الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

من حكايات كليلة ودمنة| قصة الحمامة المطوقة

كليلة ودمنة
كليلة ودمنة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كان بأرض "دستاد" عند مدينة يقال لها "ماروات" مكان للصيد يتصيد فيه الصيادون. وكان في ذلك المكان شجرة عظيمة كثيرة الغصون ملتفة الورق. وكان فيها وكر غراب يقال له "حائر"، فبينما الغراب ذات يوم واقف على الشجرة، إذ بصر برجل من الصيادين قبيح المنظر سيء الحال وعلى عنقه شبكة ، وفي يده شرك وعصا ، وهو مقبل نحو الشجرة.

ذعر الغراب منه وقال:لقد ساق الصياد إلى ههنا أمر، فما أدري ما هو! ألموتي أم لموت غيري؟ ولكني ثابت على كل حال، وناظر ما يصنع.

نصب الصياد شبكته ونثر فيها حبه وكمن قريبا؛ فلم يلبث إلا قليلا حتى مرت به حمامة يقال لها المطوقة – وكانت سيدة الحمام – ومعها حمام كثير. فرأت الحب ولم تر الشبكة، فانقضت وانقض الحمام معها، فوقعن في الشبكة جميعا. وجعلت كل حمامة منهن تضرب على ناحيتها وتعالج الخلاص لنفسها.فقالت المطوقة: لا تخاذلن في المعالجة، ولا تكن نفس كل واحدة منكن أهم إليها من نفس صاحبتها؛ ولكن تعاونّ عليها، وطرن بها في علو السماء.

ورأى الصياد صنيعهن فاتبعهن يطلبهن، ولم يقطع رجاءه منهن، وظن أنهن لا يطرن إلا قريبا حتى يقعن. وقال الغراب: لأتبعن حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمرهن وأمره.

التفتت المطوقة فلما رأت الصياد يقفوهن قالت للحمام: ها هو ذا جاء يطلبكن؛ فإن نحن أخذنا في الفضاء لم يخف عليه أمرنا، ولم يزل يتبعنا، وإن نحن أخذنا في الشجر والعمران لم نلبث أن يخفى عليه أمرنا، ولم يزل يتبعنا حتى ييأس منا فينصرف. مع ذلك إن قريبا من الطريق جحر جرذ، وهو صديق لي، فلو انتهينا إليه لقطع عنا هذه الشبكة وخلصنا منها.

ففعل الحمام ما أمرتهن به المطوقة، وخفين على الصياد، فيأس منهن وانصرف. وثبت الغراب على حاله لينظر هل للحمام من حيلة للخروج مما هن فيه فيتعلمها وتكون عدة لنفسه إن وقع في مثلها. فلما انتهت المطوقة إلى مكان الجرذ أمرت الحمام بالنزول فوقعن، ووجدت الجرذ قد أعد مائة جحر للمخارج، فنادته المطوقة باسمه -وكان اسمه زيرك- فأجابها من الجحر وقال: من أنت؟

فقالت له: الحمامة المطوقة.

فخرج إليها مسرعا، فلما رآها في الشبكة قال لها: يا أختي، ما أوقعك في هذه الورطة وأنت من الأذكياء؟

قالت له: أما تعلم أنه ليس من الخير والشر شيء إلا وهو محتوم على من يصيبه، بأيامه وعلله ومدته وكنه ما يبتلى به من قلته وكثرته؟ فالمقادير هي التي أوقعتني في هذه الورطة، ودلتني على الحب، وأخفت على الشبكة حتى دخلت فيها وصويحباتي.

أخذ الجرذ في تقريض العُقد التي كانت فيها المطوقة. فقالت له: ابدأ بتقريض عقد سائر الحمام قبلي وانصرف إلي.فأعادت ذلك عليه مرارا -كل ذلك لا يلتفت إلى قولها- فلما ألحت عليه قال لها: لقد كررت علي هذه المقالة كأنك ليس لك في نفسك حاجة، ولا ترين لها عليك حقا.

فقالت له المطوقة: لا تلمني على ما سألتك؛ فإني قد كلفت لجماعتهن بالرياسة، فحق ذلك علي عظيم. وقد أدين إلي حقي في الطاعة والنصيحة، بمعونتهن وطاعتهن، وبذلك نجانا الله من الصياد.