الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

بداية الحكاية| التنورة.. الفرار من الأرض لفضاء السماء

راقص تنورة
راقص تنورة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تهيم الروح.. وتنسلخ من أمراضها.. ترتفع من الأرض إلى السماء.. حركات روحانية تظن أنك خارج حدود المكان، تنسحب من الدنيا بهدوء وسكينة حين تستمع إلى أنغام وآخر يقول بصوت عذب:«لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي.. إذا لم يكن ديني إلى دينه داني.. لقد صارَ قلبي قابلاً كلَ صُورةٍ.. فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــــانِ.. وبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــبةُ».

طـائف ثالث يتراقص في حركة دائرية، يعتقد البعض أنها جزء من فن فولكلوري مضى عليه سبعة قرون من الزمن، ولكنها حركات منتظمة على أنغام كلمات صوفية صممها المصريون لتهيم أرواحهم من الأرض لتصل إلى السماء: «ضِيقي.. مع التَيَّار واتَّسِعِي.. وتَفَرَّقي ما شئتِ واجْتَمِعي طيري.. حقيبةَ أنْجُمٍ ورؤىً.. يا.. يا مُغَامَرَةً مُصَوَّرةً.. لَتَلُمُّكِ الأحداقُ.. إنْ تَقَعِي».

كانت بداية الحكاية من المتصوفة، عندما رأى بعضهم أن الكون يبدأ من نقطة، وينتهي عند ذاتها، فكانت التنورة هي نتاج هذا الفكر معتمدة على أساس فلسفي وغناء مصاحب لها بأبيات من الشعر الصوفي، بعد ذلك تحول لأبيات تتحدث عن السلام ومحبة الأخر وتقبله، وكانت ترتبط التنورة بشهر رمضان المبارك على كلمات المتصوفة في القرن الثالث عشر الميلادي، وأرجع البعض أن الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي هو أول من قدم رقصة التنورة فيما يسمى برقصة الدراويش، وطورها بعد ذلك أهل مصر، وغيروا من شكلها ليضيفوا لها الدفوف، ويجعلوا منها فنًَا استعراضيًا أكثر عمقًا، وتُعد الطريقة المولوية في مصر هي من أدخلتها في الذكر، فيدور الراقصون حول شيخهم لمدة ساعات، ويقف الشيخ في المنتصف، ويتجردون من العالم المادي، لتهيم روحهم إلى السماء.

وتعتبر التنورة هي النوع الأول من الرقص الإسلامي، بداية من أن كل شيخ طريقة وأمير في مصر ينشئ تكية يقيم فيها أبناء السبيل، والدراويش وتبدأ في غسق الليل ولا تقل عن أربعين درويشاً بملابسهم الملونة مابين الأحمر والأخضر والأبيض، وهم يبدأون بترديد اسم الذات الإلهية.. الله.. الله.. الله.. فينحني الجسد والرؤوس ويتحركون ناحية اليمين، ويبدأ الدراويش في الحركة سريعاً ثم يتوسطهم درويش ويلف حول نفسه بسرعة فاردا ذراعيه ويفرد تنورته وينحني أمام شيخه في طقوس يخيم عليها السكون.

ويُذكر أن التنورة كانت في بدايتها كـفن تركي تعتمد على الراقص قبل أن يطورها أهل مصر في العصر الفاطمي، لتصبح أهم الفنون الاستعراضية في وقتنا الحاضر وتنتشر بكثرة في شهر رمضان، والغريب في الأمر أن المصري مزج في ردائها بين الشكل الإسلامي والفرعوني. وللدراويش في رقصة التنورة فلسفة أخرى وهو احتفاله بالكون ودورة الحياة، فتجده يهمس في نفسه: «أنت كهبة الأرواح فلأقم بالطوف حولك فأنا كالفلك عملي ليل نهار هو الطواف ولا ترتعد في جواد الجسد».