضي مخزون إستراتيجي لمن يسعى لتفكيك تشابكات اللحظة المعاشة اليوم وغدًا وفهمها، ومعها نكتشف أن استهداف الأقباط لم يكن موقفًا دينيًّا خالصًا، إنما هو خطوة تكتيكية ضمن إستراتيجية إحكام السيطرة على مقدرات مصر؛ باعتبارها حجر الأساس في بنيان الخلافة المستهدفة بعد أفولها رسميًّا 1923، وباعتبارهم –الأقباط- معوقًا بقدر لتحقق سعي الاسترجاع، وهو ما تنطق به مراجع توثيقية عديدة تناولت ورصدت أحداث تلك الفترة.
كانت الخطوط تتواصل بين تيارات الإسلام السياسي -الإخوان كرأس حربة- وبين السادات في السنوات الأخيرة لحكم عبد الناصر، بتفويض منه، وبعيدًا عن أعين القيادات الأخرى، وعن العاصمة، هناك في مدينة طنطا وفي ضيافة الدكتور محمود جامع، مدير مستشفى مبرة طنطا آنئذ، بحسب شهادة اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز أمن الدولة آنئذ، في كتاب “,”السادات المباحث والإخوان“,”، ومذكرات وجيه أباظة، عضو مجلس قيادة انقلاب/ ثورة 52، ومحافظ القاهرة الأسبق- فيما بعد- وأحد مجموعة 15 مايو التي أطاح بها السادات عقب توليه الرئاسة.
وعندما يأتي السادات للحكم في لحظة لا تقل غموضًا والتباسًا عن لحظة رحيله، تترجم توافقات تلك الاجتماعات على الأرض، ببطء ولكن بإصرار، ويستعجل شركاء الباطن حصتهم، فتبدأ سلسلة الأعمال الإجرامية التي تروع الوطن، والتي سميت تمويهًا “,”الفتنة الطائفية“,”، التي أشرنا إلى بداياتها في الحلقة السابقة، ويأتي العام 1977 ليحمل تطورًا -لما سبق واحتشد به العام السابق بطوله إعلاميًّا، وعبر منظومة الزوايا الممتدة بطول البلاد وعرضها- يمهد لتدشين حراك التطبيق على الأرض، في معركة النفوذ بين الجماعات والرئيس الذي يجيد المناورة، فاستبقهم بالسعي لنقل التطبيع مع الشريعة من الفضاء السياسي الإعلامي إلى المربع التشريعي، بطرح مشروع قانون “,”الردة“,”، كما عرف إعلاميًّا حينها. والذي جاء في توقيت تزايدت فيه الضغوط على بسطاء الأقباط لاجتذابهم بعيدًا عن عقيدتهم، ورفض عودتهم إلى مسيحيتهم، واعتبارهم مرتدين؛ الأمر الذي جدد مخاوف الأقباط من إعادة إنتاج استهدافهم وملاحقتهم، وقد رصد تفاصيل ما حدث الأستاذ نبيل عبد الفتاح موثقًا في كتابه “,”المصحف والسيف“,”.
فكان أن انعقد مؤتمر بالإسكندرية، 17 يناير 1977، ضم الآباء كهنة الكنائس القبطية، وأعضاء المجلس الملي السكندري، ورؤساء وأعضاء الجمعيات والهيئات القبطية، ورؤساء وأعضاء مجالس الكنائس، وممثلي قطاعات الشعب القبطي من هيئات التدريس الجامعي والأطباء والمحامين والمحاسبين والمهندسين والمعلمين وأرباب المهن التجارية والعاملين في مختلف المصالح الحكومية والقطاع العام، وجاء جدول أعماله يحمل طرح العديد من القضايا والتخوفات التي تهم وتؤرق الأقباط وتمس حرية العقيدة وممارستها وتطبيق الشريعة الإسلامية على المسيحيين –ومبدأ تكافؤ الفرص وتمثيل المسيحيين في الهيئات النيابية– والموقف من الجماعات الإسلامية المتطرفة.
وبحسب البيان الصادر عن المؤتمر، كان الإطار الحاكم لمداولاتهم وطرحهم يحده ( اعتباران لا ينفصل أحدهما عن الآخر: أولهما الإيمان الراسخ بالكنيسة القبطية الخالدة في مصر، التي كرستها كرازة القديس مرقص الرسول، وتضحيات شهدائها الأبرار على مر الأجيال. والأمر الثاني الأمانة الكاملة للوطن المفدى الذي يمثل الأقباط أقدم وأعرق سلالاته، حتى أنه قد لا يوجد شعب في العالم له ارتباط بتراب أرضه وبقوميته مثل ارتباط الأقباط بمصر العزيزة).
وانتهى المؤتمر إلى مطالبات محددة، نقرأها من أوراق المؤتمر:
أولاً: حرية العقيدة: نطالب بتوفير كافة ضماناتها بالنسبة للمسيحيين، وإلغاء جميع الأوضاع والتوجيهات والتعليمات الحكومية والفتاوى التي تقيد هذه الحرية المقدسة، خصوصًا بالنسبة لعودة المسيحي إلى ديانته الأصلية، مما يوصف وصفًا خاطئًا من قبيل الردة عن الإسلام.
ثانيًا: حرية العبادة : نطالب بإلغاء القيود العتيقة والقرار الإداري السابق، من وكيل وزارة الداخلية في عهد الطغيان بشروطه العشرة التعسفية المقيدة لبناء الكنائس، كما نناشد أجهزة الأمن في الدولة أن تقوم بدورها الواجب بصورة رادعة حازمة؛ حماية لممارسة الشعائر الدينية في الكنائس، وبخاصة في القرى، سواء في نطاق الأمن أو في نطاق ضبط وإدانة العدوان والإيذاء.
ثالثًا: تطبيق الشرع الإسلامي: تطبيق الشرع الإسلامي فيما ينادي به غلاة الدعوة الإسلامية والتيارات المتطرفة الغريبة على المجتمع المصري الأصيل.. نعلن عدم قبول تطبيقها على المسيحيين في مصر، كما ونعتبر أن أي محاولة في هذا الشأن للإلزام الجبري تحت التشريع أو القوانين الجزائية، أنها تنطوي على إكراه المسيحيين على عقيدة أخرى؛ مما يجافي مجافاة صارخة أقدس حقوق الإنسان في حرية العقيدة.
رابعًا: تشريعات الأحوال الشخصية: نطالب بسرعة إصدار التعديل التشريعي اللازم للقانون رقم 462 لسنة 1955، بما يقرر صراحة وجوب تطبيق الشريعة، العقد الذي عقد بين زوجين مسيحيين، على كافة آثار الزوجية بما فيها حضانة الأولاد، دون اعتداء بتغيير الدين أو الملة بعد العقد؛ وذلك حماية للأسرة وقضاء على التلاعب بالأديان.
خامسًا: عدم تكافؤ الفرص: نطالب بتشكيل لجنة رسمية عليا للوحدة الوطنية، تتوفر لها مقومات الحيدة وأوسع سلطات التحقيق؛ وذلك لتقصي الحقائق في الشكاوى بخصوص عدم المساواة في التعيينات والترقيات في الوظائف الحكومية والقطاع العام، توطئة لإصدار القرارات الإدارية، لتصويب الأوضاع وإعطاء كل ذي حق حقه؛ وذلك لوضع قواعد واضحة وضوابط دقيقة تضمن عدم اتباع الهوى والمحاباة، وليكون التعيين والترقية على أساس تقديرات النجاح وتقارير التفتيش الدورية، ومؤاخذة الجهات الوظيفية الرئاسية التي تنحرف عن القواعد والضوابط بكل حزم؛ لضمان المساواة، وحرصًا على الصالح العام.
سادسًا: تمثيل المسيحيين في الهيئات النيابية : نطالب بمعالجة الأمر على النحو الذي يكفل تحقيق تمثيلهم في مجلس الشعب والمجالس المحلية والشعبية تمثيلاً حقيقيًّا لا رمزيًّا، وليكون متفقًا مع الإحصاء الواقعي للمواطنين، ومحققًا للوحدة الوطنية بين عنصري الأمة.
سابعًا: الاتجاهات الدينية المتطرفة: نطالب بتدخل الجهات الحكومية المختصة في الدولة، والقضاء على تلك الاتجاهات بكل حزم؛ حفاظًا على الوحدة القومية، وأن تتخذ الإدارات الجامعية ما يلزم من التدابير لتنقية الأوساط الجامعية من الشوائب الدخيلة، بحيث تخصص الجامعات لتلقي العلم خالصًا، كما هو الحال في كافة جامعات دول العالم المتحضرة.
ثامنًا: حرية النشر: نطالب برفع الرقابة الرسمية أو المقنعة عن المؤلفات والمنشورات المسيحية، ووضع حد للكتابات الإلحادية والكتابات التي تتضمن التعريض بالدين المسيحي وعقائده، وتضمين مناهج الدراسات التاريخية والأدبية والحضارية في مراحل التعليم المختلفة وفي الجامعات، ما يتعلق بالمرحلة المسيحية في تاريخ مصر الممتدة على مدى ستة قرون كاملة قبل الفتح الإسلامي.
وكان من أهم تداعيات المؤتمر اتخاذ قرار بالصوم لخمسة أيام، التزم به كل مسيحيي مصر من كافة الكنائس والطوائف، مصحوبة بصلاة دائمة -بحسب يقينية الأقباط- بأن الأمر مطروح بجملته أمام الله.
كانت قراءة العالم لهذا الحدث على نحو مختلف؛ إذ حسبها احتجاجًا بالعصيان السلمي والإضراب العام عن الطعام، واعتبره صرخة استغاثة في مواجهة استهداف بشبهة رسمية؛ فتوالت الضغوط الدولية؛ الأمر الذي دفع السلطة الحاكمة للتراجع، وإلغاء حزمة مشاريع القوانين الى حين.
تراجعت السلطة تكتيكيًّا ولم يتراجع الإرهاب، وتستمر دائرة الاستهداف في مسارها، ونجد أنفسنا أمام ابتعاث جديد لطرح حزمة مشاريع القوانين ذاتها وزيادة اليوم، بأدوات وطرح جديدين، وجولة جديدة للصراع بين التنوير وقوى اليمين الرجعي. ونكتشف مجددًا أن الأزمة تتجاوز الأقباط إلى الوطن.. ما أشبه اليوم بالبارحة! وما زالت القراءة ممتدة.