الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

"ونحن كنا نرجو".. نص كلمة أحد القيامة للمطران منيب يونان

المطران الدكتور منيب
المطران الدكتور منيب يونان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ألقى المطران الدكتور منيب يونان، رئيس الاتحاد اللوثري العالمي سابقا والرئيس الفخري لمؤسسة الأديان من أجل السلام، رسالة القيامة من الأراضي المقدسة، تحت عنوان  “وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو” (إنجيل لوقا 24: 21)، وإلى نص الرسالة:
نحتفل بعيد القيامة في هذا العام وقد امتلأت قلوبنا كقلبي تلميذي عمواس بخيبة أمل وبالرجاء في الوقت نفسه. لقد ابتدأ مشوار عمواس بخيبة أمل هذين التّلميذين. فالتّلميذ كليوباس كان يشارك رفيقه بخيبة آمالهما. حقًّا خابت آمالهما من الأوضاع السياسية السائدة ومن الاتهامات الكاذبة ضد يسوع المسيح. فصلب المسيح يعتبر في الإمبراطورية الرومانية حدثًا سياسيًّا بامتياز. وككثير منا خاب أمل بالسَّاسة وتصرفاتهم غير العدالة. "ونحن كنا نرجو أن هذا المزمع أن يفدي شعب الله "( 21).

ومن الممكن أن يكون أمل هذين التلميذين قد خاب من قائد ملهم انتهت حياته بالصلب، أو أنه خاب أملهما؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- لم يتدخل مباشرة ويوقف عملية الصلب، فقد أعتبر جميع التلاميذ أن يسوع المسيح هو المسيح المنتظر، وهو تتمة النبوات،وتوقّعوا منه أن يغير الأحوال ويقضي على الظلم والقمع. أو أنهما انتظرا منه أن يقاوم يسوع السلطات الرومانية لينهي احتلالهم غير الشرعي، ولقد خاب أملهما وكأن حركة يسوع الجديدة، قد فقدت قوتها السياسية، فهذان التلميذان كانا على علم ودراية من أحداث القدس السياسية، وقد وصلتهما الأخبار أن النسوة اللاتي زرن القبر ، فوجدنه فارغًا، وبالتالي أين ذهبت جثة المسيح؟.

وفي طريق خيبة آمالهما واكبهما رفيق غريب على طريق عمواس، وشاركهما في تحليلهما السياسي وفكرهما الديني. وشرح لهما من موسى والأنبياء عن أهمية صلب المسيح وموته. لأنه من الضروري أن يسوع المسيح، المسيح المنتظر أن يتألم ويصلب ويموت، ثم يرفع في مجد. " وقد أمسكت أعينهما عن معرفته"( 16 )، لأن خيبة أملهما أعمتا أنظارهما عن سبر غور النبوات، ومن معرفة الحق الإلهي.

واليوم نحن نسير مع تلميذي عمواس في مشوارهما الملفّع بخيبة الأمل. فالأوضاع السياسية المحلية والإقليمية والدولية تضيف على خيبة أملنا،وكأننا نقول مع التلميذين : " نحن كنا نرجو" ( 21) وكعربي فلسطيني مسيحي، أشاركهما همومي وأقول معهما، ونحن -أيضًا- كنا نرجو أن يتصرف العالم بمعيار واحد للعدالة وحقوق الإنسان وليس بمعيارين.

كنا نرجو أن الحرب الروسية الأوكرانية لم تحدث أبدًا. كنا نرجو أن تجد القوى السياسية حلا دبلوماسيًّا. وخيبة أملنا هي أن أصوات المدافع وأزيزالرصاص كانت أقوى من الحل السلمي اللاعنفي. ومما يقلقنا أن ثمة من يعتقد أن هذه الحرب هي حرب مقدسة، أو أن يستغل بعضهم بعض النبوات في العهد القديم خارج سياقها، ويروّجون أنها حرب يأجوج ومأجوج، وهكذا اقتربت نهاية العالم.

ونحن نقول لهم بصراحة متناهية: لا تستغلوا الكتاب المقدس- بعهديه القديم والجديد- لتبرير أي نوع من الحرب أو القمع أو الاحتلال أو الاستعمار أو الظلم. إن رسالة الكتاب المقدس هي رسالة سامية تسعى لتبرير الإنسان من خطاياه وتحريره، وهي رسالة عن العدالة الإلهية التي وجب أن تتحقق على هذه الأرض. وفي أيامنا هذه لا نحتاج إلى أي حرب مهما كانت، ولا إلى قوة السلاح والدمار، إنّما نحن بأمسّ الحاجة إلى سلام مبني على العدالة؛ لينعم كل إنسان بحريته وحقوقه المشروعة.

فالنقاش القائم حول أوكرانيا ذكرني بما قاله اللاهوتي الألماني ديترش بونهوفر: وجب على الكنيسة والدين أن يكونا مراقبين للمجتمع والدولة. اَلْبِرُّ يَرْفَعُ شَأْنَ الأُمَّةِ، وَعَارُ الشُّعُوبِ الْخَطِيَّةُ  ( أمثال 14: 24 ) وكما قال الدكتور مارتن لوثر كينج الصغير: وجب على الكنيسة أن تكون ضمير المجتمع، ولذلك على جميع الأديان السماوية أن تجد القيم المشتركة لتكون صوتًا نبويًّا ضد الظُّلم والقمع، على نحو ما فعل أنبياء العهد القديم الذين لم يفوتّوا فرصة بانتقادهم ضد ظلم ساستهم وشعوبهم حينما أعميت عيونهم بالكبرياء والظلم.

ومن القدس نسأل: أين قادة العالم من إرساء قواعد العدالة وحقوق الإنسان في بلادنا؟ لقد سئم شعبنا من الظلمِ والقمعِ والعنف والعنف المضاد، وكذلك من الإجراءات الاحتلالية القاسية، وقد خاب أمل الكنائس المسيحية في القدس بأن بعض أملاكهم قد سيطر عليها بعض المتطرفين، وأعرب رؤساء الكنائس عن خوفهم على مستقبل المسيحين في القدس من هؤلاء المتطرفين الإقصائيين ولكن تؤكد رسالة القيامة لشعبنا بأن رجائنا الوحيد هو بالعدالة الإلهية التي تجلت على الصليب وفي القيامة.

لقد دعا التلميذان الرفيق الغريب يسوع المسيح ليمكث معهما لأنه قد مال النهار، فلما أُحضر طعام العشاء وأخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وناولهما، عندها فهما أنه ليس رفيقًا غريبًا إنّما هو سيدهم وربهم يسوع المسيح الذي بالفعل قام من الأموات، وتحولت خيبة أملهما القاتمة إلى رجاء حي.

فغدوا من بوّاقينَ لخيبة الأمل إلى مبشرين بالقيامة الحقة، وبالرجاء الحي. وفي الحال تركا عمواس،ورجعا القدس ليحملا رسالة رجاء القيامة والعدالة الإلهية إلى زملائهم التلاميذ. فأصبحا مبشرين بالخلاص الذي حققه المسيح على الصليب بدمه الكريم لجميع البشرية، وأصبحا رسل رجاء حي.

وهكذا، فلنا نحن المسيحيين، الأفخارستيا، مائدة الرب في جميع كنائسنا هي المكان الذي ينعش نفوسنا وقلوبنا ومعنوياتنا بالرجاء الحيّ. نأتي إلى مائدة الرب راكعين ومعترفين بخيبة أملنا وخطايانا وتقصيرنا، فعندما نتناول جسد المسيح ودمه كما حدث مع تلميذي عمواس ننتعش بقوة القيامة، وحينها نغدو مبشرين برجاء القيامة وبالعدالة الإلهية؛ لأن لا شيء يقدر أن يفصلنا عن محبة المسيح، ولا عن صلبه، ولا عن قيامته. فالمسيح هو الذي علمنا " فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ" (إنجيل يوحنا33:16 ) “سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ" (أنجيل يوحنا 15: 27)

عيد القيامة، هو عيد تجديد رجائنا بالمسيح الحي، وإيماننا بالله العادل؛ لأن القيامة تعلمنا أنه طالما ثمة إلهٌ حي، فنحن لنا رجاء في هذا العالم الظالم.

فمن قدس القيامة، نحييكم برجاء المسيح قائلين: المسيح قام ... حقًّا قام.